وليم وردا:
- الدستور العراقي فيه ثغرات وحواجز تضع العصا في مسيرة التعايش والمصالحة.
- حرية المعتقد التي يشير اليها الدستور لا تعني ابداً الحرية الدينية.
- ان التغيير الديمغرافي لم تتوقف في العراق لا في ظل وقت النظام السابق ولا في النظام الحالي، وقد مارس التغيير الديمغرافي أكثر من طرف.
خلال جولته الى أوروبا خلال تموز الماضي، وليم وردا مدير العلاقات العامة لمنظمة حمورابي قام بفعاليات عديدة أهمها مشاركته في المؤتمر الذي دعا اليه مركز زاكروس لحقوق الانسان ومعهد جنيف للتعايش والمؤسسة الايزيدية لمناهضة الإبادة الجماعية، تحت شعار "السلام والتعايش في ظل الدستور العراقي" في منتصف تموز في قصر الأمم المتحدة بجنيف. وحضره لفيف من الناشطين العراقيين في مجال حقوق الانسان والدفاع عن الحريات من مختلف مكونات العراق، وعلى الصعيد الرسمي، فقد شارك السيد هندرين مصطفى ممثلاً عن السفارة العراقية، وعن إقليم كردستان العراق شارك كل من السيدان جعفر إبراهيم ئيميكي رئيس اللجنة الاستشارية لرئاسة إقليم كردستان العراق والسيد نوزاد هادي مستشار في رئاسة الإقليم والسيدة منى ياقو رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الانسان في حكومة إقليم كردستان العراق.
ان مشاركة السيد وردا في هذا المؤتمر تمثلت بتقديم كلمة كأحد المداخلين الرئيسيين في الجلسة الأولى وتضمنت كلمته التي قدمها بالانكليزية نقاط رئيسية ركزت على الهدف الذي من اجله انعقد المؤتمر، مؤكداً على ان التعايش السلمي وبناء السلام في العراق مرهون بجملة من الإصلاحات لتشمل الدستور والبيئة التشريعية والقانونية وتشخيص ومعالجة اتجاهات التطرف السياسي – الديني الطائفي، السياسات والممارسات المتبعة وصولاً الى المعالجات الجوهرية في الخطط والاستراتيجيات لتعزيز العيش المشترك وتحقيق الاستقرار.
وفيما يلي نص الترجمة لتقديم الأستاذ وليم وردا- مدير العلاقات والاعلام - في مؤتمر السلام والتعايش في ظل الدستور جنيف- 15 تموز 2022
النقاط الرئيسية لمداخلة وليم وردا في مؤتمر السلام والتعايش في ظل الدستور
جنيف – 15 تموز 2022) الترجمة أجريت بتصرف)
للحديث عن التعايش السلمي وبناء السلام في العراق، يأخذنا الى الكلام عن موضوعات عديدة منها: الدستور، البيئة التشريعية والقانونية ، اتجاهات التطرف السياسي- الديني الطائفي وغيره، والسياسات المتبعة وصولا الى المعالجات والخطط والاستراتيجيات لتعزيز العيش المشترك وتحقيق الاستقرار.
1-على صعيد الدستور والمبادئ الدستورية
- على الرغم من ان الدستور يعد الافضل في الدساتير العراقية التي سبقته، الا انه فيه ثغرات وحواجز تضع العصا في عجلة بناء مجتمع عراقي متعايش ومتصالح.
- المادة الثانية / تحمل تناقضات واضحة وتعطي غلبة وسيطرة للدين الاسلامي كمصدر اساس للتشريع في بلد متعدد الاديان والاعراق والقوميات والطوائف وغيرها.
- حرية العقيدة التي يمنحها الدستور في أكثر من مادة لا تعني ابدا الحرية الدينية. مع هذا
- هناك عدم اعتراف بأديان موجودة، كالبهائية والزرادشتية وغيرها
- اسلمة الاطفال القاصرين من ابناء الاقليات غير المسلمة عند تحول أحد الوالدين الى الاسلام / قانون البطاقة الوطنية الموحدة/ قانون 3 لسنة 2016 / المادة 26 ... هذا القانون يمس بحقوق الاقليات غير المسلمة
- قانون الاحوال الشخصية ذي العدد 188 لسنة 1959 في مادته الثانية تشير " ان سريان هذا القانون على جميع العراقيين الا من استثني بقانون خاص". وطالما غير المسلمين ليس لهم قانون خاص هذا يعني ان احكام الدين الإسلامي تطبق عليهم في احوالهم الشخصية سواء في الوصية اوالميراث او الشركة او التبني او غيرها.
