بيان منظمة حمورابي لحقوق الانسان بمناسبة ٧٥ عاما من عمر الإعلان العالمي لحقوق الانسان
مع العالم باسره، نختتم الأيام الستة عشرة لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات التي تبنتها الأمم المتحدة سنويا بحملة يرمز لها باللون البرتقالي الذي يعني "مستقبل اكثر اشراقاً و خال من العنف" تروج لأقامتها النساء والرجال من داخل المنظمة الدولية وخارجها عبر العالم، وذلك من خلال التجمعات والحركات النسوية وغيرها المدنية والحكومات المحلية، انطلاقا من ٢٥ تشرين الثاني وألى استقبال اليوم العالمي لحقوق الانسان ١٠ كانون الاول من كل عام والمصادف هذه السنة مناسبة ٧٥ عاما اليوبيل الماسي لنص الإعلان العالمي لحقوق الانسان. وما لا يقع في النسيان هو ان قبل إعلانه كان العالم قد تعرض لدمار لا يوصف، وبعد إعلانه بشكل مؤسف لم تفارق العالم الحروب بأشكالها والتي يخوضها قادة العالم السياسي الذي وبكل سهولة، يوجه أصابع الاتهام الى النص بحد ذاته باستصغار له بعدم الالتزام ببنوده، ثم جعله اداة لهم في ميزان الاعتبارات السياسية الخاطئة معلنين بكل بساطة ان: لا حقوق لهذا أو ذاك من الشعوب، أو الافراد، بدلا من الكف عن الارادات والأفكار المولدة للكراهية والتعسف وخرق المبادئ الدولية السامية وإصدار قرارات الحروب التي يفرضونها جهرا على شعوبهم مبررين ذلك بكل ما لا يقبله ضمير حي. وكما هو معلوم ان أكثر هؤلاء تعودوا على توجيه اللوم والشك الى القانون الدولي لحقوق الانسان، للإفلات من اي محاسبة جراء أعمالهم كرعاة للعنف وهم غير قادرين على إدارة الحوار المؤدي الى سلام شامل ودائم، لانهم يومنون بسلام تنتجه الحرب! بينما الحرب هي عنف شامل ويقع ضحيتها الفئات المستضعفة التي لا علاقة لها بوقوعها، كالنساء والأطفال العزل والمدنيين قبل واكثر من غيرهم. السؤال المطروح هو هل سوف يتفاقم الوضع لحد انهيار تام لصالح استراتيجيات تمس عمقا باكورة الشرعة الدولية لحقوق الانسان واساس القانون الدولي الخاص بحقوق الانسان؟
لا يخفى ان نص الإعلان العالمي لحقوق الانسان الهم ايجابا العديد من الدساتير والقوانين الوطنية والإقليمية الوضعية في مختلف دول العالم. ومن المفارقة ان يشهد هذا الإعلان، وبشكل مؤسف جدا، وخاصة في أيامنا الأخيرة هذه، لا بل منذ إعلانه في يوم ١٠-١٢- ١٩٤٨ للمزيد من الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان في مختلف بقاع العالم. ويساهم الوضع الحالي للعالم الذي يتواصل التنازع تحت وطئه حروب دامية ومدمرة بين روسيا وأوكرانيا وبين الفلسطينيين بقيادة حماس، وإسرائيل، في ان تفاقم اسقاط فعالية الالتزام المطلوب من قبل الأنظمة السياسية والحكومات، اعضاء في المنظمة الدولية. بينما يكمن سر وجود هكذا نص قانوني دولي في منع وقوع مثل تلك الحروب بفرض احترام كرامة وحقوق الافراد والجماعات بدون أي تمييز لاي سبب كان، بهدف انهاء الحروب وكبح جماح سيطرة القوي على الضعيف للحفاظ على كرامة الانسان وحقوقه الإنسانية غير القابلة للتصرف. وبهذا الصدد الخلاصة للنص الدولي الذي اختصرته رئيسة لجنة صياغته وهي السيدة اليانور روزفيلت، ان ما تعنيه عبارة حقوق الانسان في هذا النص هو تحقيق عدالة متساوية فرصة متساوية كرامة متساوية بدون أي تمييز. وهو الامر المطلوب من جميع الدول الاعضاء في الأمم المتحدة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، لا بل هو واجب على جميع المواطنين لتحقيق تضامن شامل بينهم لدعم مسار فرض صيانة الكرامة الانسانية والحفاظ على الحقوق الأساسية للإنسان وتبني مبادئ الحوار لحل النزاعات واحترام ما ورد في المادة الاولى من الإعلان العالمي:
المادة 1. يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء. بمعني لا شخص ولا امة يعلوا على غيره. وارضنا تكفي الجميع لكي يكون لهم حظا كافيا منها للحفاظ على حقوقهم وكرامتهم. لذا أن مبدأ الاكراه والحلول بالحرب مرفوض بتاتا. بل بالعودة الى العقل والوجدان الموهوب للإنسان ليستخدمه في الحوار والمصالحة والاتفاق وصناعة إمكانيات المصالحة الحقيقية بشكل أخوي لأننا جميعنا بشرا ونتمتع بنفس الفضائل لنخدم أنفسنا وبعضنا البعض. فلا تبرير للحروب وادامتها، بل يجب ان يحاسب القائمون عليها وصناعها، ليستبدلوا بصناع السلام الذي فيه يمكن الحديث عن عدالة للجميع.
