الصابئة المندائيون (الواقع والطموح)
( الدرفش – شعار الصابئة )
1. أصل الصابئة المندائيون
تعتبر المندائية من اقدم الديانات الموحدة ، والتي تؤمن بإله واحد معبود مستقل ومبعوث بذاته، أما أصل الصابئة لغوياً فهي مشتقة من الفعل الآرامي المندائي – صبا – أي غطس أرتمس تعمدّ في الماء الجاري، والمندائيون / مشتقة من الفعل الآرامي – دا – والتي تعني العالم – العارف – فيكون معنى الصابئة المندائيين – الصابغين العارفين بدين الحق، أما أهم التسميات التي أطلقت على الصابئة المندائيون فهي:
أ. المندائيون من مندا أي العارفون بوجود الحي العظيم أي الموحدون .
ب. الناصورائيون وهي تسمية قديمة جداً ، وتعني المتبحرين أو العارفين بأسرار الحياة أو (المراقبين – الحراس) .
ت. المغتسلة (من غسل) أي تطهر ونظف وأطلقها المؤرخون العرب، وذلك لكثرة اغتسالهم بالماء .
ث. شلماني من (شلم – سلم) وهي تسمية آرامية مندائية تعني المسالم.
ج. أبني نهورا : أبناء النور وهي تسمية أطلقت عليهم من كتبهم الدينية.
ح. اخشيطي من كشطا أي أصحاب الحق أو أبناء العهد ، أيضاً أطلقت عليهم في كتبهم الدينية .
وورد أسم الصابئة في عدة ايات من القرآن الكريم كما في الاية ( 62 ) من سورة البقرة بقوله تعالى { ان اللذين آمنوا واللذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }.
وفي الاية ( 69 ) من سورة المائدة بقوله تعالى { ان اللذين آمنوا واللذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً فلاخوف عليهم ولا هم يحزنون }
ومن الجدير بالذكر أن الدين الصابئي لم يلحق بغيره من الاديان وإنما جاء مستقلاً عن غيره وبالشكل الذي رأيناه يدل على أن القرآن الكريم يعتبرهم من الفئات المؤمنة بالله واليوم الآخر مثلهم مثل اليهود والنصارى .
2. اللغـة المندائيـة
المندائية هي إحدى اللهجات الشرقية للغة الارامية، وظهرت للوجود مع الظهور الاول للاراميين منذ الاف السنين حين استوطنت قبائلهم على امتداد نهر الفرات وفي كل مناطق الشرق الادنى (الاناضول والهلال الخصيب) . وانتشرت المندائية بشكل كبير في مناطق بابل ومملكة ميشان وبلاد عيلام في القرن الاول الميلادي حيث تبنوا الابجدية المندائية لمرونتها وقوة تعابيرها حيث دونت بها الوثائق ونقشت حروفها على المسكوكات المعدنية .
وقد ذكر التقرير الصادر عن منظمة اليونسكو لعام 2006 بأن اللغة المندائية هي احدى اللغات المهددة بالانقراض لعدم تداولها بين أبناء الطائفة وانحسارها عند رجال الدين اثناء طقوسهم الدينية.
3. مناطق تواجد الصابئة في العراق
موطن الصابئة هو العراق ( بلاد ما بين النهرين ) ويعيشون على ضفاف نهري دجلة والفرات لما للماء والطهارة من أهمية في حياتهم الدينية والروحية، وهم جزء من سكان العراق الاوائل عبر تاريخه الحضاري ويسكنون البطائح، وأمتدت ديانتهم إلى أماكن أخرى غير وادي الرافدين منها فلسطين والشام ومصر.
لا يوجد إحصاء دقيق للصابئة المندائيين حالياً ولكن على الأرجح يتراوح عددهم بين (10-12) ألف نسمة في العراق، فضلاً عن تواجدهم في بلدان اخرى مثل (إيران و سوريا والأردن، والسويد، وأستراليا والولايات المتحدة وكندا وهولندا، واعداد اخرى موزعة في الدنمارك والمانيا وانكلترا وبعض الدول الاخرى.
