بدعوة خاصة من معالي وزير حقوق الانسان السيد محمد شياع السوداني, شاركت السيدة باسكال وردا رئيسة منظمة حمورابي لحقوق الانسان ووزيرة الهجرة والمهجرين سابقا في مؤتمر وزارة حقوق الانسان بعنوان "التعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي وحماية حقوق الاقليات" الذي عقد في اقليم كوردستان العراق باربيل بين 27-28 تشرين الثاني 2013. القت السيدة الرئيسة كلمة المنظمات غير الحكومية حيث اشادت بالخطوات التي بدأت بها وزارة حقوق الانسان في مجال التعاون مع عدد من المنظمات غير الحكومية طالبة منها توسيع هذه الخطوات بغية التكامل والتعاون لمصلحة العراقيين واخراجهم الى برالامان. كما شددت على سمو الكرامة الانسانية وحقوقه الاساسية على جميع المساومات السياسية ووحش الطائفية كونها حقوق غير قابلة التجزئة ولا التصرف بها .كما قالت ان حماية حقوق الانسان هي واجب على عاتق من يتسنم المناصب في صنع القرار كما هو واجب الجميع وكل من في مكانته واختتم المؤتمر بتوزير جوائز تقديرية استلمتها عن ممثلة حمورابي السيدة نهلة عارف منسقة معهد الولايات المتحدة الامريكية للسلام مع تحالف الاقليات العراقية .. وفيما يلي نص الكلمة:
يسعدني ان اقدم جزيل الشكر والامتنان الى معالي وزير حقوق الانسان السيد محمد شياع السوداني وجميع اعضاء اللجنة القائمة بتحضير هذا المؤتمرالكريم ولدعوته لمنظمة حمورابي لحقوق الانسان للمشاركة والقاء كلمة المجتمع المدني ما يدل على وجود ارادة صالحة يراد بها توسيع التعاون مع جميع منظمات المجتمع المدني غير الحكومية. دون شك, ان هذا التوسيع في التعاون سوف يرسخ التعايش السلمي بما انه عمل يتطلب التبادل الذي هو ايضا نوع من التعايش السلمي بين ما هو حكومي وما هوغير حكومي كون منظمات المجتمع المدني هي تجمعات لا بل وسائل فاعلة في خدمة نقل احتياجات المجتمع الى مسامع ومدارك السلطات بهدف البحث عن الحلول المناسبة لكل مسألة.
ان التعايش السلمي بين مختلف المكونات العراقية يمثل قاعدة بناء صحيح, لمجتمع متنوع ومنحدر من العديد من الاصول الحضارية التي كانت سباقة في تحقيق اولى الاكتشافات العلمية والقانونية. كما انها تركت ارثا ادبيا وثقافيا مترسخا في الزمان والمكان عبر تاريخ بلاد وادي الرافدين الطويل الذي اخترع الحرف والانظمة القانونية المكتوبة ومسلة حمورابي خير مثل على ذلك. كما استقبل الرسالات السماوية باختلافها وكل هذا فتح باب التقدم والتطوير أمام العالم.
ان تجمعنا هذا والمتنوع بالوان الفسيفساء الرائع لما يحتويه العراق من غنى لا ثمن له وهو شعبه التواق الى الحياة الكريمة يجتمع مرة اخرى اليوم لابراز مشاريعه الوطنية في محاولة منه للتفكير معا بصوت عال بغية ايجاد حلول واقعية وعملية تساهم في وضع حد لفقدان الامن والسلم الاجتماعي والتماسك السياسي الناتج عن النزاع الطائفي الذي يعثر طريق الانسان العراقي ويتركه في خضم الافتقار الى الخدمات اليومية الملازمة لحياة الانسان والمتمثلة باموراساسية كالحق في التغذية الصحية والسكن الملائم والكسوة اللائقة وحياة شخصية حرة والحق في حرية الفكر و التعبير والتجمع والتظاهر والخ ...هذه الحقوق وغيرها تسمى بعبارة قانونية عززها المجتمع الدولي وهي "حقوق الانسان" التي نصت على شرعيتها ليس فقط جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية فحسب بل وايضا الزمت النصوص الدولية الخاصة بحقوق الانسان, الدول على صيانتها بدون شرط وقيد. هذه الحقوق الاساسية هي التي لا تقبل التجزئة ولا التصرف بها كونها حقوق ولدت مع ولادة الشخص ولها وتتعلق بكرامة الانسان فهي بهذا العنوان بحاجة الى الحماية والصيانة من قبل جميع السلطات والافراد ايضا. والجميع مسؤول عن تحقيق هذا المبتغى أمام الله والشعب والمسؤولية الكبرى تقع على عاتق الحكومات المتعاقبة بالدرجة الاولى . واليوم من خلال هذا المحفل الحكومي وبمشاركة فعالة وارادة قوية للعديد من المؤسسات والمنظمات غير الحكومية منها دينية ومنها مدنية, يمكن لنا كمؤسسات غير حكومية وحكومية معا العمل على وضع توصيات تفيد المواطن العراقي بهدف المحافظة على الصالح العام كامانة على عاتق من تحملوا مسؤولية الوصول الى المناصب ايا كانت تلك المناصب.
