حقيقة " الوثيقة الانسانية "
المونسنيور د. بيوس قاشا
في البدء...
في الرابع من شباط الماضي (2019) وقّع قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب في أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة الوثيقة المسمّاة "الأخوّة الإنسانية" والتي دعت إلى الحوار وقبول الآخر المختلف والعيش المشترك بين الأديان واحترام الرموز الدينية، كما دعت إلى مكافحة العنف والكراهية والتطرف والترهيب باسم الله، كما نادت بفتح صفحة جديدة وتجديد روح الحوار والمسؤولية في تاريخ العلاقات بين جميع الأديان والمؤمنين وبالخصوص بين المسيحية والإسلام واللذان يجدان نفسيهما أخوة في الإنسانية جمعاء،
أمل للشعوب
إن الوثيقة وُضعت ووُقِّعت لترجمة ما تضمّنته من إرشادات أمينة لمسيرة الإنسانية كي تكون علامة بارزة في التعايش من أجل طوي صفحة الإضطهاد والترهيب باسم الدين والتزام مسلك الحوار المنفتح عبر الحرية الإيمانية، وفي هذا السبيل نكون أملاً للشعوب المعذَّبة في منطقتنا والغارقة في الحروب الأهلية والطائفية المقيتة والأغلبية المستكبرة على الشعوب، ولكي تكون أملاً مستقبلياً لأجيالنا وشعوبنا في صنع قرار الحوار والتعايش الأمين... ليس إلا!.
في الحقيقة
إن الدين وحده ليس كافياً لتحقيق الخيور والسلام إنما الأنسانية المندمجة والمتأصلة في الدين والإيمان تعمل على نشر التآخي والوئام بين الشعوب، وهذا ما تدعو إليه الوثيقة وبكل وضوح. فالمبادرة التي قام بها قداسة البابا وشيخ الأزهر الشريف أمينة بأسسها وبمسار تسميتها. وربما هناك سؤال يُطرَح من شعوب المنطقة: لِمَن هذه الوثيقة، هل هي للمسلمين أم للمسيحيين أم لشعوب الدنيا والزمان؟... ما أدركه جيداً أن الوثيقة إنسانية بفقراتها وحقيقة بهدفها، فهي ملزَمة للمسيحيين والمسلمين في الشرق الأوسط وفي عوالم المسكونة، لأن الزمان يقول لنا أن الخطر لا زال يهبّ على منطقتنا، وفي أرضنا تدور صراعاته حيث كُتب على المسيحيين الهجرة والرحيل لأنه لا بديل لإحلال السلام إلا الهروب من التكفير، لأن الخوف قد ملك على النفوس ولا ثقة بعد بالتراب وبالإنسان، وقد يقود ذلك إلى الخطر الوجودي والإفراغي جرّاء استمرار الإعتداءات الممنهجة والمخيفة بل والمميتة في كثير من الأحيان وفي عديد من البلدان ليس إلا.
مسيحيو الشرق
قبل الغزو الإسلامي أو الفتوحات الإسلامية لبلاد الشرق المسيحية كان المسيحيون بطوائفهم يؤلفون أكثر من 95% من سكان هذه البلدان، واليوم وبعد أكثر من 1400 عام فبدلاً من أن يتزايد عدد مسيحيي شرقنا الجريح تراجعت نسبة الوجود المسيحي إلى أقل من 8% من نسبة سكان المنطقة، وهذا التراجع لا يعود فقط إلى تحول المسيحيين إلى الدين الإسلامي في ظروف صعبة، إنما بسبب تعرضهم لسلطة بدأت ولن تنتهي، فهي تتصاعد وتهدأ بين فترة وأخرى، تحمل في طياتها جريمة الإبادة الجماعية والهجرة والتهجير القسري من بلدانهم الأمّ، وقد كانت واضحة جداً أيام الاحتلال العثماني، وفي زمننا الداعشي حيث تفجير الكنائس والمعابد ونذكر منها كنيسة سيدة النجاة عام 2010، وقد وصف ذلك جيداً كبير أساقفة كانتربري قائلاً:"إن التهديدات اليومية بقتل المسيحيين هي أسوأ وضع منذ الغزوات المغولية للمنطقة في القرن الثالث عشر. فمَن قُتل قُتل، ومَن طُرد طُرد، ومَن هُجِّر قسراً هاجر ولم يعد، والبقية الباقية تسأل اليوم عن سبب بقائها" أليس كذلك.
في الختام
إنني أقول خاتماً: إن وثيقة "الأخوّة الإنسانية" هي إحدى الوثائق التي تدعو إلى إنقاذ المسيحيين والمسلمين في الشرق من خطر الزوال والكراهية والمعاداة. فالمسيحيون أمام أعينهم الهجرة والرحيل والنتيجة الإنقراض والزوال، والمسلمون أمامهم خطر الحوار والتعايش وقبول الآخر وهدفه تشييع الإنسانية. فما نحتاجه هو حاجتنا إلى دساتير جديدة تُكتَب سوية ولا تُملأ من قِبَل الأغلبية على الأقلية، كما حاجتنا إلى قرارات دولية ووطنية ليس للإدانة فقط ولكن حاجتنا إلى قرارات ملزِمة لأناس ورجال كبار الزمن الذين يرفضون تكفير الإرهاب بتنظيماته المختلفة وخاصة الإرهاب الداعشي، أكثر التنظيمات توحشاً وإرهاباً والذي جرائمه طالت المسيحيين كما المسلمين أيضاً.
فلتكن الوثيقة ومبادئها وأهدافها غاية لمسيرتنا البشرية والإنسانية والإيمانية، فنتقاسم حقيقة الحياة وحرية الإيمان، ونتعايش أخوة في الإنسانية في زمن ضاعت فيه بوصلة الحقيقة واستولى الإرهاب على محطات حياتنا.وانني خائف ان لا توضع الوثيقة على رفوف المكتبة وتبقى بلا تفعيل من أجل مسيرة حياتنا وهذا مؤسف جداً والزمن ينذرنا قائلاً "إمّا علينا أن نتعايش كي نصنع المستقبل وإمّا أن أن نتعادى فلا مستقبل لنا".
لذا علينا أن نكون أمناء لحقيقة الأخوّة... نعم وآمين.