4. دور العبادة
للصابئة في العراق (8) مراكز عبادة ( مندى )، واحد في مدينة بغداد وهو مقر رئاسة الطائفة وقد تم انشاءه سنة 1985 ، وواحد في كل من البصرة وميسان وذي قار وقضاء سوق الشيوخ وأربيل وكركوك والديوانية.
5. المعتقدات الدينية والأعياد المندائية
أولاً : جوهر الديانة المندائية : تستند الديانة المندائية على أن (الله واحد أنبعث من ذاته وانبعثت الحياة من لدنه) وأركان الديانة المندائية هي :
أ. التوحيد : أن أساس التوحيد المندائي حسب ما جاء في الكتاب المقدس الصحف الاولى (كنزا ربا) هي : الإيمان برب خالق الأكوان منزه عن السيئات مقيم في ملكوته الحي وهو غير محدود وأزلي في كينونته ليس له حدود في صفاته، والإيمان بأنبياء الله الذين هم رسل ومعلمين على هذه الأرض جاءوا برسالة من السماء من أجل إنقاذ البشر من شباك الضلال وهاديتهم إلى طريق الخير والصلاح، وأنبياء الصابئة هم : النبي آدم أبو البشر، النبي شيتل أبن آدم، النبي سام ابن نوح، النبي إدريس، النبي يحيى أبن زكريا ( عليهم السلام).
ب. التعميد (الصباغة) : ويعتبر الركن الأساسي وهو فرض وواجب على كل صابئي ليكون صابئياً مندائياً، ويهدف إلى فتح باب الخلاص والتوبة وغسل الذنوب والخطايا والتقرب إلى الله، ويجب أن يتم في الماء الجاري ويوم الأحد.
ت. الصلاة :جاء في كنزا ربا (الصحف الاولى) عن جبريل الرسول، يقول لآدم عليه السلام (جلست إليه وعلمته ما حملني ربي علمته الحكمة والتسبيح أن قمّ أسجد وسبح للحي العظيم ثلاث فترات في النهار وفترتين في الليل وأمرناكم أن أسمعوا صوت الرب في قيامكم وقعودكم وذهابكم ومجيئكم وفي ضاجعتكم وراحتكم وفي جميع الأعمال التي تعملون) . ويسبق الصلاة الوضوء (الرشامة) أي رسم كل أجزاء الجسد بالماء الجاري النظيف ويرافق ذلك قراءة تراتيل خاصة على كل عضو من أعضاء الجسم .
ث. الصيام : وهو نوعان :-
الصيام الكبير ( صوما ربا ) وهو الامتناع عن كل الفواحش والمحرمات وكل ما يسيء إلى علاقة الإنسان بربه ويدوم طيلة حياة الإنسان .
الصوم الصغير: هو الامتناع عن تناول لحوم الحيوانات وذبحها (( أي الامتناع عن أكل كل شيء ذي روح )) ومدته ( 36 ) يوماً متفرقة على أيام السنة المندائية ( 360 ) يوماً.
ج. الصدقة (الزكاة) : ويشترط فيها السر وعدم الإعلان عنها لأن في ذلك إفساد لثوابها وهي من أخلاق المؤمن وواجبه تجـاه أخيه الإنسان .
ثانياً : الزواج في الديانة المندائية
لا يختلف الزواج كثيراً عن تقاليد الشرائح الاجتماعية في بلدنا العراق ، إلا انه لا يسمح لأبناء الصابئة بالزواج من خارج ديانتهم، ولا يعتبر الزواج شرعياً ومقبولاً من العوائل المندائية ألا بعد أجراء الطقوس الدينية الخاصة به، فيقوم رجل دين بدرجة ( كنزفرا ) أو ( ترميذا ) بشعائر الزواج ويكون بالقرب من النهر حيث وجود الماء الجاري لعملية الزواج فيقوم رجل الدين بطقس الصباغة أي تعميد الخطيبين وهذه تكون كمقدمة لطقس الزواج ويجب أن يكون الخطيبين طاهرين نظيفين، ويلبس كل من الخطيبين ملابس بيض تسمى (الرستة) وهي الملابس الدينية للصابئة المندائيين وتهيأ مسبقا من رجل الدين وبمواصفات خاصة وهي تتكون من خمسة أجزاء (قميص و سروال وهميانة وعمامة وجزءا آخر يسمى نصيفة وهي قطعة قماش توضع حول منطقة الرقبة) والتاج أو الأكاليل الذي يضعه رجل الدين على رأسه.
