Skip to main content

بعد فوات الأوان!

 

عدة تساؤلات تبادرت إلى ذهني، وأردتُ إن اطرحها على من يهمهُ أو يعنيه الأمر، وهي:

 هل تدرك قيمة الحياة؟  هل تدرك قيمة نفسك كإنسان؟  هل تدرك قيمة الصديق؟ هل تدرك قيمة الأم والأب؟ هل تدرك قيمة الأخوة؟ هل تدرك قيمة الأمل؟ هل تدرك قيمة الوقت؟  هل تدرك قيمة النظر؟ هل تدرك قيمة قدسية الحياة الزوجية؟  هل تدرك قيمة فقدان عزيز؟  هل تدرك معنى الجمال الروحي؟ هل تدرك معنى الأذية؟ هل تدرك قيمة اللحظة؟ هل تدرك قيمة المدرسة؟ هل تدرك معنى تعاسة الإنسان؟ هل تدرك معنى قتل الطموح؟  هل تدرك معنى التقييد؟ هل تدرك معنى إن تسبب صدمة لإنسان؟.................الخ.

أشياء كثيرة لا نعرف قيمتها وجوهرها ألا بعد فوات الأوان، لا ندركها ألا بعد إن نجربها ونذوق مرارتها قبل حلاوتها! كثيراً ما نندم وبعدها نقول: يا ريت لو لم يحصل هذا؟! الدنيا دارتْ بينا، وما عطتنا الأمان، وما أنصفتنا، الدنيا غدارة! نلقي باللوم على الحياة، وننسى بأنه سوء تصرف وقلة تفكير وتقدير للموقف من قبلنا، أو من قبل الآخر. ربما هذا الآخر هو من كان حجر عثرة أمامنا، ووقف في طريقنا في لحظة من لحظات حياتنا!  لا نعرف، هل خلق الإنسان لأذية الإنسان، أو ليحقد عليه، ويكذب ويؤلم ويظلم ويحتال ويقتل ويسرق ويأكل مال الأيتام؟!  هل خلق ليسرق الطفولة ويأسرها في سجنه؟ أم خلق الله الإنسان ليكون جمال هذه الأرض، ويعكس صورتهِ في خلقه؟!

عجيبةٌ هي عجينة الإنسان التي صنع منها، عجيبةٌ هي تصرفاتهِ، والأعجب هو صبره وتحملهُ لمآسي وتجارب الحياة وصدماتها، التي سمعنا الكثير عنها وأدهشتنا. فبين ما سمعناه وما رأيناه، نقول كم هو: مؤلم ومحزن إن تهمس الكلمات ولا تجد صداها ألا في داخل نفسك، مؤلم إن تبكي بلا شهيق وبدموع صامتة، مؤلم إن يكون حضورك مثل عدمه، مؤلم أن تشعر بحاجة إلى من يواسيك وقت ضيقك ولا تجده، ومؤلم أيضا إن يسكنوا أعماق ذاتك وفي لحظة لا تجدهم. مؤلم إن تجد ذاتك تفرغ يومًا بعد يوم، ومؤلم إن تنادي بأعلى صوتك ولا يصل إليهم، والأكثر ألمًا حين يرحلوا بصمت وهدوء قاتل تاركين آمالنا تتحطم على صخر وتتبعثر! نلتفت حولنْا لا نجدّ من بكينا عليهم حزنًا ليمسحوا دموعنا.

والحياة ألم وفرح، خبرات وتجارب، والشاطر هو من يعرف كيف يُنقذ نفسهُ ويحميها ويصونها من الضياع. ويُدرك إن الحياة ليست مُجرّد مال أو شهرة، بلْ سعادة وأمان واطمئنان، وخلاص النفس.

