رسالة إلى أبناء بخديدا الأحبة
بخديدا ... أمّ الشهداء
المونسنيور د. بيوس قاشا
في البدء
مع محبتي لكم، أستميحكم عذراً، وأضع مسيرة حياتي ووجودي المتواضع ومقالاتي وكتاباتي ورسالتي المقدسة، أمام أنظاركم ومسامعكم، ولكم كل الحق بل كل الحقيقة إذا ما شاءت إرادتكم أو أيّدت ضمائركم وتتصور أهدافكم أنْ تكتبوا ما يطيب لكم وما شئتم، وقولوا ما هو مبتغاكم، فأنتم رسالة سامية تحملونها عبر مسيرة متعَبَة، فهي متأصلة في ضمائركم كسلعة أبدية ولكن بعيدة عن روح الحقد والكراهية، عن روح البغض والأنانية، ولا تُعَولِموا أو تؤلِّهوا مشيئتكم كي لا تُفرغوا من قلوبكم الإله الذي معكم "إنْ كان الله معنا فَمَن علينا" (رو31:8-39) الذي فداكم وفداني، بل أظهروا محبتكم، ولا تبيعوا غايات بائسة، كما لا تشتروا كلمات مزيفة لتجدوا أنفسكم أمام كبار الزمن، فالحياة راحلة يوماً ما. ولا تجعلوا الشيطان يملك على قلوبكم، أو يستولي على مسيرتكم الإيمانية في حبّ الأرض الجريحة والوطن الأسير والمكلَّل بأشواك الطائفية والقومية والأغلبية في زمن العشائرية والقبلية من أجل تقديس الفساد وتكريس الكذب، عملاً بإرادة كبار الزمن، بل احملوا مدينتكم ومآسيها وأفراحها عبر مسيرتكم الزمنية، وكونوا ذائعين لحقيقة إيمان أجدادكم وآبائكم، فأنتم لها أمناء... لذا يسرني أن أرافقكم في هذه الأسطر القليلة، لأكون لكم وبينكم ومن أجلكم، ومن أجل حقيقة إيماننا ووجود شعبنا، كلمةً مُحِبَّة ملؤها الحقيقة والشهادة والتاريخ، فقد قال بولس الرسول:"أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي" (فيلبي13:4)... فهأنذا معكم، وشكراً لكم.
أمّ الشهداء
مَن منّا لم يقرأ تاريخ بخديدا... إنه تاريخ مقدس، بخديدا قبلة المؤمنين، والشاهدة للمسيحية، فهي أمّ الكنائس السبعة والأديرة التاريخية والتلال الأثرية... أمّ الشهداء... عاصمة المسيحية المتربّعة على بساط سهل نينوى... حاملة لرسالة الإيمان، حيث الكثير من أبنائها خلطوا عرق جباههم بتربة حقولهم وأراضيهم، حاصدين غلاّت زرعاتهم وهم مليئين بالتقوى وبساطة الحياة في عيشهم ولبسهم ومسيرتهم ليكونوا صالحي السيرة والمسيرة، ويربحوا أرزاقهم بالحلال والوصية. وكم احتمل أبناؤها المآسي وتبعاتها، وآفات الحروب ومصائبها، والمجاعات والرحيل والإنتقال من مكان إلى آخر ولحد الآن، بل حتى الساعة، لا زالوا شهداء المسيرة المؤلمة من أجل الوطن الجريح. نعم، فهي تفتخر بعدد كنائسها وبعطاء أبنائها وعقولهم العلمية المبدعة ومواهبهم المتنوعة في الكتابة والعمران، في الرسم والنحت والهندسة وأنواع الفنون، وبدماء الشهداء التي سُكبت من أجلكم ومن أجل وطنكم، فهي حضارة مملكة، وثقافة وطن، فهي لكم ولمجتمعات وطنكم كلمة وبناء وحضارة، فلا تخافوا بل تشجعوا يا أبناء بخديدا العزيزة، كنتم ولا زلتم أحفاد الرجال الأوفياء وبُناة المعابد الأمناء: كنيسة بخديدا ايتاربثا، مرحانا، مار يعقوب، مارزينا، سركيس وباكوس وبشموني. فالأرض أرضكم، فلا تتهاونوا في إعلاء شأنها، فكونوا لها حرّاساً أمناء، فالغيرة في نفوسهم قد ملكت، ومن حولكم كثيرون يتمنون أن يدخلوها غزاة وليس فاتحين من أجل نيل