ثالثاً : راية السلام ( الدرفش )
الدرفش هو شعار الصابئة وراية السلام وتسمى ايضاً راية النبي يحيى، وهي راية نورانية من عالم النور تدخل في أغلب الطقوس الدينية وتتكون من غصني زيتون على شكل علامة زائد (تشبه الصليب) للدلالة على الجهات الأربعة للأرض وترمز للسلام ويوضع عليها قطعة قماش بيضاء من الحرير للدلالة على الطهارة و النقاء ويوضع على غصن الزيتون سبعة أغصان من نبات الأس للدلالة على الحياة الأزلية وبذلك تكون رموز الدرفش هي السلام والطهارة والنقاء والحياة الأزلية وهي الصفات التي يجب أن تترسخ في كل إنسان مندائي يتعمد ويحاول نشرها أينما حل.
رابعاً : الكتب المندائية
للصابئة المندائيين العديد من الكتب وهي :
أ. الكنز العظيم ( الصحف الاولى ) ( كنزا ربا ) وهو الكتاب المقدس للصابئة المندائيين، ويعني الكنز العظيم لما يحتوي من مفاهيم وكلام الرب العظيم.
ب. كتاب الانفس ( سيدرا أد نشماثا ) ويضم تراتيل تتلى في التعميد والوفاة .
ت. كتاب تعاليم النبي يحيى ( دراشا أد يهيا ): يحتوي على حكم ومواعظ وتعاليم النبي يحيى ابن زكريا (عليهم السلام).
ث. القلستا : يضم تراتيل واناشيد ترنم في مراسيم الزواج.
ج. نياني الرهمي : كتاب خاص بالادعية والصلوات .
ح. نياني مصبتا : يضم تراتيل وشرح التعميد .
خ. وتوجد ايضاً 26 ديواناً تتضمن شروحات عملية للطقوس الدينية.
خامساً: أعياد الصابئة المندائيين
أ. عيد البنجة أو البرونايا : وهو عيد الخليقة العلوي (وهي ذكرى خلق وتكوين عوالم النور والارواح الاثيرية الاولى وفيها تفتح بوابات النور وتنزل الملائكة والارواح الطاهرة فيعم نورها الارض ، ومدته خمسة ايام .
ب. عيد التعميد الذهبي : وهو هبة الله سبحانه وتعالى للملائكة حيث تعمدوا في عوالم النور العليا واهديت لادم وذريته من بعده حيث عمده الملاك جبريل الرسول، وفي هذا اليوم تعمد النبي يحيى بن زكريا، ومدته يوم واحد .
ت. عيد دهوا ربا : وهو عيد رأس السنة المندائية (العيد الكبير).
ث. عيد دهوا هنينا ( عيد الأزدهار ) : وهو العيد الصغير.
سادساً : المراتب الدينية للمندائيين
تعتمد الطقوس الدينية التي يؤديها المندائيون على رجال الدين الذين يتسلسلون بمراتب كهنوتية وفق دراستهم وتبحرهم بالدين الصابئي المندائي ومراسيم طقسية خاصة تقام لهم، واولى المراتب هي مرتبة .
1. الترميذا : وهي اولى المراتب الدينية والتي يجب على المرشح لها ان يكون مؤهلاً دينياً وان يجتاز الامتحان الديني.
2. الكنزابرا : وتعني عابر الكنزا ، أي خاتمها وعليه أن يجسد معناها فعلياً ، حيث يكون ملماً بجميع جوانب الديانة المندائية .
3. ريش أمه : وهي مرتبة تطلق على رجل الدين الذي تكون آثاره واضحة وهي أعلى درجات الزهـد والتصوف الديني والتي تتطلب منـه الابتعاد عـن كـل الماديات والانصراف إلى التعبد .
4. الربي : وهي اعلى المراتب الدينية ، وهي مرتبة النبي يحيى ابن زكريا (عليه السلام) .
