ما بين البيضة والدجاجة تتراوح تسميتنا
ما بين البيضة والدجاجة تتراوح تسميتنا
نزار حنا الديراني
في البداية عذرا للزميل خوشابا لاني استخدمت عنوان مقاله هذا وذلك لاكون ضمن الحوار واقول :
لان البيضة والدجاجة لهما جذور تمتد الى اعماق التاريخ لذا حين نتحاور في شأن اسبقيتها ندخل في حلقة مفرغة ... الا ان تسمياتنا رغم كونها هي الاخرى تمتد لالاف السنين الا ان ذلك لم يكن هو السبب لدخولنا في الحلقة المفرغة بل لان هذه التسميات فرضت علينا من الخارج وحين اردنا التشبث فيها وكأنها (التسمية) اهم من مصير شعبنا المسكين دخلنا هذه الحلقة ... فتاريخ العراق وشعبه وحضارته عريق يمتد لالاف السنين اما الفكر القومي فلم ينشأ الا قبل بضع مئات من السنين ... بموجب الدراسات العلمية سنقول كانت بلاد النهرين مسكونة بالبشر قبل السومريين ولان السومريين انشأوا الحضارة لذا يبتدأ التاريخ من عندهم ، فالسومريون هم سكان العراق الاصليين والذين يقولون انهم جاءوا من مكان اخر كانت لهم غايتهم لان هذه النظرية جاءت بعد فشل النظرية القائلة بان الاكديين والاشوريين والكلدانيين و... ليسوا بسكان البلاد الاصليين اي انهم جاءوا من الجزيرة ... ففي وقت السومريين لم تكن هناك تسمية اخرى وعندما جاء الاكديين على الحكم لم يأتوا من الفضاء ولا من خارج المنطقة ولم يحصل في الارض بركان ابتلع السومريين كشعب بل ان الشعب هو نفسه ، كل ما حصل غير اسمه وعاصمته لسببب او لاخر وبقيت اللغة والكتابة السومرية هي نفسها سوى اجراء تغيير بسيط عليها وهذا وارد ضمن التطور الطبيعي .. باستثناء فترة الاشوريين ومن بعدهم بدأ الحرف الارامي يحل شيئا فشيئا محل الحرف المسماري لسهولته الى ان اختفى هذا الحرف (المسماري) كليا من الاستخدام وهكذا فالارض لم تبلع الاكديين حين جاء البابليين ومن ثم الاشوريين والكلدانيين والاراميين، بل دائما كانت المسألة هي تغيير السلطة والعاصمة و... ودائما كان يحصل تزاوج واختلاط والتنقل من مكان لاخر فامتزج هذا الشعب كليا فيما بينهم ومن ثم حصل تزاوج اخر مع الفرس والرومانيين والاغريق و..لذا من الصعوبة ان تثبت علميا من منا كان من سكنة اريدو او بابل او اشور او اوروك او كليديا او ... ومن منا يرجع الى عائلة الملوك السومريين او الاكديين او ... لاننا بحاجة الى مختبرات انثروبولوجية وهذا غير جائز ، اذن المسالة هي القناعة وبسبب الصاق هذه التسميات بالمذاهب المسيحية اصبحت بمثابة امتزاج الماء بالنفط ... الا ان هذه التسميات ( التاريخية ) اصبحت ضمن كتب التاريخ فهذا الشعب سمى نفسه بـ ( سورايا / سوريايا / سوريت ) وكما يقول الزميل خوشابا سولاقا في مقاله فهذه التسمية ظلت مستخدمة وليومنا هذا ايمن القرن الرابع قبل الميلاد ابان حكم الاباجرة في مملكة اورهاي اي لم تكن هذه التسمية وليدة ما بعد المسيحية ليعتبرها البعض مرادفة للمسيحية وحين جاء اليونان وسألوا عن اسم هذا الشعب قالوا سورايا فكتبوها وحفظوها وهكذا عندما جاء العرب ...
