تفجيرات الكرادة... مشروع فشل الحكومة العراقية
تفجيرات الكرادة... مشروع فشل الحكومة العراقية
مقال
بقلم : لويس مرقوس أيوب
نائب رئيس منظمة حمورابي لحقوق الانسان
لم يكن تفجير الكرادة بغريب أو مستغرب،لأنه إمتداد لنهج وسلوك الإرهاب الدموي الضارب في العراق، الذي يستغل فشل الحكومة في حماية النسيج الوطني العراقي المتنوع في الموصل وصلاح الدين وغيرها من المحافظات خاصة بعد سقوط الموصل في 10 حزيران 2014، ان هذا النهج وفي ظل العقلية التطرفية المتشددة بلا شك سيستمر مادامت ذيول الدكتاتورية من أصحاب المشروع العروبي وأصحاب المشاريع الراديكالية الإسلامية المتطرفة من الدول الاقليمية والمرتبطة بمشاريع إستخباراتية دولية لتقسم المنطقة تسرح وتمرح في الساحة السياسية العراقية .
إن ما حصل ويحصل من التفجيرات والاستهدافات الارهابية للتجمعات المدنية في العراق، هو دليل فشل الاجهزة الامنية الحكومية وانخراطها في الفساد المنظم بتشكيلاتها الامنية المبنية على المحاصصة الحزبية والقومية والطائفية المقيتة، والتي هي بعيدة كل البعد عن المهنية والاستقلالية، كما انها قد لا تكون بعيدة بدراية او بدون دراية عن مشاريع مخفية لاتخدم الوحدة الوطنية، مما يبرهن ضعف الحس الوطني والمصالج العليا للبلد وللاسف ان جل همها وعملها ينصب في حماية شخوص وأصنام كتلها السياسية للحفاظ على مشاريعها الطائفية والتقسيمية . وخير دليل على ذلك الخلافات السياسية المستمرة والتي طفت على الشارع السياسي بين الكتل السياسية والائتلافات الحاكمة وبين الطبقات السياسية الأخرى المعارضة، بسبب إستثئار البعض من هذه الكتل والائتلافات في توزيع المناصب الوزارية وقيادات المؤسسات الامنية والهيئات المستقلة. وهذه الخلافات هي الاخرى تشكل سبباً أساسياً في نمو وزيادة وتيرة الارهاب لامتلاكها اذرع عسكرية ( ميليشيات).
مما يلاحظ في الفترة الاخيرة زيادة حجم الصراع بين هذه الكتل السياسية، والتنافس الواضح بينها في البقاء والهيمنة على مقاليد السلطة. وهو اقتتال وصراع وتنافس من أجل الإستمرار في نهب البلد وسرقة المال العام . وهو عامل مهم لإبعاد ملف الاصلاح الاقتصادي والأمني في العراق، وهذا الصراع بعينه يبقي باب الارهاب مفتوحاً للنفوذ من خلاله لزعزعة القيم الإنسانية المجتمعية وخلق المزيد من التوتر الاجتماعي بين مكونات المجتمع العراقي بإستهداف التجمعات المدنية. لتستمر الاحزاب الحاكمة مستمرة في سرقة المال العام وهي بمنأى عن المساءلة والمحاسبة المجتمعية.
ألمتابع لسياسة الحكومة العراقية منذ عام 2003 ولحد الأن. مروراً بمجلس الحكم والجمعية الوطنية والدورات الثلاث لمجلس النواب، يدرك حجم اللا مسؤولية لهذه النخب السياسية. فهي لم تسعى لأي مشروع إصلاح إقتصادي يذكر، كما ولم تؤسس لمصالحة مجتمعية حقيقية بين مكونات البلد، ودليل ذلك مانحن عليه من تحارب وإقتتال طائفي وفشل أمني ، أفقد العراق هيبته وسيادته ليصبح قاب قوسين اوأدنى من التقسيم. كما إن السماح للتدخلات الاقليمية المختلفة، الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، العربية والغربية منها، هو دليل فشل المشروع السياسي الوطني في العراق،لابل هو تأكيد لتغييب قيام مشروع وطني ومحاولة لإفشاله في حالة ظهوره، مما يثبت حالة عدم نضوج أغلب النخب السياسية وانخراطها في صفقات مشبوهة وخيانية ولا مبالاتها بهموم الوطن والمواطن اطلاقا .