سابعاً : المحرمات في الديانة المندائية
تشترك الديانة المندائية مع الديانات السماوية الاخرى في تشخيص وتحديد الكثير من المحرمات واهمها ( جدف أسم الله أي الكفر بـه وتوطئة شأنه، السجود لغير الحي العظيم وعبادة كل شيء غير الخالق الازلي، القتل، السرقة، الخداع، الكذب، التأويل، شهادة الزور، الحسد، النميمة، الغيبة ، خيانة الامانة والمعشر ،الزنـا،السحر والشعوذة بكل انواعها ( بأسم الحي العظيم لا تقصدوا السحرة والمنجمين الكاذبين المتلفعين في الظلام، لا تزاولوا السحر ولا تختموا على الاجساد ) ، قتل الحيوان بدون سبب وتأذيته عند نحره،اكل دم الحيوان والميتة منها وذبح الحامل وكل الحيوانات المفترسة، شـرب الخمـر، كل الاعمال التي تضر صحة الإنسان الجسدية والروحية والعقلية، البكـاء والنواح ولبس السواد على الموتى، اعطاء الصدقة والتحدث بها،الربا والتعاطي بالربا سراً ، الختان أي تغيير في جسد الإنسان الذي وهبه الله له (بأحسن خلق)، تلويث الطبيعة والانهـر، الانتحار وأنهـاء الحياة والاجهاض المتعمد، عدم اداء الفروض الدينية، وكل ما يسيء التصرف الإنساني.
ثامناً : واقع الحياة
يعتبر الصابئة المندائيين جزء مهم من تركيبة المجتمع العراقي ويرتبطون بعلاقات حميمة بجميع اطياف الشعب العراقي ويتعايشون بكل ود وسلم ويندمجون مع الجميع ، وقد عانوا حالهم حال أبناء الشعب العراقي من الاضطهاد ولم يكن لم تمثيل سياسي كحال بقية ابناء الاقليات على الرغم من وجود الكثير من الكفاءات الوطنية والسياسية والثقافية والاجتماعية المرموقة ، فقد امتدت يد القمع اليهم وذلك لانضمام العديد منهم إلى حركات التحرر الوطنية في العراق وعلى هذا الأساس قدم الصابئة كوكبه من الشهداء، وكذلك في الحرب العراقية الإيرانية . ولكن ما حصل لهم بعد احداث 2003 كان اشد قسوة حيث تعرضوا إلى الكثير من عمليات القتل والخطف والسرقة خاصة في مناطق بغداد الساخنة اما بسبب الانتماء الديني او مزاولة مهنة الصياغة مما دفع العديد منهم إلى الهجرة إلى شمال العراق او المحافظات الجنوبية وبعض دول الجوار .
لم يكن هناك اي تمثيل سياسي للصابئة المندائيين في زمن النظام السابق وذلك بسبب عدم فسح المجال للاقليات الدينية والقومية ان تأخذ دورها كمكونات اصيلة ساهمت في بناء حضارة وادي الرافدين، مع العلم ان الصابئة المندائيين يمتلكون الكثير من الطاقات والكفاءات المرموقة في المجتمع العراقي، وكذلك بالنسبة الى باقي المكونات الاخرى .
وبعد ضغوط مستمرة ومطالبات للمشاركة في الحياة السياسية للبلد تم حصولهم على مقعد نيابي واحد ومقعد في مجلس محافظة بغداد وفق نظام الكوتا.
ولاول مرة في تاريخ العراق تم ذكر الصابئة المندائيين في الدستور النافذ لعام 2005 في الفقرة ثانياً من المادة (2) على (يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية والصابئة المندائيين).
أما أهم المهن التي يمارسها الصابئة المندائيون فهي الصياغة التي تعد فناً ظل لصيقاً بهم وكذلك الحدادة والنجارة وصناعة الزوارق .
وقد برز من أبناء الطائفة نخبة متميزة في معظم المجالات العلمية والأدبية فمنهم العلماء والمهندسون والأطباء والفنانون والأدباء والأساتذة والتجار والصناعيون ولهم دور فاعل في تقدم المجتمع وتطوره منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1. ثابت بن قرة: الذي كان طبيباً وفيلسوفاً بارعاً في علم الرياضيات.
