Skip to main content

أخبار و نشاطات

في بغداد: الدخول إلى بعض المناطق يحتاج لـ «صك الغفران»

في بغداد: الدخول إلى بعض المناطق يحتاج لـ «صك الغفران»

HHRO/ صوت العراق

لم يعد أهالي بغداد يتمكنون من التنقل بين مناطقها بسهولة هذه الأيام، فالإجراءات الأمنية المشدّدة تَفرض عليهم إبراز بطاقة السكن أو تأدية القسّم بأنهم يسكنون المنطقة قبل الدخول إليها.

السكان باتوا يطلقون النكات على بطاقة السكن ويصفونها بـ "صك الغفران" لأنهم بدونها لن يروا منازلهم دون حضور شخص من داخل الحي الذي يقطنونه لاستلامهم، ولذلك هم يحملونها معهم على الدوام عند خروجهم للعمل.

ياسين محمد الذي يسكن منطقة "الكرادة" وسط بغداد قرر الأسبوع الماضي زيارة عمه المريض الذي يسكن في حي "العامرية" غرب بغداد لكنه فوجئ بمنعه من الدخول من قبل القوات الأمنية بحجة انه ليس من سكان المنطقة.

يقول ياسين الذي قطع مسافة 12 كيلو متر من منزله إلى منزل عمه لـ "نقاش" إن "عناصر الأمن منعتني من الدخول إلى المنطقة وقالوا لي بالحرف الواحد إن هناك تعليمات صارمة صدرت لهم بمنع دخول إي شخص إلى المنطقة من غير ساكنيها".

وعلى رغم محاولات ياسين إقناعهم بالسماح له بالدخول وإخبارهم أن سبب زيارته لعمه هو سوء حالته الصحية، لكن رجال الأمن تجاهلوه تماما وقال له أحدهم "فليحضر أحد أبناء عمك من داخل المنطقة لاستلامك كي نتأكد بأنك جئت لزيارتهم".

وفعلا قام محمد بالاتصال بأحد أبناء عمه الذي وصل إلى نقطة التفتيش الرئيسية وأكد لرجال الأمن بأن ياسين قادم لزيارتهم حيث سمحوا له بالمرور بعد ساعة ونصف من الانتظار.

ومنذ شهر تقريبا في أعقاب تصاعد أعمال العنف في مختلف مناطق بغداد، أصدرت القوات الأمنية أوامر خاصة لعناصرها المنتشرين عند مداخل أحياء الأعظمية والسيدية والعدل والغزالية والعامرية والدورة بمنع الأشخاص من غير سكانها من الدخول إليها.

هذه الإجراءات لا تزعج الغرباء الراغبين بدخول غير مناطقهم بل تزعج السكان أيضاً أثناء عودتهم من العمل إلى منازلهم في تلك الأحياء.

صفاء هادي الذي يسكن حي "العدل" شرق بغداد منعته قوات الأمن من الدخول إلى منطقته بعد عودته من العمل وطلبوا منه إبراز "صك الغفران" أي "بطاقة السكن" شرطاً للدخول إلى المنطقة.

وبطاقة السكن هي وثيقة رسمية تمتلكها جميع العائلات العراقية، وتصدر من وزارة الداخلية وتتضمن موقع سكن العائلة وعنوانها الكامل ويتم تسجيل الوثيقة باسم رب الأسرة.

المشكلة كما رواها صفاء لـ "نقاش" إن عائلته مكونه من والده وأخوته الثلاثة وجميعهم يعملون في أعمال خارج المنطقة بينما هناك بطاقة سكن واحدة تثبت إن العائلة تسكن في المنطقة ويحتار أفرادها في اختيار الشخص الذي يحملها منهم.

وكمخرج من هذا المأزق اتفق صفاء مع والده وإخوانه الثلاثة على منح البطاقة لأول شخص ينهي عمله بشكل مبكر يومياً ويعود إلى المنزل، والذي سيقوم بدورة باستقبال شقيقة الذي يأتي بعده عند نقطة التفتيش في مدخل الحي عندما يتصل به بعد عودته من العمل وهكذا حتى يتمكن الجميع من الدخول.