الملاحظ على سياسة الحكومة العراقية " الديمقراطية" بعد عام ، 2003 ، هي الهيمنة على المؤسسات المعنية بالديمقراطية . فهي أسست لنظام المحاصصة السياسية الحزبية في توزيع المناصب السيادية والتشكيلات الامنية بين أحزابها الحاكمة لتتصدر المشهد الديمقراطي. بخلاف ما هو مطلوب منها في بناء وتعزيز الديمقراطية التي يقتضي ان تقوم بإرساء القواعد الصحيحة للمؤسسات الراعية والداعمة لتعزيز الديمقراطية وحماية وصون الحريات العامة وعدم التمييز السلبي. كما يلاحظ هيمنتها على الهيئات المستقلة من مفوضية الانتخابات ومفوضية حقوق الانسان، والتي كان يجب أن تكون بعيده كل البعد كل اشكال المحاصصة، لكنها اليوم هي ملك للأحزاب السياسية الحاكمة، كذلك ويلاحظ سطوة السلطة الحاكمة على مجلس القضاء الاعلى وباقي السلطات القضائية وهي تستخدم هذه المؤسسات لحماية فسادها وفاسديها وتبعدها عن إداء دورها المطلوب بمساءلة ومحاسبة المسيء والفاسد والفاشل والمرتشي والمجرم والسارق للمال العام .
إن تفجير الكرادة وماسبقه من تفجيرات أخرى في اسواق بغداد وساحاتها وفي باقي المدن العراقية شمالاً وجنوباً، إنما هو تغطية لفشل الحكومية العراقية في إدارتها للملف الأمني وملف المصالحة المجتمعية، حيث خفت الحس الوطني لدى المواطن كما خفت لدى رجل الأمن. وهو تأكييد للتغطية على ملف الفساد المالي المستشري في مفاصل الدولة والذي أصبح سلوكاً ومنهجاً للأحزاب السلطوية الحاكمة والجاثمة على صدور البلد، حيث تم تقييد الجريمة دائما ضد مجهول أو يعلق على شماعة القاعدة أو داعش.
يبدوا للناظر أن الاصلاح والخلاص للعراق لن يكون ولن يتحقق بالترقيع ببعض القرارات وبعض البيانات من الحكومة التي أثبتت فشلها لمدة تزيد عن 12 عام مضت ولليوم. إنما تبقى هذه الاجراءات التي لا تقدم شيئاً سوى أنها للاستهلاك اليومي وللتغطية عن الفشل المستمر،ولتأجيل حل الازمة الحالية إلى أن تحل بنا أزمة أخرى تنسينا الأولى وهكذا يستمر مسلسل الفشل بإستنزاف إقتصاد العراق من المال والبشر والقيم الاجتماعية .
لقد أدرك الاصلاء من العراقيين مفكرين و نشطاء مدنيين وأكاديميين مع البعض من العقلاء من رجالات الدين منذ فترة طويلة بأن الإصلاح لا يتحقق ولن يتحقق من خلال طبقة سياسية راديكالية وقومية فاسدة ومحتقنة طائفياً وقومياً ودينياً، والتي ويمتد فكرها الى الولاءات الاقليمية والدولية لتحقيق أجندة طائفية . بل ينبغي ان يكون الاصلاح شاملاً من خلال :-
أولاً : التأسيس لعقد إجتماعي جديد ( دستور مدني ) يساوي بين الكل ويحي الكل، ويفصل بينهم في الحقوق والواجبات من خلال مؤسسات قانونية وحقوقية وقضائية.