2. سنان بن ثابت بن قرة : الذي كان رئيس الأطباء في بغداد زمن الخلافة العباسية .
3. إبراهيم بن سنان بن ثابت: الذي كان مهندساً مشهوراً وله كتابات في الهندسة.
4. البتاني : وهو عالم رياضي وفلكي وله كتابات مهمة في الفلك .
5. أبو اسحق الصابي : صاحب ديوان الرسائل .
6. الدكتور عبد الجبار عبد الله : عالم فيزيائي معاصر ومعروف على الصعيدين المحلي والعالمي فقد تبؤ منصب رئيس جامعة بغداد خلال فترة حكم الزعيم عبد الكريم قاسم وله الكثير من الدراسات في مجال الفيزياء .
7. الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد
8. الشاعرة لميعة عباس عمارة
التسامح في الديانة المندائية
إن الديانة المندائية ، تتشارك مع باقي الاديان السماوية في (التسامح والرحمة والسلام والسلم وعمل الخير وأحقاق الحق) وغيرها من الامور ذات الطابع الخير والنوراني وهذا ما جاء به النص الديني في الكتاب المقدس للصابئة المندائيين (الكنزا ربا) مبارك أسمه:
بأسم الحي العظيم ( وتحلوا بالحنان والتسامح والرحمة إنها من طبيعة النور) والحي المزكي.
وهكذا نرى من خلال النص الديني أعلاه والنصوص الدينية الاخرى الموجودة في كتاب الكنزا ربا ، توجب وتوضح إن الديانة المندائية تتعامل مع أي أنسان بروح التسامح والرحمة كما وضحنا بالنص الديني أعلاه، سواء بالمعاشرة، أو التعامل معه في الاسواق، وفي العمل، وفي معاهد العلم، وفي شتى مجالات الحياة وأنه لا غنى عن التعاون المشترك مع الاخرين، بالرغم من وجود الطبائع المتباينة ، منهم سهل الطبع، ومنهم الحاد ومنهم المتأني في الامور وفيهم المتعجل في أحكامه على الناس. وشتى صنوف الطباع التي تكشف عنها مسالك البشر ، وتدل عليها أعمالهم وما يصدر عنهم من أقوال وأفعال وهنا نرى قيمة وقوة التسامح في الديانة المندائية عبر هذا النص الديني (إن اصابكم سوء فاصبروا ، وأثبتوا في إيمانكم ) .
هنا نرى الأديان عموماً هي أعظم مهذب للنفوس، ومقوم للطباع فمن أخذ نفسه بآدابها تهذب بطبعها، وأستقام خلقه.
وان لغة الكراهية والحرب ولغة العدوان هي من المحرمات في الديانة المندائية ، كما جاء في كتاب الكنزا ربا (كونوا أقوياء ثابتين ، فإن اضطهدتم فاحتملوا الاضطهاد إلى أن تقضوا آجالكم بعضكم لبعض مساندين) وهي العكس بالنسبة الى لغة التسامح والرحمة والافتداء والاحسان والعطاء من أجل الانسان حيث جاء النص الديني ، (إذا رأيتم أسيراً مؤمناً صادقاً فافتدوه) و (أحبوا لأصحابكم ما تحبون لنفسكم ، واكرهوا لهم ما تكرهون لها).
وهذه هي الاوامر الربانية تعلم الانفس كيفية التسامح والسلم والسلام في الديانة المندائية. أن العائق في لغة التسامح ممن لا يريدون الحوار محاولين نقله الى صراع ، وإن الصراع بين بعض فصائل بني الانسان : هو أنتحار ذاتي تمارسه الانسانية مع نفسها ولكن العقل الواعي هو الذي يستطيع ان ينتقل بالصراع الى الحوار. والجاهلون فقط غير قادرين على الحياة في أرض يعيش عليها من يخالفهم في رأي وهوى، اولئك وحدهم منحوا أنفسهم السلطان المطلق على أذهان الناس وأذواقهم وحرياتهم. بل على دمائهم، اذا يجب ازاحة الحواجز النفسية المتراكمة فينا اتجاه بعضنا وأحياء مبدأ التسامح في أنحاء العالم مهما اختلفت مواقعنا على الواقع وتحقيق المستوى الكافي من الوعي. ونغادر الصراع نحو التسامح والحوار هذا ما تتطلبه هذه المرحلة والمراحل القادمة.