غنائمها، فهي تناديكم: لا تتركوني وحيدة كأرملة، فالذئاب كثيرون وإنْ لبسوا ثوب القداسة والمهابة، وتزيّنوا بزينة الكلام والقدسية، فغايتهم الجلوس على كراسيكم المقدسة ليحصدوا ما لم يزرعوه (متى24:25). فأرضكم وكنائسكم وسبل إيمانكم وروح شبابكم أمام مصير مجهول عبر زمن بائس، فإنْ غادرتموه أو تغادروه من أجل البطون فأنتم للدنيا أمراء، وإنْ سعيتم الإبتعاد عنه من أجل راحتكم وراحة عيالكم فقد بعتم حقيقتكم واستسهلتم إيمانكم وغيّرتم ترتيلتكم "هذي البيعة ما ننطيها، يشوع ومريم ساكنين بيها" إلى أنشودة يعلنونها "بداثي يوما هر بشقلاخ بخديدا" ما معناه "سيأتي يوم سنحتلّها بخديدا". فاعلموا واعملوا على أن لا تكونوا سبب تفتيت كيانكم وهدم حضارتكم، فيتلاشى وجودكم ولن يبقى لكم ذكر إلا ما قيل "بالأمس كانوا هنا واليوم قد طُردوا"، عذراً "قد رحلوا"، فهم الغزاة الطامعون في مقتنياتكم، وزمناً أحرقوا كنائسكم ودياركم وقتلوا آباءكم وأجدادكم واليوم أحفادكم.
سلعة للجيران
كنائسكم مقياس حبّكم لأرضكم ولعشيرتكم، ومعبدكم عمق إيمان علاقاتكم، ومستقبلكم واسم موطنكم نداء لا تساويه أثمان بل هو أغنى حتى من عيالكم وأثمن من أجفان عيونكم، فالرب منحكم إياه وطناً ورأى ذلك حسناً (تك1). فلا تكونوا أنتم ومعابدكم سلعة للجيران، شرقاً أتوا أم غرباً، شمالاً أو جنوباً، فهم يوماً قتلوا آباءكم وأجدادكم، وغاياتهم سلب أموالكم وحرق كنائسكم وتدنيس معابدكم كما فعلوها في الزمن الغابر والماضي القريب. فأنا أوصيكم أن تكونوا حكماء النيّة (متى16:10) و"شهود للحقيقة" (يوحنا32:8)، وكلمة شجاعة أمام وجوههم، فلا يملأ الخوف قلوبكم، فقد قال ربنا:"لا تخافوهم"، ولا "تكونوا أمامهم كَحَمَل إبراهيم" (تك2:22)، ولا تهرولوا مذعورين من همجيّتهم ولحاياهم وسيوفهم وفتاواهم، وتشجعوا، والبسوا ترس الصلاة، وتقوّوا بالذي فداكم على خشبة العار (مز10:95)، فهي لكم خلاصاً وبها ستنتصرون، كما قال الرب لقسطنطين الملك:"بهذه العلامة تنتصر". تماسكوا بعضكم بعضاً، وعيشوا في المحبة، فوصية الرب واحدة وهي "أحبّوا بعضكم بعضاً" (يو12:15)، و"احملوا أثقال بعضكم بعضاً" (غلا2:6)، وكونوا قلباً واحداً حيث يسند الكبير صغيركم، ويسقي الشاب شيخكم، وتقود أياديكم الأرملة إلى مسكنها، و"بهذا يعرفونكم أنكم تلاميذي" (يو35:13). فلا تسلّموا أنفسكم لهيرودس الزمان، وما أكثرهم اليوم. لذا فلتتماسك أياديكم بقلب واحد ونيّة واحدة، وكفى أن تكونوا بضاعة للأحزاب والسياسات والحركات والتوجهات والعشائريات والطائفيات المقيتة كخدم للمناصب الزائلة، فأنتم أمامهم دخلاء وإنْ كنتم أصلاء، وكونوا كما قال البابا فرنسيس:"إرفعوا دائماً أصواتكم لكبارهم بإسكاتهم كي لا تغيب قِيَمكم، ولا تكونوا ضحايا للخديعة، فإنّ مَن بيدهم القرار لهم أساليب كثيرة ليجعلوكم صامتين" (فرنسيس؛ أحد الشعانين 2018). فهؤلاء كلهم يتاجرون بمصائركم، فلا تخافوا أن تقولوا الحقيقة في وجه الأقوياء، ولا تقبلوا أن تسيروا في تشييعها كي لا تشوّهوا وجه الله الحق والمحب، وكفى أن تكونوا حماةً لأناسٍ عُرفوا بفسادهم، فإنْ تموت شاهداً أفضل من أن تبقى في الحياة بائساً وخانعاً.