المادة 125/ من الدستور الخاصة بضمان حقوق الاقليات، اصبحت مجرد مادة دستورية دون ان يصدر قانون ينظم حقوق الاقليات وفقها ، منذ 2005... هذا يزيد من الغبن لدى الاقليات ويعمق حالة الاغتراب لديهم.
المادة 3 / يرى بعض العرب ان الدستور لم ينصفهم عندما فصل العراق عن الامة العربية التي ينتمون اليها .
المادة 1 / التي تؤكد على وحدة العراق كدولة مستقلة وعلى نظامها الاتحادي الجمهوري والنيابي الديمقراطي ، لكن الواقع يظهر ان العراق أقرب الى دولة كونفدرالية من خلال المشاكل المزمنة بين المركز والاقليم من حيث ( آليات الرقابة ، التحكم بالمنافذ الحدودية، ايرادات الموارد الطبيعية كالنفط والغاز وغيرها)
المادة 23/ التي تخص السكن والتملك والتغيير الديموغراقي ، فقد لعب التطرف الديني العرقي والقومي والمناطقي دورا سلبيا في امكانية تملك العراقيين في أي منطقة يختارون العيش فيها.
- ان التغيير الديموغرافي لم يتوقف في وقت النظام السابق أو ما بعده ومارسه أكثر من طرف سواء في مناطق الاقليات أو كركوك أو في مناطق بغداد والجنوب .
المادة 7/ المعنية بحظر الترويج للعنصرية والعنف والارهاب – صحيح ان هذه المادة نصت على محاربة الارهاب وتوابعه من خلال حظرها الكيانات التي تتبنى ذلك، لكنها في ذات الوقت ادت الى بروز ظواهر عنف وتطرف وصل الى حد الارهاب ، من خلال ما ورد فيها من صور ثأر وانتقام وعدم تسامح ، فبدلا من طي صفحة الماضي وانتهاج سياسة التسامح وتحقيق العدالة الانتقالية ، عملت هذه المادة على تحفيز الجماعات المتطرفة الى الانتقام ، وولد ذلك شعورا لدى شريحة واسعة من المحسوبين على النظام السابق بالظلم والاستهداف والاستغراب.
- لم يكتف الدستوربهذه المادة من القصاص بل ذهب في المادة 135/ الى تأسيس هيئة وطنية لتجسيد ذلك ، تسمى حاليا هيئة المساءلة والعدالة التي كانت في بعض الاحيان جهة رقابة واقتصاص لكل من يبدي معارضته
للنظام الجديد.
المادة 37/ المعنية بحماية حرية الانسان وكرامته وحماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني. على ارض الواقع تحصل يوميا انتهاكات صارخة ضد حقوق الانسان وكرامته نرصدها يوميا ، وللأسف غالبا ما يفلت المنتهكين من العقاب
- هذا الى جانب شعور اتباع الاديان غير المسلمة للأكراه الفكري والديني من خلال اسلمة الاطفال القاصرين حين تحول أحد الوالدين الى الاسلام ( نص المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية الموحدة – قانون3 لسنة 2016) التي تصر السلطات التمسك بنص هذه المادة، في الوقت الذي تتقاطع مع عدة مبادئ واحكام دستورية وكذلك مع المبدأ الإسلامي المعروف " لا اكراه في الدين"
- ان دستور 2005 لا يعني انه خال من النصوص الدستورية المتحضرة التي تتماشى مع حقوق الانسان وصون كرامته، لكن للأسف لا تتجسد على ارض الواقع كما نص عليها الدستور .
2- البيئة التشريعية والقانونية
قرارات وأوامر بريمر بحل الجيش العراقي والاجهزة الامنية ساهمت بشكل كبير في بروز التطرف والارهاب وكذلك التقسيمات المحاصصاتية والطائفية والعرقية والقومية.
- حل هذه الأجهزة أحدث فراغا امنيا وشجع البحث عن بدائل محلية لقوة الدولة تقوم على اسس مختلفة طائفية أو دينية ، أو عرقية أو قبلية أو شخصية .
- تأسيس مجلس الحكم ، وهو اول مؤسسة عراقية انشأها الامريكان بعد التغيير على اسس طائفية وعرقية وقومية ودينية .
قانون مكافحة الارهاب/ رقم 13 لسنة 2005 – هدفه القضاء على الارهاب والاعمال الارهابية ، لكنه وعلى الرغم من وجود جوانب ايجابية فيه ، كونه جاء لحاجة تتمثل في مكافحة الجريمة الارهابية التي تتطلب مواجهة تشريعية للقضاء عليها ، أو الحد من تأثيرها بأساليب قانونية، الا ان القانون مليء بالعيوب والثغرات / خاصة المادة 4 منه .