الانتهاكات التي تعرض لها الصابئة المندائيون
لقد عانى الصابئة المندائيون حالهم حال أبناء الشعب العراقي من الاضطهادات و القمع فقد امتدت يد القمع اليهم وذلك لانضمام العديد منهم الى حركات التحرر الوطنية في العراق وعلى هذا الاساس قدم الصابئة كوكبه من الشهداء، وكذلك في الحرب العراقية الايرانية .
ونتيجة لتلك الاوضاع الصعبة التي عانى منها أبناء طائفة الصابئة المندائيون والتي مروا بها في العهد السابق والوضع الحالي، انبثقت جمعية يردنا الخيرية احدى منظمات المجتمع المدني تعبيراً لهذه المعاناه ومحاولة لمساعدة أبنائها المظلومين والدفاع عن حقوق الطائفة التي تعرضت إلى التهميش واللامبالاة من قبل الأنظمة المختلفة في كل العهود التي مرت على بلدنا.
وتصب أهدافها في مساعدة المحتاجين من أبناء الطائفة وفيها قسم مختص بشؤون حقوق الإنسان، ويعنى بمتابعة المشاكل التي يتعرض لها أبناء الطائفة من عمليات قتل واختطاف وتهجير وغيرها من العمليات اللاانسانية والدفاع عنهم والعمل على تثبيت حقوقهم والتعريف بما يواجه الطائفة من تجاوزات واعتداءات وتهميش لاستحقاقاتها المشروعة على الصعيدين المادي والمعنوي.
وتتعاون الجمعية مع الجهات الرسمية وغير الرسمية المعنية بحقوق الإنسان من أجل تسهيل مهمتها الإنسانية .
والجدول الاتي وضح الاحصائيات التقديرية للانتهاكات التي حصلت لابناء الصابئة المندائيون :
1. الانتهاكات قبل احداث 2003
ت نوع الحادثة العدد التقريبي
1. شهداء الحركة الوطنية 68
2. شهداء الحرب العراقية الايرانية 210
3. حوادث اخرى تشمل ( حالات قتل متعمد، عمليات سطو مسلح وسرقة وغيرها ) 34
2 . الانتهاكات بعد احداث 2003
ويمكن ان نقسمها الى ما يلي :
أ .حوادث القتل: تعد حوادث القتل للصابئة المندائيين واحد من اخطر الأمور التي واجهت المندائيين في العراق خلال الفترة التي أعقبت عام 2003 وتنحصر أسباب القتل، اما بسبب الانتماء الديني فراح ضحيتها اثنان من مساعدي رجال الدين احدهما في محافظة بغداد والاخر في مدينة الصويرة، او بسبب مزاولة مهنة الصياغة، وهناك حالات قتل تعرض لها ابناء الصابئة بسبب الاعمال الارهابية كأنفجار السيارات المفخخة وانفجار العبوات الناسفة والرمي العشوائي وغيرها من العمليات، وقتل ايضاً العديد من ابناء الطائفة نتيجة القصف الامريكي على العراق.
ب. حوادث الاختطاف : تعرض عدد من أبناء الصابئة المندائيين إلى عمليات خطف وابتزاز وسرقة مصوغاتهم الذهبية والمطالبة بدفع الفدية، وقد تم إطلاق سراح بعضهم بعد أن تم دفع المبلغ المطلوب والبعض الأخر لم يعرف مصيرهم لحد ألان .
جـ . المفقودين : وتشمل الذين خرجوا من منازلهم ولم يعرف مصيرهم حتى الان، والذين تم اختطافهم من قبل مجموعات مسلحة مجهولة الهوية ولم تتوفر أي معلومات عنهم .
د. حوادث اخرى : وتشمل محاولات القتل والاختطاف والإصابات المختلفة جراء انفجار السيارات المفخخة والعبوات الناسفة وسقوط قذائف الهاون والرمي العشوائي والتهديد بالقتل والتهجير وحرق المحلات وغيرها.
