تمر علينا في العاشر من كانون الأول الذكرى 66 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة في 10 كانون أول 1948, إذ وُلدت أهم وثيقة عالمية تمت صياغتها بلغة مبسطة يفهمها عامة البشر على هذه الأرض.
إن مؤسسي الأمم المتحدة لم يكتفوا بوضع الأهداف الرئيسية المتعلقة بالدفاع والحفاظ عن السلم والأمن الدوليين فحسب، بل عمدوا لوضع أسس وقيم جديدة تدافع وتصون حرية وحقوق وكرامة الإنسان حينما وُجد وبدون تمييز في اللون والجنس والعرق والانتماء الديني والفكري والاجتماعي منطلقين من الحقائق المأساوية الدامية التي تزامنت ورافقت النازية والفاشية ونتائج الحرب العالمية الثانية من قتل وتعذيب وإبادة جماعية واستعمال القنبلة الذرية سيئة الصيت في ناكازاكي وهيروشيما حيث كان ضحية تلك الحرب المدمرة أكثر من 50 مليون إنسان.
كل هذه الحقائق غير الإنسانية المأساوية قادتهم إلى التفكير بوضع أسس إنسانية جديدة من شأنها وضع حدا لمآسي الإنسان وقمعه واضطهاده وانتهاك حقوقه، ومعايير تُجنب تكرار ما حصل للبشرية في المستقبل أيضاً.
وهكذا كانت الدعوة الملحة والضرورية لوضع ميثاق عالمي لحقوق الإنسان يتم الالتزام به على النطاق الدولي ويحد بالخصوص من أي تعسف وعنف وانتهاك حقوق الإنسان من قبل الحكومات لمواطنيها من (المكونات) القومية والدينية والطائفية والتصدي لها وردعها.
فقد وصفت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذلك بأنه الهام تاريخي:-
إنه انجاز موحد ومشترك لكافة الشعوب والأمم، ويتوجب على كل فرد وكل هيئة في المجتمع وضع هذا الإعلان عصب العين باستمرار، وبُذل الجهد الكافي من أجل توطيد واحترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والثقافة واتخاذ إجراءات مطردة وطنية وعالمية لضمان الاعتراف بها ومراعاتها دولياً وبصورة فعالة بين شعوب الدول الأعضاء ذاتها.
هكذا استطاع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن يُثبت وينشر العديد من المثل والقيم الإنسانية الحضارية في العلاقات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، علاقات ذات نزعات إنسانية تنويرية جديدة تعتمد وتجسد أهم المبادئ الآتية:-
1- إن حقوق الإنسان هي حقوق عالمية وجدت لكل إنسان وبمعزل عن المكان والزمان .
2- تُعد الحقوق الطبيعية من أهم حقوق الإنسان والتي يجب أن لا تتجزأ ولا تُغتصب.
3- إن من مقدمة هذه الحقوق هو الحق في الحياة الحرة الكريمة.
4- كما أن إلحاق الفقر المُدقع بالإنسان أينما كان وإشاعة الأمراض الفتاكة يقع ضمن انتهاكات حقوق الإنسان.
5- وإن الحق في التنمية المستديمة والحق في البيئة الصحية هي من الحقوق المهمة أيضاً.
إن حركة حقوق الإنسان العراقية الصاعدة التي جسدها لقاء برلين لجمعيات ومنظمات والناشطين في حقوق الإنسان العراقيين في الداخل والخارج الذي عُقد قبل شهر تماماً استلهم بقراءاته وتوصياته ألـ 31 فقرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومن الشرعة الدولية والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان. ومن هذه المقررات التي توصل لها المؤتمر:-
1- إدانة عمليات النزوح القسري (بأسبابه الدينية والمذهبية والعرقية والسياسية) الحاصل في العراق والعمل على إيقافهما وإعادة النازحين إلى مناطقهم وتعويض ما تم تدميره وتخريبه من ممتلكاتهم على امتداد تاريخ الدولة العراقية الحديثة.
2- اعتبار ما حدث للايزيديين والمسيحيين والشبك والمندائيين والكاكائيين وبقية المكونات العراقية المتضررة من هذه الجرائم المتمثلة بالإبادة الجماعية (الجينوسايد) وجرائم ضد الإنسانية.
3- مكافحة ظاهرة الفساد المستفحلة عبر تفعيل القوانين والمؤسسات المعنية بهذه القضية بوصفه أحد اعنف أشكال الاضطهاد الاقتصادي والتردي الأخلاقي ويمثل بنية مشتركة مع الإرهاب.
4- الدعوة إلى إجراء مصالحة وطنية شاملة وجذرية بين أطراف النزاع السياسي في العراق بما يعيد الاعتبار للهوية الوطنية العراقية ويرسخ مبدأ المواطنة وقيم الاعتراف المتبادل والإخاء والمساواة والتسامح.
5- تأكيد ضمان الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور العراقي ضمن قوانين حرية التعبير والتجمع والتظاهر بما يكفل حرية الفرد في الفكر والعقيدة والرأي.
إن لجنة التنسيق إذ تنتهز هذه المناسبة الطيبة كي تُعرب عن تضامنها غير المحدود مع نضال شعبنا العراقي بكل مكوناته الإثنية والدينية والمذهبية ضد مجرمي ما يسمى بداعش وحاضناتها ومن يدعمها في الداخل ومن دول الجوار، كما نود أن نسجل وقفتنا إلى جانب أهلنا في كل بقعة في عراقنا المنكوب المبتلى بمجرمي العصر داعش وأخواتها.