ولم تكن في حينها مختبرات لغوية لدراسة جذر التسمية فاجدادنا كانت لهم قناعة تامة بهذه التسمية لذا استخدموها وحافظوا عليها وتباهوا بها وثبتوها باحبارهم الذهبية في المحافل العربية والدولية لذا نسمع اليوم بعبارة الثقافة السريانية واطباء السريان والمدارس السريانية واللغة السريانية و... ولم نسمع غير ذلك لان التسمية الارامية والكلدانية والاشورية والبابلية والسومرية اصبحت جزء من تاريخ عزيز وتراث يعتز به الجميع ممن يعيش في العراق فهو ليس محصور بفئة دون اخرى.. فالبعض منا حافظ على لغته وتسميته السريانية واخرون انصهروا في مجتمعات اخرى كالعربية والفارسية والتركية و... فسموا انفسهم بتسميات تلك الاقوام التي انصهروا فيها باستثناء قريتين قرب دمشق حافظت على لغتها رغم انها تبنت الاسلام دينا .. واستمرت هذه التسمية تحمل بين طياتها الشعور القومي والديني وتبنى هذا الشعب ولغته بقوة تعاليم المسيح لينشرها في رقعة واسعة من الارض وكان مؤمنا بهذه التسمية دون غيرها وحتى في الانشقاق الاول في الكنيسة بقيت التسمية كل ما هنالك أضيفت على التسمية ( من حيث اللغة) عبارة الشرقية (شرق نهر الفرات) والغربية ( غرب نهر الفرات) ومن ثم جاءت التسمية النسطورية واليعقوبية اي لم تكن هناك تسمية اشورية ولا كلدانية فالجميع كانوا يسمون انفسهم ب ( سورايي ) وحتى ان وردت في مكان ما لدى البعض فلم تكن بالفهوم القومي ابدا فاستخدامهم لعبارة كنيسة اثور او كلدان فلم يكن سوى بمفهوم محلي مثلما نقول كنيسة دهوك ، كنيسة اربيل ، كنيسة مار يوحنا ... الا ان المشكلة بدأت مع قدوم البعثات التبشيرية فبدلا من ان يذهبوا الى غير المسيحيين ليدعوهم الى قبول البشرى جاءوا الى مسيحيي المنطقة ( سورايي) لينشروا فيما بينهم خلافاتهم الاوربية الكنسية فسميت المجموعة المؤيدة للكاثوليكية من سكنة قبرص بالكلدان ( كما يقول المؤرخون) ومن ثم انسحبت هذه التسمية شيئا فشيئا الى تركيا والعراق و... ومن ثم سميت كنيستهم بكنيسة بابل رغم خلو بابل من اية كنيسة او شعب يؤمن بالمسيحية في حينها ... وفي القرن التاسع عشر حين اشتدت المنافسة بين هذه التبشيرات انعكس ذلك سلبا على كنائسنا فسميوا الكاثوليك بالكلدان ومن كان قد سمي بالنساطرة سمي بالاشوريين والارثودكس بالسريان وربما كنتيجة للنقد والاعتراض، تراجعت روما خطوة الى الوراء فأسمت من تكثلك من الارثودكس بالسريان الكاثوليك بدلا من الكلدان وابقت من تكثلك من كنيسة المشرق ( التي سميت خطأ بالنسطورية) حرية الاختيار ليسموا انفسهم بالاشوريين او الكلدان ... لذا اقول لولا هذه البعثات او لنقل لو سميت هذه البعثات مؤيديها باسمائهم المذهبية ( الكاثوليك ، الارثودكس ، البروتستانت ، ...) وابقت الاخرين باسم الكنيسة الشرقية كما هو اليوم لما تراوحنا اليوم بين البيضة والدجاجة ولكُنا قد استعملنا التسمية التي حافظ عليها ابائنا الى يومنا ... فلو كنت قد سئلت قبل عشرات السنين ابن زاخو او سهل نينوى او عمادية او برور او اورمي او سلامس او قوجانس او اشيتا او ... لقال (أحننأيوح سورايي ) ولو سئلت ابن طور عبدين ومدياد و.. لقال ( احننأيوح سوريت ) ولو سئلت ابن قامشلي وحلب وبيروت وجبل لبنان و.. لقال ( احننأيوح سوريويو ) والكتب العربية على مدى الف وخمسمائة سنة تستخدم بين طياتها لفظة(السريان ، الحضارة السريانية ، الثقافة السريانية ، اللغة السريانية الشعب السرياني ...) دون غيرها، وهكذا المصادر الغربية ... اما ان نأتي اليوم ونفسر ونحلل التسمية على ضوء النظرية الفرنسية او الانكليزية او اليونانية ( أعني هل هيمشتقة من الاشورية على اساس لفظي او تعني المسيحيون الاراميون على اساس التورات او نسبة الى مؤسسها على اساس المكان ) هذه ليست الا محاولة لعرقلة المشروع الوحدوي او ان نناقش كيف نكتب هذه التسمية باللغة الانكليزية ( بالف او بدون الف ) هذه ايضا هي محاولة للعرقلة او ان نقول انها تسمية دينية رغم اننا نعلم جيدا ان الارمن نسميهم بالارمن ولا نسميهم سورايي ولا الفرنسيين او الايطاليين ...او ان ننفي الكلدان من الوجود لان اوجين منا قال ان التسمية اطلقت على مجموعة من الفلكيين ولماذا لا نقول العكس ان هذه المفردة اشتقت من شعب امتاز بتطوره من حيث العلوم الفلكية ...لا ادري اين كنا في السبعينات حين اتفق المجتمعون من ابناء شعبنا على التسمية السريانية ولم نعترض في حينها ... وهل يعقل ان نسمي لغتنا بالسريانية ولا نقبل ان نسمي انفسنا بالسريان اليست اللغة هي من المقومات الرئيسية للقومية ... وهل سمعتم هناك تسمية قطارية اخرى غير نظريتنا المخترعة مما دفعنا الاخرين ان يتحاشوا بتسميتنا سواء في حديثهم او اقلامهم فليسوا ملزمين ان يقولوا الشعب الكلدو اشوري السرياني او الكلدان السريان الاشوريين او.. فأي من التسميات استخدموها سيجد من يعارضلذا من اجل راحة بالهم أو من اجل طمس تسميتنا من الوجود على امل ان نسمي انفسنا بالعرب او الكورد او .. سيتحاشوا ذكرها او يكتفوا بالقول (المسيحيون او اخرى ... ) ولنتسائل لو حدد الدستور العراقي مقاعد الكوتة الخمسة باسم السريان هل كانت تتخلى احزابنا عنها ام ستتراكض نحوها مثلما نتراكض صوب مقعد مدير عام للدراسات السريانية ، ومنصب مدير عام للثقافة والفنون السريانية ورئاسة القسم السرياني ... ومن ثم لو كان قد حدد وزير المالية السابق الاستاذ سركيس اغاجان هذه الصكوك (المنح ) المقدمة لرؤساء الكنائس ورجال الدين والاحزاب والمؤسسات والشخصيات الاخرى باسم السريان هل كنا سنقول نحن لسنا سريانونتراجع عن استلامها، من المؤكد لا ... لذا اقترح على كل من يهمه مصير هذا الشعب المسكين ووحدته وتراثه ولغته الالتفاف حول هذه التسمية على الاقل في الوقت الحاضر لنتحد وننصهر من جديد في هذه البوتقة وليغرد الاخرون ( سيكونون القلة) ان ارادوا خارج السرب وانا واثق لو تبنوها الساهرون على مصير شعبنا من بطاركتنا واحزابنا ومؤسساتنا لاصبحت مقبولة بما لايقل عن 80% وسترتفع النسبة بعد فترة قصيرة ربما الى 90% على امل ان يعيدوا النظر في هذه التسمية الاجيال اللاحقة بمؤتمرات علمية وفي حينها حتى لو اختلفوا لتمسك الجميع بمفهوم الواحد .