هل ثمة مفاجآت في انتخابات الجزائر؟
فاز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (مواليد 2 آذار/مارس/1937) بولاية رابعة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي جرت في 17 نيسان (ابريل) 2014، وذلك بحصوله على 81.53% من أصوات الناخبين. وظهر وهو يبتسم وعلى كرسي متحرك بسبب وضعه الصحي المتدهور منذ العام 2013 بشكل خاص.
وكان الرئيس بوتفليقة قد انتخب لأول مرّة في 15 نيسان (ابريل) العام 1999، ثم أعيد انتخابه للمرّة الثانية في 22 شباط (فبراير) العام 2004 وقام في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2008 بتعديل الدستور ليتمكّن من الترشّح لولاية رئاسية ثالثة في انتخابات العام 2009، وهو ما اعترضت عليه قوى سياسية كثيرة، حيث ازدادت هوّة الخلاف بين الحكم وبين أوساط متعددة سياسية ومدنية وغيرها.
جدير بالذكر أن بوتفليقة كان قد شارك في الثورة الجزائرية يوم كان عمره 19 عاماً، وعيّن حينها وزيراً للشباب والسياحة بعد الاستقلال، وعمره لم يتجاوز 25 عاماً، وأصبح وزيراً للخارجية في عهدي أحمد بن بيلا وهواري بومدين بين عامي 1963 و 1979، ولكنه بعد وفاة هواري بومدين (1978) ابتعد عن الدائرة السياسية الحاكمة. وكان بوتفليقة قد لعب دوراً مهماً للتقريب بين شاه إيران وصدام حسين في العام 1975 حيث تم التوصل إلى اتفاقية 6 آذار (مارس) من العام ذاته، التي كانت لاحقاً سبباً إضافياً في توتر العلاقات بين البلدين وفي اندلاع الحرب بينهما العام 1980 والتي استمرت ثمانية أعوام بالكمال والتمام.
كانت نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة متدنّية قياساً للانتخابات السابقة، وقد شككت المعارضة بالنسبة التي بلغت51% من الذين يحقّ لهم التصويت، تلك التي أعلنت عنها الجهة المشرفة على الانتخابات، خصوصاً وقد راجت دعوات لمقاطعة الانتخابات قبل انعقادها، لعدم الثقة بإمكانية التغيير المنشودة من جهة، ومن جهة ثانية ضعف الثقة بشرعية العملية الانتخابية وكذلك العملية السياسية، وهو ما يفسّر ظاهرة العزوف عن المشاركة.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن حكم بوتفليقة على الرغم من كثرة الانتقادات الموجّهة إليه، فإنه تمكّن من إنجاز الوئام المدني، حيث نزل آلاف المسلحين من الجبال، وطويت صفحة الحرب الأهلية والإرهاب والعنف التي ضربت البلاد بالصميم لنحو عقد كامل من الزمان، خصوصاً بإقرار المصالحة الوطنية.
ومع كل ذلك فإن ظاهرة العزوف عن المشاركة لها أسباب أبعد من الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة الذي لا يساعده على القيام بمهماته، وهو ما يذكّر بالتساؤلات المشروعة وردود الفعل المختلفة إزاء «اختفاء» الرئيس العراقي جلال الطالباني بسبب المرض، عن موقعه كرئيس للبلاد وبقاء هذا المنصب شاغراً منذ عام ونيّف، فالمسألة ليست شخصية وإنما تتعلق بضعف أو انعدام الثقة بين الأطراف المختلفة.
لقد كانت الآمال عريضة بخصوص التحوّل الديمقراطي في إثر الموجة الثمانينية للتغيير، لكنها انكفأت بعد نجاح الإسلاميين في الوصول إلى السلطة في الجزائر وإعلانهم عن «وأد» الديمقراطية التي كانت السبب في فوزهم، الأمر الذي قاد إلى تدخل الجيش، وقد أثار مثل هذا الموضوع جدلاً واسعاً، بدأ ولم ينقطع، وتجدّد على نحو شديد بعد تشبّث «الأخوان المسلمون» بالحكم ومحاولتهم الاستدارة بالدولة إلى شاطئهم وإبعاد القوى السياسية الأخرى، مما اضطّر الجيش بعد حراك شعبي واسع إلى التدخل وحسم الأمور في 3 تموز (يوليو) 2013 وإعداد دستور جديد وإجراء استفتاء عليه في 14-15 كانون الثاني (يناير) 2014.
وإذا كانت الانتخابات تستهدف التغيير، فإن بعض المؤشرات وفي عدد من البلدان اتجهت للإبقاء على ما هو قائم، بمبرّر تحقيق الاستقرار تارة، وأخرى بحكم المظلومية التاريخية، وثالثة باسم الدين أو الطائفة أو لتشبث الحاكم بالموقع السياسي وإيجاد تبريرات وذرائع مختلفة لذلك وهكذا.