نعم ننادي لنذكر جميع الدول الممارسة لانتهاكات حقوق الانسان وصناعة ورعاية الحروب وتوزيع العنف وتبريره، ليعوا ويلتزموا بوعودهم لدى تأسيس المنظمة الدولية حيث ديباجة ميثاقها يشهد باعتراف واضح ببشاعة الحروب التي خاضوها أبان الحربين العالميتين الاولى والثانية، حيث عرضوا العالم الى الدمار بشكل لا يغيب عن بال جميع الأجيال وخاصة في القارة الاوربية حيث استنكروا ورفضوا تكرار تلك البشاعات. وكان قرار الأمم مجتمعين في مؤتمر سان فرنسيسكو سنة ١٩٤٥ في ديباجة الميثاق "نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب...الخ، وللأسف الشديد ما رأيناه هو متناقض لهذه الاقوال وان كان العالم قد وعى الى ان قرار البحث عن الحق من خلال الحروب هو أفشل ما شهد له التاريخ، لان العنف لا يجلب الا المزيد من العنف، أمر لا يقبل التأويل. مع كل ذلك تتكرر تلك المآسي في مناطق أخرى، لتلحق الجرائم التي تستهدف كل الأجيال التي وعد لها "الانقاذ من ويلات الحروب".
وما لا يقبل الشك هو، احتمالية ازدياد التعقيد، لان العديد من الدول الداعمة لمسالة فرض احترام حقوق الانسان، قوضت نشاطها ودعمها لأجندات حقوق الانسان مقارنة بعقود مضت، لأنها انشغلت وتحاول الاستجابة للمغالطات التي تقوم بها اداراتهم بخصوص سياسات الهجرة غير الناجعة وتجاهل تعقيداتها المتزايدة والتي تؤثر سلبا على السياسات الوطنية والإقليمية، وحتى الدولية كما هو الحال في أوربا الغربية وامريكا الشمالية وغيرها من الدول المعروفة برعايتها لحقوق الانسان، كونها تحاول العمل تحت سيادة القانون كما هو الحال في جوهر الأنظمة الديمقراطية.
للأسف، نلمس تراجعا واضحا بصدد رعاية نشاط حقوق الانسان الذي يتطلب سلوكا أكثر عقلانية، لتجنب انهيار تام للنظام الدولي لحقوق الإنسان. وما يزيد قلقنا الشديد هو واقع حال الشرق الأوسط، حيث يمكن توصيف الموقف الدولي ازاءه بانه منهك وغير قادر على تقديم الحلول الناجعة لأنهاء سيلان دماء الأبرياء حيث ٧٥٪ من الضحايا هم من النساء وأكثر النسبة المتبقية هي من الأطفال في غزة! والحال، لا النساء تقررن الحرب ولا الأطفال!
بشكل لا يقبل الشك هذا الوضع سوف يؤثر سلبا على التماسك الاجتماعي ليس في الدول التي تخوض الحرب فحسب بل وأيضا في بعض دول الاتحاد الأوروبي وغيرها التي عليها ان لا تتراجع عن دعم وتعزيز مبادئ حقوق الانسان التي أعرافها وقوانينها ساهمت بشكل كبير في فهم وصياغة الإعلان العالمي لحقوق الانسان.
تامل منظمة حمورابي لحقوق الانسان بهذه المناسبة المهمة التي احتفلت بها من خلال العديد من النشاطات التدريبية والتوعوية التي تتواصل اقامتها الى هذه اللحظة للترويج لأهمية نص الاعلان الاعلام لحقوق الانسان بهدف فضح وانهاء الانتهاكات بحق الانسان بغض النظر عن الانتماءات المختلفة، وبث ثقافة حقوق الانسان والوصول الى تحقيق السلام العالمي حيث لا يبقى الظلم والحروب وتداعياتها تنخر في جسم البشرية الى ما لا نهاية، بل ينبغي ان يغلب العقل والارادة الصالحة على مخططات العنف المستمر.
تطالب حمورابي المنظمة الدولية، ان تتحمل واجبها في بذل المزيد من الجهود لأقناع اعضاءها في الكف عن الايمان في استخدام القوة وادواتها من الاسلحة الفتاكة المختلفة التي أدت الى مقتل الالاف الأبرياء وانتهاك سيادة البلدان وتوسيع الاحتلال بأنواعه في أكثر من دولة أكان معلنا ام مخفيا. وذلك من خلال اصدار قرار أممي ملزم ذا قيمة قانونية، لفرض ايقاف الحروب فورا، وايجاد استراتيجيات اخرى تلزم الدول بقوة القانون، الزاما واقعيا من خلال النصوص الدولية لقانون حقوق الانسان. هذا ليس بالاعتراف بها فحسب، بل بالتزامهم بها قانونا وحمايتها لكي يتمتع كل انسان بان يعيش انسانيته بحرية، بعيدا عن بشاعة الحروب والانتهاكات الفظيعة المتواصلة، واجباره على الهجرة بسبب انعدام الاستقرار والعدالة وسوء الادارة.
فلينتصر الضمير الحي ويعم السلام والخير في كل الكرة الأرضية
منظمة حمورابي لحقوق الانسان
بغداد ١٠-١٢-٢٠٢٣