هـ . عمليات النزوح التهجير القسري : تعرض ابناء الصابئة المندائيين حالهم حال بقية مكونات شعبنا العراقي الى عمليات النزوح والتهجير القسري نتيجة الاوضاع الامنية الغير مستقرة في المناطق الساخنة في محافظة بغداد وخصوصاً منطقة الدورة والسيدية وغيرها من المناطق الساخنة، فالبعض منهم وجد ملاذ امن خارج العراق في دول الانتظار كسوريا وعمان والبعض الاخر توجه نحو اقليم كوردستان العراق اما الاخرون فقد انتقلوا الى المناطق الجنوبية وبعض المناطق المستقرة امنياً في بغداد .
وكما مبين في الجدول الاتي :-
ت العام حوادث الاختطاف حوادث القتل القتل نتيجة القصف الامريكي
1. 2003 5 حالة 12 حالة
2. 2004 15 حالة 12 حالة 33 حالة خلال الفترة من 2003 الى 2005
3. 2005 15 حالة 17 حالة
4. 2006 26 حالة 29 حالة
5. 2007 25 حالة 24 حالة
6. 2008 8 حالة 14 حالة
7. 2009
8. 2010 6 حالة 1 حالة وتعرض اربعة مندائيين الى الاصابة بجروح متفاوتة نتيجة انفجار السيارات المفخخة والعبوات الناسفة
9. 2011 3 حالة 3 حالة اصابة مندائي بجروح لنفس الاسباب اعلاه ، وحدثت عملية سطو مسلح واحدة
10 2012 2 حالة شهد عام 2012 عودة العديد من العوائل المندائية من سوريا نتيجة الاحداث الامنية الغير مستقرة هناك
المقترحات والتوصيات:-
من خلال ما تم عرضه من انتهاكات تعرض لها ابناء الصابئة المندائيين، لا بد من ايلاء الاهتمام بهذا المكون الاصيل من خلال دعم مقومات بقاءه في العراق وضمان كافه حقوقه والحفاظ على ارثه التاريخي، ويمكن اجمالها بالفقرات التالية :-
1. زيادة تمثيلهم السياسي من خلال منحهم مقعد ثاني في مجلس النواب العراقي للدورة القادمة عن المنطقة الجنوبية ، وكذلك زيادة تمثيلهم الاداري في مجالس المحافظات والاقضية والنواحي في المحافظات التي يتواجدون فيها وحسب نظام الكوتا وكثافتهم السكانية.
2. ضمان الحقوق الثقافية لابناء الصابئة المندائيين ، من خلال فتح مدارس خاصة بهم تدرس فيها لغتهم الام (الارامية) ، كون هذه اللغة وحسب تقرير اليونسكو لعام 2006 من اللغات المهددة بالانقراض ، وكذلك دعم مركز الدراسات والبحوث التابع لرئاسة طائفة الصابئة المندائيين كونه المركز الوحيد المتخصص بإصدار البحوث والدراسات وطباعة الكتب المندائية .
3. سن تشريعات لمنع العنف والتمييز ضد الاقليات .
4. تعديل فقرات بعض القوانين التي تمس الخصوصية الدينية كقانون الاحوال الشخصية والمدنية.
5. تقديم من ارتكب جرائم قتل وسرقة بحق ابناء الصابئة المندائيين وبقية المكونات الى المحاكم المختصة لينالوا جزاءهم العادل مما يساعد ابناء الاقليات في الشعور بالطمأنينة . وتعويض المتضررين .
6. للصابئة المندائيين علماء وادباء ساهموا في بناء حضارة العراق سابقاً وحالياً، يجب تكريمهم بتسمية احدى الجامعات او الساحات او الشوارع بأسماءهم او عمل نصب تذكاري كالعالم الدكتور عبد الجبار عبد الله اول رئيس لجامعة بغداد.
7. دعم العوائل المندائية المتعففة والمهجرة وتوفير كافة المستلزمات الضرورية لهم من خلال شمولهم بشبكة الرعاية الاجتماعية وتوفير سكن ملائم لهم . فضلاً عن توفير فرص عمل للعاطلين منهم.
اعداد
غزوان يحيى يوسف
جمعية يردنا الخيرية