"نقاش" حاولت الحصول على تعليق من مسؤولين في وزارة الداخلية رفض بعضهم التعليق على المشكلات التي أفرزتها إجراءات الأمن الجديدة، لكن مسؤول فضل عدم الإشارة إلى إسمه قال إن "هذه الإجراءات هي لحماية الأهالي لأن معظم التفجيرات يقوم بها أشخاص من خارج المناطق".

لكنه أبدي عدم قناعته بها وقال "ماذا نستطيع أن نفعل فنحن جنود مأمورين بتطبيق الأوامر وإلا خضعنا للعقوبة".

سائق التاكسي عمر ناجي من سكنة منطقة "الشعب" روى لـ "نقاش" حادثة حصلت معه وقال "استأجرتني إمرأة مسنة مع بناتها الثلاث من حي العامرية إلى حي الدورة وحين وصلنا إلى سيطرة التفتيش الفرعية في الحي أوقفنا رجال الشرطة هناك وطلبوا مني الرجوع وإنزال العائلة لأنني لست من سكان المنطقة".

لم تنتهي القصة عند هذا الحد بل إن أحد أفراد عناصر الشرطة الوطنية طلب "بطاقة السكن" من المرأة المسنة، فردت عليه "انأ هنا لزيارة ابني الذي يسكن في المنطقة مع بناتي أرجو السماح بدخولنا" لكن الضابط رفض.

ورد عليها بعنف "لن تدخلوا المنطقة اتصلي بابنك كي يحضر إلى هنا ويجلب معه بطاقة السكن كي نتأكد بأنه من سكان المنطقة ونتأكد أيضا بأنك قادمة لزيارة ولدك"، وبينما هي تتصل بابنها تمتم الضابط "من الممكن إن تكوني إرهابية لا أعلم ماذا تحملين وما غرض الزيارة ولا أستطيع السماح لك بالمرور بسبب أوامر عليا تجبرني على منع الأشخاص من غير سكان المنطقة من الدخول إليها".

وفعلا اتصلت المرأة المسنة بابنها الذي جاء إلى نقطه التفتيش مع بطاقة السكن، وأكد للضابط بأنه من سكان المنطقة حتى تم السماح لوالدته بالدخول.

هذه الإجراءات بدأ أهالي بغداد بالحديث عنها باستياء، معتبرين أنها تكرِس التفرقة بين المناطق العاصمة وتعزز الطائفية بين السكان.

لكن المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن أكد لـ "نقاش" إن هذه الإجراءات هي لسلامة أهالي بغداد وقال"التحقيقات التي نجريها عن التفجيرات كشفت بأنها تنفّذ من غرباء يدخلون إلى المناطق".

وأكد معن "تصاعد أعمال العنف مؤخراً دفعنا إلى اتخاذ إجراءات أمنية مشددة لمنع المسلحين من ممارسة الإرهاب بحرية".

أما لجنة الأمن والدفاع النيابية فلها موقف آخر من هذه الإجراءات ويقول عضو اللجنة النائب حسن جهاد لـ "نقاش" إن "هذه الإجراءات غير قانونية فتضييق التنّقل بين مناطق بغداد يمثل اعتداء على الحريات الشخصية ويتوجب إعادة النظر فيها". 

وفي منطقة "السيدية" جنوب بغداد يقف طابور طويل من المارّة بانتظار الوصول إلى رجال الأمن عند مدخل المنطقة للسماح لهم بالمرور، لكن الدخول إلى هذه المنطقة يحتاج إلى أداء القسم.

يقول أمجد جليل وهو ينتظر تحت أشعة الشمس الحارة في طابور الدخول لـ "نقاش" أنهم "يطلبون منّا إبراز بطاقة السكن التي تثبت بأننا من سكان المنطقة، لكن نقطة التفتيش هذه تسمح في بعض الأحيان لمن لا يحملون بطاقة السكن بالدخول بعد أداء القسّم بأنهم من سكان المنطقة".

أما أبو داود الذي يسكن حي "الغدير" شرق بغداد فقرر العزوف عن زيارة أقربائه في منطقة "الغزالية" بسبب إجراءات الأمن الجديدة.

ويقول لـ "نقاش" إن "زيارة الأقارب هذه الأيام في بغداد باتت مهمة محفوفة بالمخاطر والصعوبات بسبب أوامر أمنية غريبة لم نألفها سابقا".