قانون الاحزاب السياسية / رقم 36 لسنة 2015- وهو من التشريعات المثيرة للنقاش – مع كل المبادئ الاساسية التي تضمنها القانون لتنظيم عمل الاحزاب السياسية في العراق لضمان التعددية السياسية وتحقيق مشاركة أوسع في الشؤون العامة ، الا ان أغلب الاحزاب السياسية في العراق والمشاركة في العملية السياسية لا تعتمد مبدأ المواطنة العابرة للطائفية والعرقية والقومية ، لا بل ان بعض الاحزاب تتبنى افكار طائفية بحتة أو قومية متطرفة . كما ان بعض الاحزاب لا تلتزم بالمادة 6 من القانون التي تدعو الى اعتماد آليات ديمقراطية لاختيار قادتها ، فلا يحصل تداول او تناوب في القيادة فهي اقرب الى احزاب شخصانية، أو فردانية.
3- على الصعيد المؤسسي او السياسات
- لا زالت المناصب المهمة والحساسة هي من نصيب القوى المستحوذة على السلطة ، بينما مشاركة الاقليات لم تلق اي اهتمام ، وليست مؤثرة في القرار السياسي للدولة .
- تنامي العصبية السياسية المترافقة مع العصبية المذهبية والاثنية والقومية متمثلة بما يلي:
- عدم ايقاف سياسات التغيير الديموغرافي في مناطق الاقليات ( سهل نينوى ، سنجار ، كركوك الخ)
- الحكومة الاتحادية لم تبطل قرارات النظام السابق في التغيير الديموغرافي في مناطق سهل نينوى ، كما لم تأتي بتشريعات بديلة للمعالجة .
استمرار مسألة التجاوزات على املاك المسيحيين سواء في مدن العراق المختلفة أو اقليم كردستان العراق دون حلول ناجعة مع هذا كان هناك ما يلي:
- تأليف لجنة وزارية في اقليم كردستان لمعالجة التجاوزات على الأراضي والقى نتمنى ان تتمكن من انصاف أصحاب الممتلكات المغتصبة.
- مبادرة زعيم التيار الصدري في معالجة التجاوزات على املاك المسيحيين والصابئة المندائيين في بغداد.
- عجز أو تعاجز حكومي في معالجة مسألة التجاوزات وترك الامور لكيانات من غير الدولة في المعالجة .
- اعتماد اللغة الكوردية مادة للتعليم في مناهج التربية والتعليم في اقليم كردستان مع الغاء التعليم باللغة العربية ، أضعف اندماج الاقليم مع بقية ابناء المجتمع وبلا شك ينعكس سلبا على مستوى التعايش السلمي والحوار .
الخلافات والتطرف السياسي
- الخلاف المستديم ما بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان العراق بشأن( المناطق المتنازع عليها ، السيطرة على المنافذ الحدودية ، الايرادات النفطية، الخ) . هذه الخلافات اثرت وتؤثر سلبا على العلاقة السياسية بين بغداد واربيل الى جانب الخلافات السياسية العميقة ومحاولة كل حكومة معاداة ما قبلها أو الانتقام منها .
- استفحال حالة عدم الثقة بين مكونات الشعب العراقي ، عدم ثقة الشيعة بالسنة وبالعكس ، الكورد بالعرب وبالعكس، الاقليات بالاغلبيات ، الاقليات غير المسلمة كالايزيديين والمسيحيين والصابئة بالمسلمين وبالعكس ...الخ ، هذا ساهم ويساهم بشكل او باخر في زعزعة الاستقرار والسلام بالمستقبل .
- وجود تنافر سياسي مزمن قائم على العرقية والمذهبية له اثاره السلبية على الحياة العامة للمواطنين والخدمات والوضع الاقتصادي . لأن القوى السياسية باتت تتحرك وفق سياقات مؤدلجة حسب عقائدها العرقية أو الدينية أو المذهبية.
التو صيات
- لتعزيز التعايش وبناء السلام لابد من اعادة النظر واجراء تعديلات واصلاحات دستورية من شأنها تعزيز التعايش والتماسك المجتمعي وتخدم الاستقرار وبناء السلام.
- تشريع قوانين جديدة تتكيف مع الدستور ومبادئه ومراجعة التشريعات التي تؤدي الى الكراهية والتطرف السياسي الديني – الطائفي، والتطرف المناطقي والانفصالي، والعمل على إصلاحها.
- اصلاح السياسات التي تؤدي الى الاقصاء والتهميش وخاصة تجاه الاقليات والمجموعات المستضعفة.
- وضع سياسات وخطط واستراتيجيات تعزز حماية التنوع والتماسك المجتمعي وتسعى لبناء السلام والاستقرار في العراق
وليم وردا
باحث وناشط مدني
مدير العلاقات العامة في منظمة حمورابي لحقوق الانسان
جنيف 15 تموز 2022