Skip to main content

مداخلة الاب فيليب هرمز لمؤتمر حمورابي لبحث مستقبل الوجود المسيحي في العراق

 

نظرة تاريخية لتواجد المسيحيين في بلاد الرافدين

العراق الحالي وجنوب تركيا وشرق إيران وغرب سوريا

 

بعض الملامح التاريخية لوجود المسيحيين في بلاد الرافدين:

-        مسيحيو العراق خليط من الآراميين (من سوريا) والآشوريين والكلدانيين والعرب (المناذرة والغساسنة في جنوب العراق) وتركيا (جزيرة أبن عمر) وإيران (أورميا وبحيرة وان) وبعض شتات اليهود الباقين منذ السبي البابلي، لكن النسبة الأكبر أصلهم من العراق؛

-        لغتهم هي السريانية التي جاءت من الآرامية وفيها مفردات أكدية، لكنها تفاعلت مع العربية والعبرية كونها لغات أصلها أرامي مثل السريانية. وجاءت لفظة السريان على مسيحيي العراق لتؤكد على اللغة المحكية وعلى الديانة أيضًا فهي تعني مسيحي بصورة عامة؛

-        يُرجع تقليد كنيسة العراق تأسيس المسيحية في البلاد إلى القرن الأول الميلادي (لدينا وثائق ومخطوطات تؤكد وجود المسيحية منذ نهاية القرن الأول أو بداية القرن الثاني) وتقاليد قوية عبر الرسول توما الحواري (حورا) تلميذ المسيح، الذي أكمل طريقه ذاهبًا إلى الهند (ويقال اليوم أنه بشر الصين أيضًا). وترك هذا الرسول أوّل جماعة مسيحية في شمال بلاد ما بين النهرين (في الرها ونصيبين) ووسطها (في منطقة المدائن) التي فيها أقدم كنيسة في العراق، وترجع إلى القرن الأول الميلادي، وهي كنيسة كوخي، عهد بها تحت رعاية مار ماري ومار أدي اللذين أصبحا مكرّمين من كنيسة العراق ومن تبعها في الإيمان. وبحسب أبونا ألبير أبونا، في كتابه "تاريخ الكنيسة الشرقية"، فإن مار ماري قد بشر أيضًا واسط وميسان والأحواز وبلاد فارس. دخلت المسيحية إذن في بلاد الرافدين منذ عهد الفرثيين. لكنها كانت أيضًا ديانة قبائل عربية عديدة (مثل طي وتميم وغسّان وغيرها)، هؤلاء جاءوا من الأنبار والبحرين وقطر والشام ليستقروا في منطقة الحيرة التي أصبحت مملكة مسيحيّة في القرن الثالث الميلادي؛

 

* المؤرخ أوسابيوس القيصري، "التاريخ الكنسي"، طبعة بيجان، باريس، 1897، ص151. ومؤلفه الشهير هذا يرقى إلى القرن الرابع الميلادي، واستقى بعضًا من معلوماته عن طريق مخطوطات كانت موجودة في مدينة الرها (أورفا الحالية في جنوب تركيا). من كتاب "تاريخ كنيسة المشرق"، الجزء الأول، الأب ألبير أبونا، منشورات الفكر المسيحي، مطبعة العصرية، الموصل، 1973، ص10.

 

-        إزدهرت كنيسة العراق (وادي الرافدين) خصوصًا من خلال رهبانها الذين انتشروا في جبال العراق وسوريا وتركيا وانتشرت الأديرة لا، في شمال البلاد فقط، بل في جنوبها أيضًا (كان الكثير من الأديرة والكنائس لا يزال بعضها شاخصًا حتى اليوم). فوصلت كنيسة العراق في القرن الرابع الميلادي إلى بلاد الهند والصين والتبت ومنغوليا على طرق ثلاثة هي: طريق التوابل (عبر الخليج والمحيط الهندي) وطريق الحرير (عبر آسيا الوسطى) وطريق البخور (عبر الجزيرة العربية حتى اليمن)؛

-        أقيم أول مجمع لأساقفة بلاد الرافدين في عام 314م برئاسة الأسقف فافا في المدائن. لكن مسيحيي العراق تعرضوا إلى اضطهادات عدّة من قبل الإمبراطورية الساسانية، وخصوصًا بعد إعلان مرسوم ميلانو (313) الذي أعلن المسيحية ديانة رسمية في الإمبراطورية الرومانية، ومنها الإضطهاد الأربعيني الذي دام 40 عامًا، من 339-379، وذلك في عهد الملك شابور الثاني (309-379)، وكان أشد الإضطهادات في كركوك والأحواز وباقي مناطق أخرى؛