قلباً واحداً
الشكر للرب الذي أوصلكم إلى هذه المرحلة من مسيرة المحنة التي حلّت بكم في السادس من آب عام 2014، وقبلها التي دامت أسبوعاً واحداً، والتي فيها كنتم "كخراف أمام ذئاب خاطفة" (متى15:7)، وكنتم تائهين في الشوارع ومفترشين الساحات، وكنتم حينها فريسة لمصالح سياسية ديموغرافية وحزبية... مرّت الفاجعة بما حملتها من مآسي، لذا أقول كونوا جميعاً _ أكليروساً وشعباً _ أمناء لرؤسائكم، بطاركة وأساقفة، الذين أعطوا حياتهم من أجلكم ومن أجل إخوتكم، كهنتكم الأوفياء، الذين كانوا من أجلكم شهادة للمسيح الحي في مسيرتهم. فكونوا قلباً واحداً، وكونوا للشرير والفاسد بالمرصاد أينما كنتم وفي أي خدمة أؤتُمنتم. وانتبهوا، فالكثير "يأتونكم بلباس الحملان" (متى15:7)، وبكلام ملؤه العسل وطيب المذاق، وأنتم لهم مصفِّقون من أجل ورقة خضراء أو أكلة صحن عدس. فانتبهوا، إن المستقبل لا يرحم أحداً، والتاريخ لا يجامل الحقيقة ولا يقبل التزوير وإنْ دُفن وأُحرق وشُوِّه تراثنا وحضارتنا وتاريخنا، فالحقيقة "هي هي أمس واليوم وإلى الأبد" (عبر8:13). واعلموا انّ كل ذلك مدوَّن في كتاب مُبين (سورة النساء؛ 144). فلا تخافوا، ولا تكونوا خبزاً للسياسات الكاذبة، فأنتم أغنى حضارة وأسمى ذاكرة على وجه البسيطة. فانتبهوا وتحرّزوا من العقول المزيَّفة ومن الحكماء الفاسدين، فأنتم شعبكم وشعبكم أنتم، وكهنتكم أحباء مخلصين لكم، ويليق بهم كل الإحترام، ورؤوساءكم وأساقفتكم رعاة بسطاء محبّين لخيركم ولعمران مدينتكم ولتعميق إيمانكم، وكنيستكم مسكنكم السماوي، فهي لكم أمّ وحارسة، فاعملوا من أجل أرضكم وأصالة وطنكم، وتذكروا أن ما حدث في كنيسة سيدة النجاة (31/10/2010) _ وكنتُ حينها شاهداً لآهات الشهداء والضحايا والجرحى _ لن تكون الأخيرة إلا إذا عرفتم مقام أنفسكم وسبب وجودكم. فلا تسمحوا للكوارث والمآسي والمحن تنتابكم مرة أخرى كما حصل لكم في الماضي القريب بسبب داعش.
لا ترحلوا...