هل فكّر الجزائريون باختيار بوتفليقة على الرغم من وضعه الصحي مقايضة التغيير بالاستقرار، أم أن الحلم بالتغيير من خلال ربيع جزائري غير ممكن، خصوصاً بعدما لاحظوا ما حولهم من «ربيع عربي» من أوضاع غير مشجعة على أقل تقدير، تلك التي اتسمت بالفوضى والانقسام والعنف والارهاب، وهو ما عانت منه الجزائر طيلة فترة التسعينيات، حيث ذهب ضحية ذلك نحو مائة ألف شهيد، وتعطّلت التنمية وخطط الإصلاح، لكن استمرار الرئيس بوتفليقة في الحكم أوقع البلاد في إشكال جديد، تقول عنه أوساط غير قليلة من الجزائريين: إنه دفع البلاد نحو الاستبداد والحكم الفردي، وإجهاض التعددية والتداولية السلمية للسلطة، وهو ما يدعو بإلحاح إلى التغيير غير المتحقق أو غير الممكن في ظل استمرار أوضاع الماضي.
ولكن ثمة من يدعو إلى تغيير هادئ، طويل الأمد، تراكمي، وذلك من خلال تعديل الدستور وإشراك المعارضة واعتماد الحوار ونزع فتيل التوتر، والبناء على ما هو قائم بدلاً من الخيارات غير المحسوبة.
وإذا كان الوضع الصحي للرئيس نقطة ضعف في الوضع القائم، فإن الاستقرار الذي حصل في عهده نقطة قوة لصالحه، وهو ما دفع الكثير من الأوساط، ولاسيّما في حزب جبهة التحرير، للدفاع عن ترشيحه لولاية رابعة، في إطار برنامج جديد يتعلق بتقليص البطالة وتوفير السكن وتحسين الخدمات والاستفادة من احتياطي العملة الصعبة ومن عائدات النفط لتحسين الأحوال المعيشية، خصوصاً إزاء الفئات الفقيرة أو ما دون خط الفقر.
وإذا كانت الجزائر قد تجاوزت عشرية الإرهاب باتجاه عشرية الاستقرار في عهد بوتفليقة، لكن ذلك ليس مبرّراً، لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه دون تغييرات جذرية باتجاه الديمقراطية، وتوسيع دائرة المشاركة والحرّيات ومحاربة الفساد المالي والإداري والبيروقراطية، ولم يعد صندوق الاقتراع لوحده يمنح الشرعية التي فاز بها بوتفليقة، لكن ذلك يحتاج إلى شرعية ديمقراطية من خلال طائفة من الإجراءات الملموسة، لتأكيد دور المؤسسات وتحقيق التنمية والإصلاح بعيداً عن التقسيمات الجديدة ذات المسحة الجهوية والعرقية، وكذلك بعيداً عن العنف الدموي الذي شهدته مدينة غرداية مؤخراً والذي اقترن بتدمير الممتلكات العامة وتخريب المنشآت الحكومية، إضافة إلى الفتاوى التحريضية وضعف استقلال القضاء.
وبغضّ النظر عن اعتراضات المعارضة واتهامها السلطة الحاكمة بالتزوير والانحياز لصالح الرئيس «المعتّق»، فإن ما يواجه الجزائر خلال السنوات الخمس القادمة كبير جداً، وإن حِمِلُها سيكون عسيراً، حيث تستمر البطالة والأمية والفقر والتخلف، وتردي الخدمات، إضافة إلى الفساد المالي والإداري، وهدر حقوق الإنسان الذي يزداد تضخماً!
فالجزائر التي هي رابع مصدّر للغاز الطبيعي في العالم، وثالث منتج للنفط في أفريقيا، لكن 20% من سكانها يعيشون دون خط الفقر، وتنتشر أحياء الصفيح في بعض المدن الجزائرية وحول العاصمة أيضاً، وتتراوح نسبة البطالة بين 20-25%.
وبعد تجارب نصف قرن ونيّف من الزمان على استقلال الجزائر وتحرّرها من الاستعمار الفرنسي- الاستيطاني، في العام 1961 والذي دام نحو 132 عاماً فإن الجزائريين لا يزالون يتطلّعون إلى أن يلعبوا دورهم الحقيقي في الحياة السياسية وأن يختاروا من يمثلونهم ويعبّرون عن إرادتهم الحرّة، خصوصاً وأن الشباب هم الأكثر إحباطاً، وقسم كبير منهم لا يزال يتطلّع إلى الهجرة للخارج، ولعلّ ذلك ما حدا الكثير منهم إلى العزوف عن الانتخابات بسبب حالة اليأس والقنوط التي يمرّون فيها، وإذا لم يتم انتشالهم من البطالة والفقر، فإن بيض الإرهاب والعنف يمكن أن يفقس داخلهم وينتقل إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
جريدة اليوم السعودية ، الجمعة 9/5/2014