يسرنا ايضا, وبالرغم من وضع الفوضى السياسية التي تسيطر على البلاد, ان نشيد بكل خطوة ايجابية قد تم تحقيقها منذ تغيير النظام الاستبدادي الذي وضع العراقيون في خانة الحروب المتتالية والدمار الذي شمل العقلية والثقافة السائدة في تطبيع الفساد باشكاله وخاصة الفساد السياسي والمالي والاداري ولعقود عديدة. هذا الارث السلبي هو احد الاسباب الرئيسية في الكثيرمن التلكؤ والرجوع الى الوراء لمسار البناء السياسي الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي الثقافي.
فمن بين الايجابيات التي حاول العراق الجديد وضعها في خدمة صيانة حقوق الانسان كانت تاسيس وزارة حقوق الانسان هذه والتي يمكن لها ان تلعب دورا اساسيا في تحقيق المزيد من الخطوات الايجابية التي بادرت بها الوزارة بالتعاون مع عدد من المنظمات الفعالة كمنظمة حمورابي لحقوق الانسان وتحالف الاقليات وغيرها كالعمل مع وزارة التربية على اجراء بعض التغييرات تفيد الاقليات العرقية والدينية في المناهج التربوية ومشاريع التعديلات القانونونية تخص وجود المكونات القليلة العدد وردع ممارسات ضد حقوق تلك المكونات في القنوات الادارية في عدد من المناطق بالاضافة الى المشاركة المتبادلة في مختلف الفعاليات بين الجهتين وغيرها من النشاطات التي تشهد لاهمية وجود مؤسسة حكومية تسهل التعاون المتبادل في خدمة تعزيز ثقافة حقوق الانسان نظرا للتركة الثقيلة من الانتهاكات المتراكمة والمتواصلة التي ادت بالعراقيين الى مصير صعب ومتالم بحاجة الى اكثر من وسيلة وتدريب وابداع للعمل على رفع الغبن واسترجاع الحقوق المسلوبة الى اصحابها. كذلك نثمن دور الوزارة الاساسي في سعيها للحصول على موافقة زيارة سجن النساء في بغداد في ايلول 2012 حيث اصدرت منظمة حمورابي لحقوق الانسان تقريرا مهما بالخصوص لا يزال صداه يحث القائمين على حماية حقوق الانسان الى توسيع نطاق العمل لتحسين وضع السجون والوصول الى تقديم صورة اكثر حضارية للتعامل مع الاشخاص المحتجزين. لذا نطالب بتوسيع ابواب التعاون للمزيد من الانجاز. كذلك هناك وزارة الهجرة والمهجرين التي هي احد تلك الوسائل الحكومية التي تتعامل مع العراقيين الذين اصابهم حيف التهجير القسري باشكاله وعقدة المنفى. ثم اتى تشريع قانون 12 لسنة 2012 الذي كان القصد منه خدمة عمل وتسهيل مهام المنظمات غير الحكومية الذي للاسف الشديد تم تحوير الكثير من مواده بارادات مسيسة طائفيا وتحزبيا الى درجة انه بحاجة الى تعديلات عديدة او الغاء العديد من التعليمات التي الصقت به ليصبح في الكثير من الاحيان عائقا يضيف على معاناة القائمين على نشاطات المنظمات غير الحكومية بوضع قيود غيرمجدية تهدف الى ترسيخ المزيد من السلطة والسلطوية بدلا من تسهيل مهام تلك المنظمات التي دون مقابل, تضع افرادها وامكانياتها في خدمة بناء العراق الذي هو بحاجة الى ابسط المساهمات بغية اخراج شعبه الى بر الامان والعيش بكرامة غير خاضعة لألاعيب المساومات السياسية السلبية. أما المثول الى مطالب الدستور الجديد في تاسيس المفوضية العليا لحقوق الانسان لم يفلت هو الآخر من توافقات بعض المتسلطين صحاب النفوذ , ما ادى الى المس بتركيبتها منذ اولى خطوات تكوينها لتتواصل في حيرة امام المعوقات التي تقف امامها. نتمنى ان تتجاوز هذه المؤسسة المهمة جدا محنة الخضوع الى وحش المحاصصة الطائفية وترسانة المساومات السياسية التي كلها امور تشل من فعاليتها. بينما العراقيون الآن اكثر من اي زمن مضى, بحاجة الى خدماتها