شفق نيوز/ ربما ينفرد العراق بين الدول الإسلامية وغيرها بوجود ثلاثة أوقاف تنظم شؤون الأديان في البلاد وهي للشيعة والسنة وثالثة لغير المسلمين ولكل واحدة منها إدارة خاصة بها تدير شؤونها بمعزل عن الأخرى.
ويعكس هذا الحال الانقسام الديني الذي يعيشه البلد بعد إسقاط النظام العراقي السابق في 2003 على يد قوات دولية قادتها أمريكا ويجري منذ ذلك الوقت توزيع المناصب بناء على اعتبارات قومية ودينية ومذهبية.
وقد يكون الاستقلال بين الأديان في إدارة شؤونها مبرراً في الوقت الراهن بالنظر إلى ما يثار من جدل حاليا بين المسيحيين والايزيديين بشأن مَن مِن أبناء الطائفتين سيشغل رئاسة وقف الديانات المسيحية والايزيدية والصابئة المندائية.
ودعت المديرية العامة لشؤون الايزيدية في وزارة الاوقاف بحكومة اقليم كوردستان الى الكف عن اطلاق التصريحات الاعلامية حول منصب مدير الوقف واللجوء للحوار والتفاهم.
وقالت المديرية في بيان لها، ورد لـ"شفق نيوز"، "طالعنا في الايام الاخيرة عدد من التصريحات من جهات أيزيدية وأخرى مسيحية بخصوص ديوان أوقاف المسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين في بغداد، حول أحقية أي مكون برئاسة الديوان".
وأكد البيان ان "هذه التصريحات ولدت نوعا من التشنج في الوسطين الايزيدي والمسيحي"، لافتاً الى ان "تلك التصريحات لاتخدم أي مكون، بل ستساهم بشكل أو بأخر الى نوع من الطائفية المقيتة".
ودعا "الطرفين الى التحلي بالصبر والتروي وإحكام العقل والهدوء"، مشيرا الى "أنه الى الان لاتوجد أية إحصائية دقيقة لتعداد السكان، عليه فالمكون مكون حتى ولو بلغ عدده أشخاصا معدودين".
وبحسب البيان فان "هذه التصريحات ومن جهات ذات علاقة سواء رسمية حكومية أو برلمانية وشخصيات دينية لاتخدم القضية الاساس الا وهي خدمة الصالح العام".
واستدركت ان "اللجوء الى الحوار والنقاش البناء ضمن الاطر الديمقراطية هو ما يساهم بالحل وليس اللجوء الى الاعلام والتصريحات الاعلامية التي تحتمل التأويل والتقويل وتحريف الحقائق التي تولد ردة فعل سلبية بين المكونات الدينية وخاصة الايزيدية والمسيحية".
ما دعا الى "العمل الجاد سوياَ خدمة للقضية الاساس مصلحة المكونات الدينية في العراق التي نالت قسطاَ يسيرا من حقوقها وينتظرها الكثير لكي يتحقق".
وتأتي هذه الدعوة في خطوة لرأب الصدع وايقاف السجال الايزيدي ـ المسيحي الذي انطلقت شرارته بعد رفض النواب الايزيديين في كتلة التحالف الكوردستاني التصويت على تعيين رعد كججي (المسيحي) رئيسا لوقف الديانات المسيحية والايزيدية والصابئة المندائية.
وعلل النواب رفضهم الاسبوع الماضي إلى أن من يريد ان يشغل هذا المنصب يجب ان يحظى بموافقة المراجع الدينية لهذه الاديان الثلاث، معتبرين ان "كججي" لم يحظ بذلك.
ويرى الايزيديون انه من الاجحاف توزيع المناصب في الوقف وفق الطوائف، حيث يقولون ان المسيحيين يعتبرون انفسهم 14 طائفة، ويعتبرون الايزيديون طائفة واحدة، والمندائيين طائفة واحدة ايضا.
وبموجب الآلية السابقة، وفق الإيزيديين، يهيمن المسيحيون على اكثر من 85% من المناصب، مشيرين الى ان هذا الاسلوب يغبن حقوق الايزيديين وتعدادهم السكاني مقارنة بجميع الطوائف المسيحية، الامر الذي اثار سجالا اعلاميا منذ اسبوعين بين الايزيديين والمسيحيين.
وكانت النائبة الايزيدية فيان دخيل قد قالت وفقا لاحصائيات غير رسمية ان عدد الايزيديين في عموم العراق يتجاوز 600 الف نسمة، اي انهم اصبحوا الديانة الثانية في البلاد بعد المسلمين.
واضافت أن عدد المسيحيين العراقيين تراجع الى الترتيب الثالث وذلك بسبب الهجرة المستمرة الى خارج البلاد لاسباب تتعلق بالتهديدات والمضايقات منذ نحو 10 سنوات.