ثانياً : التأسيس لمشروع سياسي وطني، مشروع يحقق سيادة الدولة ويحقق كرامة الانسان العراقي ويبني دولة القانون، دستور يعترف بالاخطاء التي أرتكبت بحق مكونات أصيلة، دستور يدعو الى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال برامج أقتصادية ومجتمعية حقيقية، تترأس وتراقب ذلك مؤسسات رصينة وطنية ودولية. دستور يفصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويعمل على عدم تسيس السلطات.
ثالثاً: العمل على تحقيق المصالحة المجتمعية الحقيقية بين مكونات المجتمع العراقي بعيداً عن كل أشكال التمييز السلبي المبني على العرف والقبيلة والعشيرة والحزبية.
رابعاً: العمل على فتح باب الحوار مع الاطراف الاقليمية ليناء علاقات بعيدة عن التدخل بسيادة الدولة، وبناء علاقة استراتيجية لتحقيق المصالح الاقتصادية والمشتركة بين العراق وهذه الدول بإتفاقات معلنة أمام الرأي العام .
خامساً : العمل على بناء جيش وطني، قوامه يضم جميع أبناء الوطن ومن كل تلاوينه، جيش ليس للاقتتال الطائفي، وإنما جيش لحماية سيادة الوطن، مع بناء الامن الداخلي من الشرطة بمختلف أنواعها وباقي الاجهزة الامنية الاستخباراتية لمسك الملف الامني الداخلي ولتكون الرديف الثاني للجيش في حماية وصون كرامة الانسان العراقي وذراعاً للسلطة القضائية في تحقيق وتطبيق العدالة .
سادساً : تأسيس مراكز بحثية للدراسات الاقتصادية والسياسية لتكون رافداً مهما في صنع السياسات العامة للبلد .
سابعاً : الاهتمام بالقطاع التعليمي وزيادة عدد الجامعات العراقية ورفدها بالخبرات والبرامج الحديثة من المناهج العلمية والفكرية والمختبرات الحديثة لمواكبة التطور العلمي والفكري في العالم ولتكون رافداً في دعم صنع السياسات العامة ومراقبتها وتقديم الارشاد والنصح لها .
ثامناً : الاهتمام بالتعليم التربوي، وزيادة عدد المدارس بمختلف أنواعها بما فيها المهنية( الزراعية والصناعية والتجارية) وتهيأتها من حيث المستلزمات التربوية والمناهج المحدثة البعيدة عن زرع الطائفية والحقد بين المكونات العراقية، لتكون رافداً للجامعات العراقية بالطاقات الشبابية المهمة لبناء الدولة العراقية الحديثة .
تاسعاً : العمل على تطوير البرامج الصحية من خلال زيادة عدد المشافي والمراكز الصحية التخصصية والاولية، لزيادة الوعي الصحي للمواطن العراقي ورفع قدراته البدنية ليكون جزءاً مهماً ورصيناً في بناء الدولة.
وأخيراً ووفق ما تقتضيه الضرورة الديمقراطية لتحقيق كرامة الانسان ومبدأ الشفافية ومعيار العدالة الاجتماعية. يقتضي إيلاء الدور الحقيقي والمطلوب للنخب المجتمعية من النشطاء ومن مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في إحترام دورها الريادي في بناء المجتمع من خلال رصد ومراقبة ومتابعة المؤسسات الحكومية التابعة للسلطات الثلاث من أجل تقييم عملها وتشخيص الاخطاء الواردة في التطبيقات الفعلية لقوانينها وتطبيقاتها، ومراقبة اليات تنفيذها بغية العمل على تشخيص الاخطاء والعمل على إصلاحها من خلال شراكة حقيقية في صياغة قوانين بديلة تحقق السلم الاهلي بعيداً عن التمييز السلبي بين مختلف مكونات البلد لتحقيق مجتمع عراقي متكافيء ومتوازن في إحترام القيم والحقوق والواجبات بعيداً عن كل أشكال التمييز السلبي القومي والديني والمذهبي ، والتأسيس لنظام سياسي يقبل الجميع في المشاركة في السلطة على أسس وطنية ومهنية وليس بحسب معايير المحاصصة القومية والدينية والمذهبية .