-        عند حكم العرب ما قبل الإسلام، إشتهر العديد من المسيحيين العرب ، أمثال أمرؤ القيس وأبو عمر الشيباني وعدي بن زيد العبادي. وكان للمسيحيين في العراق أكثر من 50 مدرسة تدّرس فيها آداب اللغات العربية والسريانية واليونانية والفارسية، ناهيك عن المدارس الموجودة في الكنائس والأديرة. أما في عهد الإسلام، فقد شارك الكثير من المسيحيين في الأدب والعلوم والترجمات والطب، ومنهم شعراء مشهورون: مثل الأخطل الملقب بذي الصليب في الشعر، ويوحنا بن ماسويه في الترجمة، وبختيشوع وأبنائه في الطب والترجمة والتدريس، وحبيب أبو رائطة التكريتي في علوم اللغة، ويحي بن عدي التكريتي في اللاهوت والعلوم الدينية، وأبو الفرج عبد الله بن الطيب في الطب والفلسفة والدين، وأمين الدولة أبو الحسن هبة الله بن صاعد بن إبراهيم بن التلميذ (الذي عاش في عهد المقتفي لأمر الله 1136-1160م) وكان رئيس أطباء بغداد ومدير مستشفى العضدي فيها (توفى عام  1165م)، والمؤلف يحيى بن سعيد بن ماري الطبيب المعروف بالمسيحي (المتوفى سنة 1193م) وقد كتب ما عُرف باسم المقامات المسيحية وهي ستون مقامًا باللغة العربية؛ يمكن اعتبار الفترة العباسية من أفضل الفترات في مساهمة مسيحيي العراق في الحضارة العربية والحوار مع الإسلام والتطور في كل الميادين. فالخلفاء العباسيون أعطوا للمسيحيين حرية العمل والديانة وسلطات واسعة للبطاركة والأساقفة على شعبهم المسيحي، وكان الخلفاء أنفسهم في تقارب كبير مع السلطات الدينية المسيحية، فمثلاً كان الخليفة موسى الهادي يستدعي الجاثليق طيمثاوس ويحاوره في مسائل الدين، وفي عهد المأمون، قام المترجمون المسيحيون بترجمة أمهات الكتب اليونانية إلى العربية بعد ما كانوا قد ترجموها من قبل إلى السريانية؛

-        يعتبر سقوط بغداد على يد هولاكو في عام 1258 بدء المعاناة والهجرة المسيحية في بلاد الرافدين والدول المجاورة. فأنتقل ثقل المسيحيين إلى شمال العراق، خصوصًا في الجبال، وبدأ تمركزهم يدور ما بين جبال حكاري من جهة، ونزولاً حول شمال وشرق الموصل من جهة أخرى. وقد عانوا كثيرًا، خصوصًا في إبان حكم العثمانيين وقبل سقوط هؤلاء وإصدارهم "الفرمان" ضد المسيحيين وخصوصًا الأرمن في الحرب العالمية الأولى إذ تعدّ أولى المذابح الجماعية في التاريخ المعاصر؛


 

-        وفي الأزمنة الحديثة كانت أول مطبعة حجرية قد دخلت إلى العراق على يد الآباء الدومنيكان في الموصل عام 1859، وكانت مدرسة القديس عبد الأحد في الموصل التابعة لهم تشهد دخول أول فتاة عراقية إلى المدارس الحديثة؛

في الأزمنة الحديثة، برز المسيحيون على عدة أصعدة، منها الطب والهندسة والصحافة والتجارة والأدب:

-        الصحفي داود صليوا الذي أصدر جريدة صدى بابل سنة 1909؛

-          البطريرك عمانوئيل توما الذي كان عضوًا دائمًا في مجلس الأعيان من 1923-1949؛

-        المطران جرجس قندلا الذي وقف موقفًا وطنيًا بعدم القبول باقتطاع الموصل من العراق لتكون لتركيا الحديثة، وصار ما تمناه عام 1926؛

-        الخوري يوسف خياط الموصلي الذي كان عضوًا ف بمجلس النواب ومستشارًا للملك فيصل الأول؛

-        المحامي نوئيل رسام الذي أعتقل في ثورة الكيلاني عام 1941؛

-        الدكتور بهنام أبو الصوف من مؤسسي جمعية الآثاريين العراقية عام 1975؛

-        الأب أنستاس الكرملي (1866-1948): أصدر مجلة "لغة العرب" سنة 1911، وكان عضوًا في المجامع اللغوية بدمشق والقاهرة وجنيف، كان عاشقًا للغة العربية؛

-        المطرانين يعقوب أوجين منّا وأدي شير، من أعلام التاريخ والأدب السرياني والعربي في العراق؛

-        روفائيل بطي (1901-1956): صحفي ومؤرخ من الموصل. رئيس تحرير جريدة "العراق" ثم مجلة "الحرية"، ثم أسس جريدة البلاد التي استمرت في الظهور 27 عامًا، وعيّن وزيرًا للدولة لشؤون الدعاية والإعلام عام 1953؛

-        المطران سليمان صائغ (1886-1961): صحفي ومؤرخ وباحث وعضو في المجمع العلمي العراقي، وقد أصدر مجلة "نجم" عام 1929؛

-        توفيق السمعاني (1904-1983): صحفي ونائب في البرلمان، أصدر عدة صحف منها مجلة "الزنبقة" و "صدى العهد" و "جريدة الزمان" المشهورة؛

-        العلامة متي عقراوي (1901-1982): أسس جامعة بغداد 1957-1958، عمل في منظمة اليونسكو 9 سنوات وله إسهامات عديدة في مجال التربية وحصل على وسام الرافدين عام 1953؛

-        الأب بول أنويا (1925-1980): متخصص بالتصوف الإسلامي ومن رواد الحوار الإسلامي المسيحي؛

-        الدكتور يوسف النعمان (1923-1986): طبيب بأمراض القلب، أسس أول مركز لجراحة القلب في العراق عام 1961، نشر أكثر من 30 بحثًا مبتكرًا وصُورت عملياته الجراحية سينمائيًا في جامعات عالمية وأسمه موجود في عدة موسوعات عالمية للمشاهير؛

-        منير بشير (1930-2001): موسيقار على العود من الموصل؛

-        بياتريس أوهانيسيان (1927 - 2008): عازفة بيانو من بغداد، لها شهادات من لندن وبغداد وأمريكا وسويسرا في الموسيقى وتآليف عديدة في هذا المضمار.

-        وغيرهم كثيرون ...