وترى دخيل انه بناء على ذلك من حق الايزيديين ان يشغلوا منصب رئيس وقف الديانات المسيحية والايزيدية والصابئة المندائية، وان التناوب على اشغال هذا المنصب بين اتباع هذه الديانات الثلاث امر طبيعي وواقعي ويجب الا يستفز اي طرف او مكون.
من جهته ابدى الجانب المسيحي امتعاضه من هذا التصريح، حيث بادر مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق الى اصدار بيان طالب فيه "بعض نواب المكون الايزيدي بالكف عن تصريحاتهم عبر وسائل الاعلام بخصوص تسمية ديوان اوقاف الديانات المسيحية والايزيدية والصابئة المندائيين والاحقية بتولي منصب رئيسه".
وقال البيان الذي اطلعت عليه "شفق نيوز" ان "تصريحات النائبين الايزيديين شريف سليمان وفيان دخيل تفتقر الى الموضوعية والدقة عندما تتناول اعداد المسيحيين وتقارنهم بأعداد المكون الايزيدي، وتهدف بذلك الى التحريض الطائفي المقيت وانتقاص من اهمية العيش المشترك بين مكونات الشعب العراقي".
وتابع البيان "من المعروف ان عدم أجراء اية احصائية رسمية للمكونات القومية والدينية في العراق فأن التقديرات والتكهنات التي يرتكز عليها النائبان المذكوران، تنقصها الدقة والصحة ولا تخدم سوى غايات سياسية بغية اسقاطها على الواقع الديموغرافي".
واستنكر النائب المسيحي عماد يوخنا عضو كتلة الرافدين، التصريحات التي ادلت بها النائبة فيان دخيل و"الاستخفاف" بأعداد المواطنين المسيحيين في العراق من أجل الحصول على منصب رئيس ديوان الاوقاف المسيحية والايزيدية والصابئة المندائيين، واصفا مطالباتها بسياسة التهميش والاقصاء.
وأنتقد النائب يوخنا "الاسلوب الذي اتبعته النائبة في التحالف الكوردستاني بتصريحاتها تجاه مكون اصيل من مكونات الشعب العراقي ومن المكونات القريبة تاريخيا للمكون الايزيدي، مدعية بان الكتلة الكوردستانية ستدعم مطلبها"، متسائلا "هل ذلك يمثل رأيها الشخصي او قرار التحالف الكوردستاني؟"
اما المتحدث باسم تجمع تنظيمات شعبنا الكلداني السرياني الآشوري، فقد
قال في تصريح اطلعت عليه شفق نيوز" انه "يحّز في قلوبنا نحن أبناء الشعب الكلداني السرياني الآشوري، أن نتابع مضمون بيان تعطي النائبة فيان دخيل لنفسها سلطة مطلقة في التطاول على حقوقنا ورفض مرشحنا لمنصب رئيس وقف الديانات المسيحية والإيزيدية والصابئة المندائية معللة ذلك بكون الإيزيديين الديانة الثانية في العراق بعد تراجع عدد المسيحيين العراقيين إلى الترتيب الثالث كما تدعي النائبة"،علما أنها "تستند في تعليلها إلى إحصائيات غير رسمية وغير دقيقة".
وعلى النقيض من ذلك، يقول الايزيديون انهم يستندون لارقام تبناها الطرف المسيحي حول عددهم في العراق، مشيرين الى تصريح المدير العام في ديوان الوقف المسيحي رعد عمونوئيل لاذاعة العراق الحر والذي قال فيه ان نصف مليون مسيحي ترك العراق منذ عام 2003 ولحد الآن، وهذا الرقم يقترب من نصف عدد المسيحيين الذين كانوا يعيشون في العراق قبل العام 2003.
واضاف انه لا يحبذ عودة المسيحيين الى العراق في الوقت الحالي مالم تتحسن الاوضاع الامنية فيه.
فيما اكد عضو مجلس الاقليات العراقية لويس اقليس ان عدد المسيحيين في العراق حاليا يتراوح ما بين 400 ألف و500الف في حين كان عددهم قبل سقوط نظام صدام بحدود مليون و200 الف، وان الاوضاع الامنية واستهدافهم المباشر من قبل الميليشيات والجماعات المتطرفة دفعهم الى الهجرة بهذا العدد سواء الى دول الجوار اوامريكا واوربا.
بينما شكك النائب المسيحي السابق يونادم كنا، في الاعداد المذكورة وقال انه مبالغ فيها، مؤكدا ان عدد المسيحيين الذين تركوا العراق بعد عام 2003 يصل الى 300 الف شخص، موضحا ان معظمهم ترك العراق لاسباب امنية ونتيجة لسياسة التهميش التي مورست ضدهم.