طباعنْا .... كيف نسوسها؟
إنساننا هذا تجدهُ في أغلب محطات الحياة مُتناقض وازدواجي مع نفسهِ ومع الآخرين، يريد أحيانًا مع نفسهِ أن يذوق الحياة السامية، حياة يريدها فقط لنفسهِ أو يحاول أن يُكملها مع غيره وبأسلوبهُ هو فقط من مُنطلق المصلحة والأنانية والانفرادية! وخصوصًا في زماننْا هذا الذي اختلطت فيه مفاهيم العلاقات الإنسانية وضاعتْ بين دروّب الحياة، أو بالأحرى هذا الإنسان هو من يضيعها بتصرفاتهِ وحسب أهوائهِ ووجهات نظره الخاصة!
والبشر أنماط مُختلفة في هذا الكون الواسع، مُختلفين بحسب شخصياتهم وألوانهم وأطيافهم وأجناسهم وعاداتهم وأفكارهم وتعاملهم، لكن تبقى الإنسانية وإنسانهم هما من يجمعهم ويوحدهم. وبالمُقابل كذلك كل إنسان بمُفردهِ يُمثل عالمًا كبيراً مُستقلاً بذاتهِ، عالمًا يعيشهُ مع ذاتهِ ومع غيرهِ. وهذا (الغير) ربما قد يكون مُتوافقًا معهُ بنسبة أو مُختلفًا معهُ وعنهُ في السلوك والرغبات والميول والطبائع.
وهذا ما سنتكلم عنهُ بشيء من الاختصار في مقالنا عن (طبائع الإنسان)، ومن خلالهِ سنستعرض هل بإمكان الإنسان التحكم بطبائعهِ السلبية؟ وهل يمكن أن يُغيرها لتتوافق مع حياتهِ ومُحيطهِ؟ وكذلك هل التغيير في الطباع، يمكن أن يُغير من طباع من حولهِ؟
أسئلة لربما قد لا نعرف أن نحدد الإجابة الكاملة عليها أو المُقربة إليها، لأن الإنسان بذاتهِ لغزٌ وسرَ غامض وغير مفهوم لنفسهِ أولاً! ولأنهُ ليس كل واحد قادر أن يغير كليًا من طباعهِ السلبية إلى الايجابية في سبيل الآخرين وفي فترة زمنية مُحددة، ألا القليل من الذين يعرفون قيمتهم وقيمة إنسانهم ولديهم إرادة وإصرار قوي لتغيير النفس من أجل الذات أولاً، ولأنهُ أيضًا البعض من البشر بطبعهم فيهم البعض من الأنانية والتملكية في مكنونهم، يحاولون بشتّى الطرق الوصول إلى مُبتغاهم على حساب الآخر!
الطبع والتطبع:
الإنسان بطبيعتهِ كائن ذو طبيعة جسدية وطبيعة روحانية، وهو نفسًا تمتلك الكثير من الصفات المُختلفة، وطباعهِ هي عبارة عن أفكار يُترجمها إلى أفعال، بعضها تكونت بفعل الوراثة والبعض الآخر تكونت بفعل التربية والمحيط والظروف والمجتمع (مُكتسبة)، لكن مع ذلك هذه الطباع لا تأخذ النسبة الكاملة في حياتهِ وخصوصًا إذا كانت سلبية، ألا إذا هو أراد ذلك، لأن هنالك دائمًا مساحة من الحرية في داخلهِ، تمنحهُ القدرة ليكون المُتحكم بنفسهِ ومُسيرها (سيدَ نفسهِ).
لكن هذه الطباع التي نتكلم عنها، ما هي؟ هنالك: الغيرة، الخجل، العصبية، الكرم، الطيبة، العداء، الكذب، الخداع، الحيلة، الخبث، الحسد، الخيانة، الذكاء، الغرور، العنف، الغضب، النميمة، البخل، الذم، عدم الاكتراث، خيانة الثقة والأمانة ..... الخ، هذه الطباع جميعها تتوارث وتُكتسب عبرّ الأجيال كلٌ بنسبةٍ، يتوارثها الفرد بالفطرة ويكتسبها من المُحيط والمُجتمع أثناء احتكاكهِ به.
