زوالنا آتٍ إنْ لم...
المونسنيور د. بيوس قاشا
في البدء
حروبٌ عديدة مرّت على عراقنا الجريح وآخرها عام 2003 والتي خلّفت دماراً كبيراً في الأنفس كما في أرض الوطن، وبسبب ذلك هاجر عدد كبير من المسيحيين كما من المكوِّنات بعد استهدافهم من قبل جماعات متطرفة وخاصة بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي إلى أراضي أهلنا في سهل نينوى والموصل عام 2014 والذي فرض على المسيحيين الأصلاء شروطه الثلاثة: إشهار الإسلام، دفع الجزية، قطع الرؤوس ومصادرة الأموال في حالة الرفض، أو عليهم الرحيل. وكانت المسيرة المؤلمة تأخذ معايير مختلفة ومنها كانت إبادة المكوِّن الأصيل حتى 28تشرين الأول من عام 2016 حيث حُرِّر سهل نينوى والموصل.
على مدار التاريخ
لن نخوض الآن في ما تعرض له المسيحيون وما يتعرضون إليه ولا زالوا وإنْ بطريقة أبطأ، ولكن بإمكاننا أن نقول أن المسيحيين على مدار التاريخ لم يعيشوا في بحبوحة ورخاء بل مورست ضدهم وخلال الأنظمة المتعاقبة على الحكم بالعراق سياسات مختلفة فيها التعصب أحياناً وفيها الاحترام الواجب أحياناً أخرى، فيها التعامل بعنجهية وفيها التعامل عبر غياب العقل والتحزب، وهذه كلها أدت إلى جعلهم مرة جالية لا ذكر لها وأخرى أقلية مستَضعَفَة، وكم شهيد أو جريح سقط ضحية هذه السياسات، وكم نازح ومطرود ومهاجر شهدت بلادنا بسبب السياسات المؤلمة التي مورست ضدهم وفي مناسبات عدة كان استخدام الدين من أجل الإرهاب تبريراً للأعمال الإجرامية التي كلفت المئات من حياة المسيحيين الأبرياء.
خابت آمالنا
هذه الممارسات أفرزت نتائج وخيمة على مستقبل وجودنا المسيحي في العراق خاصة وفي الشرق الأوسط عامة، وتناقصت أعدادنا وخابت آمالنا في العيش مع الآخر المختلف. وما يواجهه مسيحيو اليوم من تحديات هي الدافع الأكيد لإفراغ البلد منهم. فقد ضربوا الناس بتدينهم، وفي داعش بلغ التطرف الديني أقصى حدود القوة واللاإنسانية. إنهم يجهلون وجودنا سواء متنا أم حيينا، فذاك بالنسبة إليهم سواء.ومن هذه التحديات:
فبين فترة وأخرى يتنامى الخطاب الديني المتشدد.ولا زلنا نعاني من عدم إصلاح قانون الأحوال الشخصية، ولا يوجد تطبيق فعلي لمبدأ "لا إكراه في الدين" حيث أسلمة الأطفال القاصرين قسراً حين إشهار أحد الأبوين إسلامه.وقانون توزيع الأراضي السكنية من أجل إحداث تغيير ديموغرافي في مناطق تواجد الأقليات، هذا هو العامل الأكثر خطورة في زوال الوجود المسيحي بزوال أراضيهم ومنها قرار (117).ووجود تخوف وتشاؤم من مستقبل الأقليات وبقاء وجودهم في الشرق والعراق بسبب إفرازات العنف المتشدد ضدهم والذي ولا زال الخوف مسيطراً ويؤدي في النهاية إلى زيادة نزيف الهجرة بشكل كبير.والكتب المنهجية التي لا تعير اهتماماً بالأقليات ودياناتها ومكوناتها.وتوفير الأمن والاستقرار في مناطقهم واستنباط وظائف للحصول على أرزاقهم وإشراكهم في الحياة العامة وليس التمييز الطائفي الموجود بالأغلبيات عربي، كردي، تركماني... وأخرى عديدة...
في الختام
هل صحيح إن المصالح تريد أمرين، هل فعلا يريد الغرب أن يكون الشرق بلا مسيحيين، ويريد مسيحي الشرق عنده وهل يريد الشرق ان يرحل كل المسيحيين الى الغرب ، هل هي فعلا محاولة لأسلمة المنطقة وهناك قاعدة شرعية تقول "لا يكون دينان في جزيرة العرب".ولا اعلم أين تكمن الحقيقة هل في واحد من هذين السؤالين أم في كليهما. والحقيقة ، حقيقة لا يعرفها إلا المخططون لها ، ولا ينفذها إلا راسمو مستقبل الشعوب إن كان هناك مستقبلاً أم استعماراً أم احتلالاً أصولياً لكرامة وحقوق الإنسان "شماعة الخلاص" فالمطلوب منا توحيد كلمتنا ، وعيش حقيقة وجودنا ، وتبديل مواد دستورنا ليكون دستورا للمواطن والمكون على سواء وليس للاغلبية الحاكمة والحزبية المتسلطة ، والطائفية المقيتة ، والكراهية الحاقدة ،والمصلحة المالكة والمستكبرة ، وللحقيقة المزيفة ، وما نحتاج اليه غسلا اوتوماتيكيا، في ماكنة تحمل حقيقة وجودنا ، وكسرٍ لزيف مصالحنا ، وانانية الوهيتنا، ومسك الختام ما نحتاجه ان نركع امام كرسي التوبة والاعتراف ، فما نحتاج ليس كلمات احترامية نقولها ونعلنها في مؤتمرات وبيانات تنتهي مع خاتمة أعمالها، بل حقيقةً ودستوراً واضحاً يمنحنا حقوقَنا ويُختَم على ورقة يعلن فيها المبادئ التي نادى بها البيان، وإلا كله لا يحرّك ساكناً في مسيرة الشعوب بل كلام "گرانيل" كما يقول المَثَل المصري ليس إلا!. والا فزوالنا آتٍ شئنا أم أبينا ، وهذه هي مسيحيتنا ، نعم وامين !.