كلمة السيد حبيب افرام لمؤتمر حمورابي حول مستقبل الوجود المسيحي في العراق
أنتم سرُّ وطنكم
أعيدوا لاجئينكم، أحفظوا تنوعكم
· حبيب افرام
أعود الى بغداد
وهي تعد ضحاياها
في ايام سوداء.
كأن نهريها تلونا بالاحمر
واحترق نخيلها.
ما هي هذه الروح الاجرامية العدمية
التي تفجر الابرياء والجوامع والكنائس.
بماذا تبشرنا.
هل يصدق بشري ان لهؤلاء مشروعا سياسيا؟
بئسهم. ليسوا سوى حفنة من مجرمين
اقول لا عقيدة ولا فكرة ولا دين ولا مبدأ
يستأهل كل هذا الدم.
أعود خائفا عليها وعلى شعب يدفع اثمانا خطيرة
لمن يود الغاء حتى فكرة الدولة والنظام.
وقلقا على منطقة لا تفهم لغة التنوع والتعدد واحترام الآخر.
ومع ذلك، جئت،
من لبنان الذي ابتلي بحربه وجنونه وتفتّت
وتدّخل الجميع فيه لمصالحهم وكان ضحية خلافات ابنائه اولا
يدفعني امل ورجاء
ربما لأن قدرنا ان نبقى معلقين على صليب الشرق.
وكما يتعافى لبنان رويدا رويدا
كذلك
بغداد، تنام على حلم حريات وديموقراطية
في عملية انتخابات يسمع فيها صوت الشعب
- مهما كان القانون، مهما كانت علاّته –
فعلى الاقل هو عودة الى ارادة الناس.
أعود اليها لانني أحبها، هي الغارقة في الحضارة
منذ حمورابي، والحب هو أن تكون قربها ومعها في كل أوقاتها.
مباركٌ
كل ما يجمع، وكل مَن يجمع
فكيف بمنظمة حمورابي لحقوق الانسان ونبضها اسمان باسكال ورده الوزيرة السابقة، ووليم ورده المناضل الذي لا يتعب بالتعاون مع منظمة التضامن المسيحي الدولية.
وكيف تحت شعار "عودة كريمة للاجئين العراقيين" و"لبحث مستقبل الوجود المسيحي في العراق".
ان تكون عراقيا حقيقيا يعني أن تحب كل ارض العراق غير منتقص منها ولا حبة تراب وأن تحب كل العراقيين غير منتقص منهم ولا عراقي واحد.
لذلك ان تعمل على عودة كريمة لكل لاجئ عراقي اضطرته ظروف الحرب والتفجير والارهاب والاقتصاد والتهديد الى المغادرة هي في صميم اي برنامج وطني. لكن كيف؟
1 – انها اولا وقبل اي شيء في قيام دولة الامن والعدالة والمساواة.
لا يمكن لمَن خاف وترك ان يعود بناء على اوهام او وعود.
2 – انها غلبة لغة قبول الآخر وحقوقه في الدستور والثقافة السياسية والخطاب اليومي في الاعلام والاحزاب والقوى. انها غلبة فكر التنوع على الاحادية.
3 – إنها تحضير برامج استيعاب ومصالحات واعادة اعمار خاصة في المناطق التي شهدت حوادث عرقية او مذهبية وتهجير.
4 – انها في حملة وطنية تطالب بعودتهم للمساهمة في النهضة، لأن الوطن يحتاج كل اهله.
5 – إنها في انشاء فرص عمل للجيل الجديد ليشعر بأمان لمستقبله.
6- انها العمل مع الحكومات التي تستضيف اللاجئين على جعل اقامتهم المؤقتة أكثر شرعية وانسانية
اما البحث في مستقبل مسيحيي العراق، فهو جزء من نضالي وقضيتي، وهي قضية حق ومبدأ يتنكر لها الشرق والغرب، ولا يعطيها أبعادها، انها المسيحية المشرقية. كل بحث في مستقبل المسيحية العراقية عليه ان ينطلق من ثوابت:
1 – ان مسيحيي العراق هم ابناؤه الاصليون، ورثة حضاراته المستمرة منذ الخليقة، سومرية آرامية بابلية اشورية كلدانية سريانية ارمنية، جزء من تاريخه ونهضته وفكره وحياته، وشهود عيش مشترك.
2 – ان مستقبلهم هو ارادتهم، أولاً وقبل اي شيء، ايمانهم بأنهم هنا من اجل رسالة، بأن الرافدين ارضهم ونينوى والضيع والقرى. وان هنا عزّتهم.
لا شيكاغو ولا ديترويت ولا ستوكهولم.
وان عليهم المشاركة في صناعة قرار الوطن في كل مفاصله، من الوزارة الى النيابة الى الادارة، وعليهم اغناء المجتمعات في العلم والمدرسة والفكر والفن بالانفتاح والعطاء.
