العالم بين ثنائية الابتكار والمخاطر
العالم بين ثنائية الابتكار والمخاطر
مع تعدد أنواع الإدارة وتشعبها وفق التشكيلات والوسائل المعتمدة تظل إدارات، المخاطر والابتكارات، ذات وسائل مشتركة إلى حد ما في التأسيس للإدارة الناجحة التي يمكن لها أن تحقق الأهداف التي رسمتها، وإذا كان من الأفضلية تقديم إدارة أحدهما على الإدارة الأخرى، فالأمل يكمن في إدارة الابتكار؛ لأن إدارة المخاطر تظل بحاجة ماسة حتمًا إلى ابتكار وسائل غير تقليدية لمعالجة مخاطر محسوبة وأخرى مفاجئة لا عهد للواقع بها، إذ كيف تحصل المعالجة الجذرية اللازمة بانتزاع العمل من الآليات التقليدية إلى منجزات أكثر تطورًا إن لم تكن هناك كفاءة ابتكارية متوافرة.
لقد اطلعت على مدونة حديثة صادرة عن البنك الدولي تصدت للاحتمالات المتوقعة الآن في المشهد العالمي في ظل تحديات وما قد يصاحبها من مستجدات قاسية تنزلق بالبيئة نحو تدهور في التنمية المستدامة إذا لم تنظم البشرية أمرها لصالح إدارات بنيوية تضمن قياسات عمل تأخذ بالاعتبار المصير المشترك في البلد الواحد، وكذلك في إطار تشاركية دولية قائمة على التوافق وتبادل الخبرات والبحث في تأسيس نظام عالمي للإنقاذ متعدد الأقطاب ولكنها الأقطاب المتضامنة.
الحال، أن هذه الرؤية التي يطرحها البنك الدولي جاءت استجابة واضحة لمطالب لم تعد حاجة دولة معيَّنة، وإنما هي حاجة تشترك كل دول العالم في التطلع إليها، وإذا كانت بعض الدول تأخذها العزة بالقوة والاحتفاظ بالنفوذ المستند إلى فرص المغالبة، فإن ما جرى خلال العامين 2020 و2021 يكشف كم هي حاجة دول العالم إلى اعتماد مناهج جديدة لا تغطي نفوذ القوة، وإنما السعي بوسائل تفوّضها أن تكون شريكًا في عمل دولي جاد لمواجهة التحديات القائمة، لذلك يظل غريبًا على المنطق الصحيح، الإمعان في نزعات تسجيل المواقف والافتخار بهيبة القوة المفرطة.
إن ما تمخّض عن قمة المناخ من تشخيصات وتحذيرات وتوصيات، وإن كانت لا تمثل الطموح الذي سبق الإعداد للمؤتمر، لكنه بالحد الأدنى اعتراف لأول مرة بوجود مشكلة بيئية مستعصية والاستغراق في الإجابة عن أسئلة في كيفية مواجهة الاحترار المناخي، وأن لا بديل من التشارك في تلك المهمة، وكذلك في التصدي لسلالات جديدة من “كوفيد19” قد تفتك أكثر. وعليه، ليس من الحكمة أن يظل الاهتمام منصبًّا على استخدام لغة التهديد واستعراض القوة وتصنيع احتكاكات عسكرية على غرار ما حصل خلال الأيام القليلة الماضية على (مسرح) بحر الصين بين أسطولين عسكريين صيني وأميركي، وكذلك ما حصل من استعراض قوة على (مسرح) البحر الأسود بين سفن حربية روسية وأطلسية.
بخلاصة تحليلية، العالم دفع أثمانا باهظة بسبب فائض سلطة القوة العسكرية والتهديد، وهو الآن بحاجة ماسة إلى إدارات تعتمد نسخة استراتيجية ترتكز على التعاطي الذكي بمتطلبات الابتكار والانتباه إلى المخاطر وإحداث التغيير اللازم في منظومة العمل بما يضع العالم أمام مسؤوليات تضع بالاعتبار أن البشرية باتت الآن مجتمعات حاجة للإنقاذ بكل ما يعني هذا المصطلح من دلالة.
لقد تم هدر المزيد من الوقت من دون أن يتمخض هذا التوجُّه عن نتائج مثمرة، ولذا بات ترفًا سلوكيًّا، بل وضربًا من الاستهانة أن يقول البعض، إن كل شيءٍ على ما يرام، وبقدر تعلق الوضع بواقعنا العربي فإن الأسبقية ينبغي أن تعطى لمزاوجة حثيثة بين العودة المفتوحة إلى التضامن العربي وكذلك استحداث إدارات للابتكار والمخاطر.
ما ينقصنا قوميًّا، تشاركية في هذين الميدانين الإداريين، تشاركية تتحرك بروحية المسؤولية الجادة.