صديقتنا هذه:

غرورها جعلها ضحية وطعم! صديقتنا التي كانت في ريعان شبابها وبجمال لا يوصف. هذا الجمال الذي كان السبب في خسارة روحها المرحة، وجعلها تصبح مُجرّد دُمىّ في يد شاب غني تقدم إلى خطبتها، فإغرائها بالمال والذهب والألماس وأرقى الملابس، وبقضاء شهر العسل في أرقى البلدان، أعمى بصيرتها بما يملك، وظنت بهذا أنها ملكت الدنيا وسوف يغنيها عن أمور كثيرة وسيوفر لها كل ما تحتاجه، فماذا سوف تتمنى أكثر من هذا؟! كل شيء سيكون في متناول يديها!

فوافقت على الزواج منهُ بسرعة، حتى بدون إن تتعرف عليه جيدا وتعرف ميولهِ وطباعهِ وطريقة تفكيره وأسلوبهِ. فلم ترى فيه غير ثروته وغناه! وتم الزواج بمُباركة الأهل، وسافرت صديقتنا مع زوجها وهي سعيدة كل السعادة. ومع الأيام ومع العشرة، عرفتْ إن سعادتها مُزيفة، وكانت المفاجأة الكبرى لها، أنها لم تكن الرقم واحد في حياتهِ، وإنها رقم بين أرقام كثيرة! ومع هذا غضتْ النظر عن هذه النقطة، وكتمتْ الألم في صدرها، وحاولت إن تعيش معه لأنه اختيارها، ولكن لم تستطع، لم تتحمل، لم تعرف معنى طعم الحياة معهُ، لمْ يشعرها بأنها مهمة في حياتهِ، لم يُحسسها بأنها إنسانة أرادها لذاتها وليس لجسّدها.

رأى فيها الجمال، فأنبهر به وأراد إن يمتلكهُ، كانت زهرة جميلة في بستان فأراد إن يقطفها لتذبل بين يديه يومًا بعد يوم، كانت لهُ تحفة من بين التحف المُوجودة في المحلات، فأراد شرائها ليضمها إلى التحف المُوجودة في منزلهِ، لم ينظر لها كإنسانة لها روح، لم ينظر إلى السعادة التي دخلت إلى قلبها حين أرادتهُ لها كشريك لحياتها. فتحولت الأحلام والصورة التي رسمتها لحياتها معهُ، وفي خيالها هي فقط إلى أوهام، وغيوم تتلاشى وتتفكك مع هبوب الرياح.

صديقتنا التي خسرتْ نفسها، بعد فوات الأوان. نعم فات أوان الورد ولم تتفتح للحياة لتنشر عبقها، ظنت إن جمالها هو من سيجلب لها السعادة والثروة. ولكن تهب الرياح من حيث لا تشتهي السفن. فقد استفاقت صديقتنا على صدمة وخسارة وألم في قلبها وبكاء صامت لا يسمعهُ أحدٌ، وعادت وهي مُحملة بالأحزان والخيبة وسوء الاختيار!  

كثيرات يقعنْ ضحايا ومصيدة، ولكن لا يدركون هذا إلا بعد فوات الأوان، وبعد إن تقع الفأس في الرأس. يظنون إن المال هو السعادة، ولكن يظهر الواقع عكس ذلك. وكثيرة هي المطبات التي تعترض حياتنا، وتشل من تفكيرنا وحركتنا، ولكن الشاطر هو من يعرف كيف يستفاد منها، كيف يقف على قدميه مجدداً. هذه الصدمات هي من تقوينا وتعلمنا كيف نتعامل مع الناس، وكيف نتصرف في المواقف والشدائد الصعبة، والاهم إن نعلم سبب وغاية وجودنا لندرك قيمة ذاتنا ونُقيمها. كما تعلمنا أنه ليس بالضرورة أي شيء يبرق ذهبًا، ويوجد الكثير ممن يملكون المال والثروة، ولكن بيوتهم من زجاج. فلا تجعل المظاهر تخدعك وتنسيك ذاتك وروحك وتخسرها، ولكن بعد فوات الأوان.  

سهى بطرس هرمز

19/11/2011