3 – ان مستقبلهم رهن بوعي عميق صادق من كل مكونات العراق، بكل طوائفه وقومياته، بأن المسيحيين سكّر العراق وملحه، وان على الحكومة ان تفعل كل ما هو ممكن ليس من اجل حمايتهم، بل من اجل تعزيز دورهم وحقوقهم في الدستور والقانون.
4 - ان مستقبلهم رهن بوعيهم انهم هم باقون مع اهلهم، وكل الآخرين طارئون. مهما زيّن الاميركي دوره. فهو الغريب هنا. هو يرحل. المسيحيون العراقيون وطنيون بالخالص.
5 – ان مستقبلهم رهن بوعي عربي واسلامي في العقيدة والدين والشريعة والسياسة والمواطنة بأن وجه المنطقة والعروبة والاسلام هو في كيف يعامل المسيحي، كما كل مكون آخر، كيف يقبله ويحبه ويعتبره جزءا لا يتجزأ من تراثه.
انه الصراع في قلب الاسلام. اي اسلام ينتصر. اي وجه له. انه الصراع في قلب العروبة. في ما بقي من معناها وأبعادها. وهل هي انصهارية آحادية إلغائية. هل تبقى في كهفها.
إن ما قرره شعب العراق في دستوره نفس جديد في المنطقة قائم على ارادات حرة، وعلى تآلف وليس على قمع. فهل ينجح هذا النموذج؟
6 – ان مستقبل المسيحيين رهن بالقضاء على الارهاب والتكفير والحركات الإلغائية الاصولية، ليس فقط في كونها خلايا ارهابية، وتنظيمات قادرة على العمل الميداني، بل ان الاهم هو بتجفيف نبع الافكار الهدامة التي تخرب اجيالا.
ان الذي يقطع رأس مطران ويفجر كنيسة أو جامعا او يقتل المئات هو مجرد آلة قتل اجرامية، وهو بفعلته هذه يقطع اي علاقة له ولفكره بالانسان.
7 – ان مستقبل المسيحيين رهن ايضا بنهضة قومية فكرية رائدة مشرقية لا تخاف ولا تسكت. ترفض الذمية والهجرة معا، ترفض الجنون والمشاريع الهمايونية وتصر على حقوقها، مثلها مثل اي قومية اخرى او اي مكون آخر. رهن بقيادات سياسية تتخلى عن انانيتها وتتطلع الى الغد. وبقيادات روحية تصر على انها انطاكية وليست اغترابية.
8 – ثم ان مستقبل المسيحيين ايضا رهن بتخلي الغرب، بكل ثقافاته، من الولايات المتحدة الى اوروبا والفاتيكان وهو يحضر لسينودس حول مسيحيي الشرق في العام المقبل عسى ان يطلع بنتائج ملموسة، عن هذه النظرة اللامبالية الى عمق قضية وجودهم ودورهم، بعودة الغرب الى بعض من مبادئ وقيَم لا فقط الى مصالح. صحيح ان المسيحيين ليسوا حاجة استراتيجية اليوم، ولا يعومون على نفط، على انهم قيمة حضارية كبيرة في عالم مضطرب يفتش عن طريقة لتآلف حضاراته واديانه. انه سؤال خطير مطروح في قلب اوروبا بتداعيات لا تهدأ، من النقاب الى المآذن الى الارهاب الى الاندماج الى سلم القيم، فهل يساهم الغرب في فهم تجربة المسيحية المشرقية التي استمرت بيتا قرب بيت، مع الاسلام، طيلة كل هذه القرون، ولو صبغتها احداث مؤلمة لكنها بشكل عام حافظت على حضورها وعيشها.
ثم ان المسيحيين العراقيين لهم فخر انهم وطنيون فقط. عراقيون فقط. لا شرق ولا غرب. لا ميليشيا ولا سلطة ولا تسلط.
أعود الى بغداد،
أستمد منها الروح ايضا.
فهنا يكتب مستقبل الشرق.
اما تنجح تجربة التنوع والتعدد والصيغة الفدرالية نموذجا
او اي صيغة عيش متساوٍ بين كل العراقيين، حكم ذاتي، ادارات محلية، لا مركزية موسعة
او لا سمح الله يغرق العراق في الارهاب والغوص اكثر واكثرفي العدم
ويصير ساحة صراعات الكل ضد الكل.
ايها الاحبة،
سرّ الوطن انتم، ابناؤه. وفاقكم. فهم خصوصياتكم.
دينامية حواراتكم. الخوف المتبادل لا يبني وطنا.
الاميركيون يرحلون. اليوم او غدا او بعد غد.
اعيدوا لاجئينكم. انهم ثروة لا تخسروها.
احفظوا تنوعكم. اغمروا مسيحييكم بفرح.
وليحمِ الله العراق وشعبه.
كلمة رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام في مؤتمر في بغداد بعنوان "عودة كريمة للاجئين العراقيين ولبحث مستقبل الوجود المسيحي في العراق" دعت اليه "منظمة حمورابي لحقوق الانسان" بالتعاون مع "منظمة التعاون المسيحي الدولية" من 10 -13 كانون الاول 2009 – فندق المنصور