طعمّ كلماتك بالسُكر
كانت مُتزمتة في رأيها بعض الشيء وحادة وقاسية في كلامها مع طلابها، وتعاملهم بخشونة غير معهودة، وكلما كانت تدخل للصف لتُعطي الحصة الدراسية لطلابها، ينزعجون ولا يبالون ولا يعطون لشرحها أهمية! فما كان منها ألا مُعاقبتهم وشكوتهم إلى المدير! هكذا كان أسلوب المعلمة مع طلابها، وهذا كان سبب انزعاجهم منها وعدم محبتهم لمادتها.
وهذه حالة أخر: نشب جدال عقيم بين زوج وزوجتهِ لدرجة أن كادّ يصل الحال بهم إلى الطلاق والانفصال! الزوج مُصمم على رأيهِ ولا يتنازل، والزوجة تؤكد رأيها الأخرى ولا تقبل بغيرهِ؟! ترى ما الحل وكيف السبيل للتوافق بين رأيهما وإفهامهما بضرورة النظر في الموضوع من جوانب أخرى؟! في هذه الأثناء وصلت أم الزوج في زيارة لهما، وعلمت بالمشكلة والجدال القائم بينهما، فما كان من الأم ألا التحدث إلى كليهما في المشكلة، كلُ واحدٍ على إنفراد لتهدئتهم، ومن ثم تجمعهم، وبالفعل هذا ما فعلتهُ!
تحدثت مع الاثنين وعرفت أين مكمنْ المُشكلة واستطاعت برزانتها إخماد نيران ثورتهما، وأكدت للأثنين أن وجهة نظرهما صحيحة ولكنهما لا يُعطيان مجال وفرصة لبعضيهما للتفاهم ولألتقاء الأفكار والاتفاق على حل! تحدثتْ معهما بأسلوب لطيف وكلمات جميلة تدخل القلب وتُهدئ النفوس! فأصلحت بين الزوجين الثائرين، وجعلتهما بكلماتها الهادئة والرقيقة، أن يعرفا أن يكمنْ الخلل في مشكلتهما؟!
هكذا هو وقعّ الكلمة الطيبة، هي كالبذرة الجيدة والصالحة أينما تقع تُثمر! والحياة هي الحياة مليئة بالهموم والمشاكل، وهي واقع يعيشهُ الإنسان ومن الطبيعي أن يصطدم بها في دروبها بالكثير، هو زمن نعيشهُ يكثر فيهِ الضجيج الصاخب والمتاعب، وبين هذا الجو المشحون بالتوتر والضغوطات، تحل الكلمة الطيبة في النفس لتطربها وتزيل عنها غبار الزمن المُثقل بما يحملهُ من هموم، لا ننسىّ أيضًا الابتسامة التي تُضفي روحية على الروح وتنعشها وتنُقيها.
والحياة والإنسان لا يستحق من غيره من الإنسان الكثير من الحوارات والتداخلات الغير المُجدية واليتيمة والقاسية والمُتشنجة، الحياة أبسّط من ذلك بكثير إذا عرف الإنسان بحق كيف يجعلها بسيطة وجميلة مثلما هي! لكن لو ألقينا نظرة حولنْا في كل ما يجري، نجدّ في أغلب تعاملات البشر أن الكلمة الطيبة تكون غائبة أو شبه غائبة، كون في أغلب كلام البعض نجّد كلماتهم تكون شاحبة، بلا طعم ولا رائحة، وقعها على النفس مُرّ، تُؤلم، تُصدم، ذابلة بلا حياة، رغم نطقها ألا أنها تبدو خرساء! لا نعرف هل الحياة بتقلباتها هي من تفرض هذا، أم الواقع هو من يُجبر الفرد على ذلك، أم إن الإنسان باتْ غريبٌ بعض الشيء في تواصلهِ الإنساني مع نفسهِ ومع الآخرين؟! أصبح لا يكترث لأي شيءٍ في الحياة ولا يُعطيها قيمتها وجوهرها المفروض الواجب أعطائها لها، لكي يكون فيها وتُعطيه بالمثل.
هنالك كم هائل من الأشياء الجميلة بداخلك أنتَ، والكلمة الطيبة أحداها، وهي كلمة تخرج من الداخل، من الأعماق، هي مولودة الفكر، مليئة بالحب والتسامح والاحترام والتواصل والنوايا الحسنة، النابعّ من ذات الإنسان لنفسهِ ويعكسهُ على الآخرين.
طعمّ إذن كلماتك الخارجة من فوكَ بالسُكرِ ودعّ الآخرين يرتشفها ويستمتع بعذوبة طعمها يسريّ في الداخل ويستأنس ويُطربّ لها. ولا يوجد أجمل من الكلمة الصادقة المُتسللة بكل شفافية معانيها إلى أغوار النفس لتستقر فيها وتُرقيها، وهي لا تكلف شيئًا لكن ثمارها أعمّ وأكبر، مما تكون أنتَ نفسكَ سببًا في التقدم والرقيَّ والسموّ بالذات الإنسانية ومن ثم الإبداع والتواصل مع الآخرين. وتبقى الكلمة الطيبة هي كالبلسّم الموضوع على الجرح، تُطيبهُ وتُشفيه، وتبقى على طول الدهرّ مُتاحة وتأثيرها فعال.