لتحرير مجتمعهم من آفات زرعت في اعماق ثناياه. من هنا اهمية الحفاظ على جميع هذه المؤسسات منها وزارة حقوق الانسان بغية التعاون الوثيق للهدف ذاته. لأنه اليوم مطلوب من هذه المؤسسات المهمة ادوات الرقابة الذاتية, مواجهة العديد من التعاملات السياسية للوصول الى الهدف. وقبل كل هذه المؤسسات ومعها, يوجد منظمات المجتمع المدني التي اذا فهم دورها واستغلت احسن استغلال فهي تمثل الاسس الطبيعية لنظام ديمقراطي يتعامل مع الفرد كما مع الجماعة بروح الشراكة وتبادل الخبرات بغية صقل عملية التقدم والازدهار محررة من قيود الاستبداد وشخصنة السلطة وغيرها من صورالانظمة المصادرة لارادة الشعوب. و فهم منظمات المجتمع المدني يعني النظر اليها كمدارس التدريب الى روح المواطنة والمسؤولية وليس كاعداء او متنافسين. نحن منظمة حمورابي لحقوق الانسان نتشرف بالتعاون المتواصل مع مؤسسات الدولة بهدف التكامل والعمل على ردع اي عمل يهدف الى تحريف المخطط الرامي الى احترام حقوق الانسان كانسان قبل اي شئ آخر, وصيانة كرامته لانه هو انسان بغض النظرعن الاختلاف الديني او القومي او الجنسي او السياسي وغيره. دورنا يكمن في المحاولة بتذكير هذه المؤسسات الحكومية بالتزاماتها الدولية. لاننا يمكن لنا ان نستخدم الارث الدولي الخاص بالدفاع عن حقوق الانسان في خدمة دعم القضاء في القضايا المختلفة باعتبار العراق طرف فيها وان لم يكون في جميعها, يمكن القول في اكثر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحماية حقوق الانسان ابتداءا من الاعلان العالمي لحقوق الانسان مرورا بالمعاهدات الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966 والمعاهدة الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 كما البروتوكولان الملحقان بهما واتفاقية سيداو الخاصة بمناهضة جميع اشكال التمييز ضد المراة وغيرها من النصوص. يمكن لوزارة حقوق الانسان ان تدعم جهود المجتمع المدني عبر الادوات المذكورة اعلاه في دعم الوسط القضائي لحثه على امكانية استخدامه لتلك النصوص بهدف تكييف بعض القوانين العراقية المخلة بالمساواة واحترام كرامة الانسان سواءا كان هذا الانسان معتقلا ام حرا بهدف ممارسة قضاء عادل ومنصف في خدمة الحق الذي لاجله وضعت القوانين وليس العكس.
واخيرا يجدر الاشارة باعتزاز الى اهمية ما حققه العراق مؤخرا بتوقيع الاتفاقية الدولية الخاصة بمناهضة التعذيب وذلك دون اية تحفظات. نعم كل هذا يحسب انجازا ذات اهمية ربما لا يسلط الاعلام عليه عدساته بشكل كاف. ولكن مع كل ذلك, ماذا يفيد الانظمام والاعتراف والخ.. اذا لا تدخل حيز التنفيذ وباسرع وقت ممكن؟ كما ان مقابل هذه الاتفاقية يوجد قانون العقوبات الذي يحمل في طياته الكثير من المواد التي على المجتمع المدني ان يعمل العديد من عمليات الضغط لاجل التغيير او التعديل لا بل لاجل الالغاء, كقانون الحكم بالاعدام. لا يخفى بان العمل بهذا التشريع الدموي لا يؤدي الا الى المزيد من العنف. ولانه بحد ذاته ليس فقط يمثل العنف باقصى اشكاله بل هو منبع رئيسي لاستدامة العنف. و ما احوجه العراق الى الخروج من قائمة وصفه بين اعنف بلدان العالم.
نامل بان يؤخذ بهذه التوصيات لجعلها وسائل عملية تؤسس الى التعايش السلمي واعلاء الحقوق بلصقها مباشرة بالواجبات اي تجعل جميع المواطنين وكل من في مكانته مسؤول عن امن وسلامة وازدهار بلده ورفاهية شعبه. وبهذا يكون خلق الثقة و حس المواطنة والانتماء الى الوطن.
بارك الله فيكم ... وشكرا لصبركم