سنُعطي مثالا مُبسطًا ومُقربًا عن الطباع: نلاحظ قطرة الماء التي تنزل على الصخر الواحدة بعد الأخرى، وتنحتْ فيهِ يومًا بعد يوم لتشكل في النهاية أما نحتًا جميلاً أو ربما يكون عادي لا ملامح لهُ، هكذا هي سنوات عمر الإنسان، تنقش فيهِ خبراتهِ والحوادث التي مرَّ بها، إضافة إلى البيئة وخبرات الآخرين والحياة مُختلف التصرفات سواء كانت حسنةٍ أم سيئةٍ، وبالنهاية هو من يستطيع أن يُسيرها لمصلحتهِ وتخدم الآخرين بشكل إيجابي! والإنسان في هذا الكون لم يخلق فقط من أجل أن يُولد وينمو ومن ثم يموت وكأن هذا فقط ما مطلوب منهُ في هذا الوجود، على العكس الحياة أسمّى من ذلك بكثير! الحياة هي (هذا وذاك، أنا وأنت) واحدٌ يُكمل الآخر، واحدٌ يسمّو بالآخر، من أجل أن يصل في النهاية إلى السمّو بالإنسان والإنسانية على كل ما هو فانٍ وزائل في هذا الوجوّد. وهذا هو هدف البشرية البحث عن الذات من أجل الآخر، وهذا الموضوع سننفردُّ به بمقال خاص يحمل العنوان ذاتهُ لاحقًا.
نعم الإنسان بحاجة إلى أن يُرقىَّ بإنسانيتهِ أكثر من هذا، بالتأكيد هذا يتم عندما يكون مُقتنعًا اقتناع تام بقيمة وجوهر الإنسانية والنابعّة من اقتناعهِ التام بقيمة نفسهِ كإنسان أولاً! لكن في أغلب مواقف الحياة نجد الكثير من الناس عند تعاملهم مع غيرهم يهملون قضايا وجوانب مهمة من جوانب التعامل مع غيرهم، ولا يدركون التصرف الصحيح والأثر الناتج عنهُ، سواء كان من حيث الكلام المُلقى أو الفعل المُمارس، بسبب أن طباعهم تُملي عليهم هذا التصرف أو السلوك ولابدّ أن يُمارسونهُ حتى وإن لمْ يكن مُتوافقًا مع الغير! مُطبقين بينهم وبين نفسهم المثل القائل:" الهدم دائمًا أسهل من البناء".
ومثلما الأرض تُخرج كل جيد ورديء بذات الوقت، كذلك الإنسان يحمل في نفسهِ الأمرين، ولكن متى ما أراد يستطيع أن يُقلص من الرديء الذي بداخلهِ، في حالة معرفتهِ وإدراكهِ واقتناعهِ أن هذا السلوك أو الطبع الرديء يؤثر على نفسهِ وعلى علاقاتهِ مع المُحيطين به، والتغيير بالطباع سواء كانت المُتوارثة أو المُكتسبة هي بالنهاية بيدّ الإنسان ذاتهُ، وهو من يستطيع أن يُغير كل سلبي في حياتهِ، لأنها بالتالي ستؤثر على المُقابل وسيعاملك مثلما تعاملهُ. ودائمًا لابدّ من مُحاولة تخطي كل ما من شأنهِ أن يهدم أواصر الترابط والمحبة بين بني البشر، وتقدير قيمة الحياة التي خلقنْا من أجلها، وإدراك أننا اللحظة ننعّم في الحياة، ولكن بعد قليل من سيضمن وجودنْا فيها!
لذا من أجل أن نعيش الحياة كما هي، لابد من أن نسوس طباعنْا، بحيث تخدمنا وتدفعنا إلى الأمام مُجتمعين بعقل مُتزن ويقظ وجاد، وليس مُبددين الواحد الآخر بتصرفات وعقليات وأفكار لا تجدي أية منفعة، أي بمعنى نتحول من الخاص الذي يأسرنا أحيانًا إلى العام من أجل الحياة ذاتها والإنسانية، ولأن الله أراد أن يكون الإنسان إنسانًا.