وإلى الذين رحلوا أقول: أنتم أحفاد المؤمنين الغيارى، بل أنتم أحفاد رجال الإيمان وبساطة الحياة. وعمق المسيحية التي حملوها تحت صدورهم جعلتهم مِمَّن يفتخرون دائماً أنهم للرب (2كور17:10)، فالأرض أرضكم، فلا تتشتّتوا في أقاصي الأرض من أجل لقمة الحياة وملء البطون والورقة الخضراء، فالحياة أسمى من هذه كلها، وحب الأرض والدفاع عنها وبناء مسيرتها أسمى بكثير مما أنتم ساعون إليه، وأولادكم _ كما تقولون _ ندافع عنهم، فهم ليسوا أولادكم بل أولاد الله، هو الذي رزقكم إياهم وليس أنتم. فلا تتركوا هذه الأرض الطيبة وإن كانت اليوم جريحة، فأنتم بذلك مشارِكون في محو تاريخكم لأنكم بذلك تعملون على قلع جذور إيمانكم منها، بل أقولها: إرجعوا إلى كنائسكم المقدسة وزيّنوها بطقوسكم، عودوا إلى دياركم واسكنوها، فأنتم أبناء واديها وسهلها، وكونوا رسالةً وطريقاً لإعادة بناء حياتكم وحياة شعبكم. فلا ترحلوا وتتركوا المريض والأرملة واليتيم والفقير والشيخ يصرخون "أغيثوني"، فالأرض أثمن عطية منحها لكم رب السماء، "فتحمّلوا، كما يقول البابا القديس يوحنا بولس الثاني القديس، أمانة إيمانكم في قلوبكم". فالقضية ليست في الرحيل والهزيمة، ولكن القضية أسمى من ذلك، فأنتم وطن والوطن أرضكم، فلا تتهاونوا في حمايته، فبينكم أطباء ومهندسون ومهن أخرى، خُلقتم لتخدموا مرضاكم وتشفوهم بنعمة المسيح وبعلمكم، كما جُعلتم لبناء دياركم، ولم تُخلَقوا لتتركوا مرضاكم يتأوّهون واليتامى يصرخون والأرامل تطلبن الشفاعة. وما يؤلمني أن أجد شعبي يستعطي في الطرقات والساحات، شعباً مهجَّراً شارداً ونازحاً، يرحل عبر البحار والمحيطات والقارات، فأعداءكم هكذا خططوا فمنحوكم لفة همبركر وعلبة ببسي، فضاعت حقيقتكم وأُفرغت دياركم وأصبحتم عبيداً لهم ولدستور مزيَّف شغله هدم كينونتنا وقلع إيماننا بسبب قلّة عددنا وهجرة كوادرنا، ونسينا أننا أصلاء وأننا أبناء هذه الأرض قبل غيرنا. وأقولها بكل صراحة إن مستقبل وجودكم رهن بمستقبل بقائكم وعودتكم واستملاككم لأرضكم، لذا عليكم أن توحّدوا أهدافكم، وتعملوا على تراصف صفوفكم، فالمرحلة خطيرة، نعم خطيرة، والزمن ليس زمن البكاء والآهات بل زمن الشجاعة والشهادة، وهذا لا يعني أن أبيع وجودي بسبب خوفي، ولا يجوز أن أخاف، فالشكر لله، ولكنيسته دور كبير في حمايتكم، وصوتها يصل إلى علوّ السماء حيث ينشد أحباءه، وأساقفتنا وكهنتنا أمناء لمسيرتهم، فَلِم الخوف والهزيمة والرحيل!.
