عراقيون ناجون من اليأس
عراقيون ناجون من اليأس
عادل سعد
ان يستبسل احد بصمت من اجل معاونة الاخرين بعيداً عن الاضواء وترفعاً عن الضجيج الاعلامي الذي يحرص البعض ان يزينوا انفسهم به ، بل ويتزاحموا من اجل ان يكونوا في دائرة الضوء ، ان يمنع نفسه من انتظار شكر وامتنان الاخرين ، ان يمضي ساعياً الى رزقه بشرف وشفافية ويد بيضاء دون ان يسقط من وقته فرص مساعدة الاخرين ويعد ذلك واجباً مقدساً لديه ، ان يتسامى على نكبته وعوقه الجسدي المتعب ، وان يضع نفسه في خدمة عمل خيري فحسب فانه لابد ان يكون امير نخوة ونبل وارادة صلبة بحق تستحق الثناء والتقدير والاعجاب ، بل يستحق ان يكون ايقونة بشرية بامتياز.
احفظوا عني هذه الاسم ، الوطني العراقي رعد عزو الذي فقد اثنين من ابنائه شهداء ضمن وقائع جرائم ارهابية ضربت بغداد انسان محدود الحركة لأصابته بعوق جسدي ، لكنه انتصر على القنوط والاحباط ، بل وحرص ان يتواصل بعمل الخير والحرص على تخصيص جزء من وقته لمساعدة الاخرين برغم ماهو عليه من مشاغل وقدرة جسدية متواضعة.
كان يحمل على اكتافه حصصاً غذائيةً ويذهب بها الى اسرٍ فقيرةٍ في العديد من الاحياء البغدادية الملغومة بالعوز ضمن برنامج اغاثي اعتمدته منظمة حمورابي لحقوق الانسان لمساعدة تلك الاسر خلال فترة الاقفال، اعني الحجر المنزلي وقايةً من وباء كورونا ونقل لي بأمانة انه كان يردد مع نفسه (الحمد لله)في كل مرة يوصل فيها حصة غذائية ومعقمات منزلية لأسرة ،
واستوقفتني ايضا شخصية موسى ، عراقي اخر من فريق الضمير الحي ، ماهر في عمل زجاج المنازل عمره الان 86سنة ومازال يواصل عمله يتسلق السلالم ويتقاسم اجره مع عائلة جاره المتوفي.
بالحق ، العراقي رعد عزو وموسى هما ناجيان من اليأس شأنهما في ذلك شأن الملايين من البشر الذين نذروا انفسهم لخدمة الاخرين في مبادرات وكأني بهم يصيحون كما صاح من قبلهم الروائي الروسي دستوفسكي (اشعر بالحزن عندما لا اجد لدي ما اساعد به المظلومين والمضطهدين)، لاحظوا اهتمام دستوفسكي الذي اثقلته الديون والعوز يضع في مقدمة اهتماماته ان يساعد كل الذين يحتاجون الى مساعدة .
بالخلاصة الموثقة ارى ان احدى المستلزمات البشرية الاخلاقية لصياغة عهد جديد في مواجهة توحش (المغالبة) يكمن في تبني منظومة متكاملة من الحس التضامني والا فنحن مقبلون على عصف المزيد من الفوضى والتنابز والافراط الاستهلاكي الشخصي الغرائزي بل والخوف ، الخوف ممن ، لا احد يستطيع ان يعطيك قائمة نهائية عنه ، واذا كان رعد عزو وموسى قد انتصرا على جروحهما في مسعى لتطبيب جروح الاخرين فالفرصة المتاحة اصلاً بشرف عند الانتصار على نزعات المكاسب التي كوناها لأنفسنا تحت وطأة الانغلاق الفاجع لمصلحة المغالبة ، الداء النفسي الذي وصفه الفيلسوف اريك فروم بانه الدوامة التي لاتتيح للغارق فيها فرصة النجاة ، بل المحنة بعينها التي ضربت الحضارة المعاصرة حين يعالج الانسان مشكلاته بالانفتاح المفرط على النزعة الاستهلاكية الشخصية ضمن نفوذ تلك المغالبة في حين انها علاج وهمي للتعاسة
خلاصة اخرى ، اتطلع ان تكون السنة الجديدة 2021 سنة شروع جدي في الانصياع الواعي لبشارة التضامن ، و تلك قضية لا تحتاج الى مداولات او ورش عمل ولا الى ندوات ، او بيانات.
هناك نداءات استغاثة عراقية ضمن قائمة طويلة مدونة بالصوت والصورة على طاولات سياسية عديدة والاصغاء يتطلب اهمال نفوذ الاستخفاف .
قال احدهم ما ابطأ سيارة الاسعاف رغم سرعتها الفائقة ، لذا ليس من الطموح ان يكون 2021 عام كل الحلول المؤجلة ولكن على الاقل ان يكون خط شروع للتصحيح بتعهدٍ لا ترقى اليه الشكوك.
الامل ان نجد سياسيين بوزن رعد عزو وموسى ، وأول الغيث ، التحرر من الوصمة المريبة (العراقيين ما تصير لهم جارة)، والحال ، من دستوفسكي الى رعد عزو وموسى مسافة رمي عصا
لقد وجد الدكتور واين داير صاحب كتاب( النقلة) الاكثر مبيعاً في الولايات المتحدة الامريكية حلاً لهذه المسافة حين قال ، يستقيم الوضع عندما تتحول، اي ان تنتقل الحياة من الطموح الى المعنى اما كيف ، العهدة على البصيرة الشخصية .
مقال عادل سعد في صحيفة الزمان يوم ١٦كانون الثاني ٢٠٢١