في قارب واحد
نعم، نعم أدرك جيداً أنكم تقفون اليوم أمام مخاطر تداهمكم، ولا زلتم أهل ذمة، والجزية لابدّ من دفعها لإصلاح مسيرتكم، كما لا زلتم تعيشون أياماً قاسية وأوقات عصيبة فُرضت عليكم، ولا زال الخوف يساور أفكاركم ويملك على عقولكم، وإنكم كما أعلم لا زلتم تشعرون بالمذلّة والهوان وأنتم قابعون في دياركم، ولا زالت الثقة بعيدة عن أفكاركم عبر أرضكم التي أصبحت قبلة الغرباء وشهوة الطائفية، وغاية الأغلبية، كما أؤمن أنهم إنْ كان بإمكانهم ذبحكم لَذَبَحوكم دون خجل أو حياء، فهكذا تعلّموا وهكذا يعلّموا كوادرهم، فإنهم في ذلك يرجون رضى الإله، فهم شياطين بل شياطين سود، ولا زال عدوّكم يزداد لحظة بعد أخرى، وفي ذلك يُدركون أنهم يشيّعون الحق إلى مثواه الأخير. لذا أوصيكم أن تحملوا رسالة شعوبكم، أفرغوا عنكم روح التعصّب والحقد والكراهية، وامحوا سبل الطائفية المقيتة والأنانية الحزبية، ولا تزيدوا مساحات الإختلاف بينكم بل إعملوا على ردمها، فأنتم أصلاء، أبناء أمّة واحدة، وشعب المسيح الواحد، فليكن لكم مَن يتكلم باسمكم أمام الرئاسة والسلاطين ومَن يدافع عن حقوقكم، فهذه بخديدا مستقبلها في رقابكم وخطيئتها على أعناقكم، وبنكرانها تخونون إيمان آباءكم وأجدادكم، لذا ارفعوا عنكم التفرقة والأنانية فكلكم واحد، وكفاكم الثرثرة (عذراً) والخوض في غايات زائلة، واختاروا مَن يناسبكم ومَن ترونه صالحاً وذكياً وفهيماً وأميناً ومؤمناً _ وما أكثرهم _ لينوب عنكم وعن مشاكلكم ومشاريعكم، فكلكم مسؤولون عن كلكم. واعلموا جيداً أن أعداءكم يعملون حتى في ظلمة الليل على إبعادكم عن بخديدا الشهيدة، فأنتم جميعاً في قارب واحد، تخوضون غمار حياتكم، ففي هذا القارب تعيشون وفيه تموتون. فكفاكم الخوض في مشاكل جانبية ومعارك وجودية. اتركوا كل ذلك جانباً، فالزمن بائس وقد حانت "ساعتكم الآن لتفيقوا من نومكم" (رو11:13)، فمستقبل أرضكم وأجيالكم وأحفادكم في رقابكم، وأنتم تتحمّلون وزر خطيئتكم لأنكم ضيّعتم بخديدتكم بسبب خلافاتكم وصراعاتكم ومصالحكم وأهواءكم، ونسيتم أن تكونوا أمناء لوصية الرب، فاعملوا "كل واحد منكم ما يُرضي أخاه لخير البنيان المشترك" (رو3:15)، "مسالمين مع الجميع" (رو4:12).
الخاتمة
وختاماً أقولها: بدون وحدتكم ستخسرون ليس بخديدا فقط بل أرضكم ووجودكم وتراثكم وأنفسكم، فكونوا أمناء وليس أمراء، أوفياء وليس بخلاء، فحبكم لأرضكم وشعبكم يدعوكم أن تسهروا الليالي "على القطيع من الذئاب الخاطفة" (متى15:7)، كحرّاس أمناء، ولتكن قضيتكم بخديدا الأولى والأخيرة في مسيرة وجودكم. فلا تتصارعوا بينكم، فالتاريخ لا يرحم أحداً. وإنكم ترون أمام أنظاركم كيف يُسلَب سهلكم خطوة تلو خطوة من أجل أن تموت أصولكم ويتيه شعبكم، لذا عليكم أن تتّفقوا برأي واحد وبقلب واحد ولسان واحد (رو5:15)، و"ليكن أكبركم خادمكم" (متى11:23)، وكفاكم طرق أبواب الدنيا الزائلة، واحفظوا لسانكم تجاه كباركم ورؤسائكم وكهنتكم الموقرين من أية كلمة مميتة وجارحة من أجل الفضيحة وتدمير معنوياتهم، واشفعوهم بصلاتكم فهي الساعد الأيمن ليكونوا لكم أمناء وأوفياء، فسلطتهم هي من الله (رومية1:13) "لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلِّصنا الله" (1تيمو1:2-3) فأنتم معهم إخوة أشدّاء، و"أبوكم واحد هو الآب السماوي" (متى8:23). فبخديدا ستبقى أمّ الشهداء وأمّ الكنائس إذا أنتم أردتم ذلك، وإلاّ فاقرأوا السلام إذا ما وجدتم ملء البطون والورقة الخضراء وهناء العيش وراحة البال أثمن من حبكم لأرضكم ووطنكم وكنيستكم وأساقفتكم وكهنتكم وشعبكم... ودمتم في محبتي واحترامي نعم وآمين.