الشهيد السيد احسان النقيب: شجاعة الموقف وصفات المؤمن
المجاهد منهج، والشهيد خط، والتضحية مَثٓل، والذكرى مدرسة نتعلم فيها القيم الرسالية والمُثُل العليا التي جاهد وضحى من اجلها الشهيد بالغالي والنفيس.
وتزداد حاجتنا لهذه المدرسة في زمن تحكُّم المصالح الشخصية وانعدام القيم والمتاجرة بالدين والمذهب، ليقف الشهيد المعلّم في صف المدرسة ونحن نحيي ذكراه، ليقول لنا: ان الحياة مواقف، وان المواقف شجاعة، وان الدين التزام، وان كلمة الحق عند سلطان جائر قمة الجهاد، وان الصالح العام مُقدّم على المصالح الخاصة والأنانية، وان التضحية من اجل الآخرين قمة الوفاء، وان امرءا لا يترك بصمة في حياته يخدم فيها مجتمعه لهو امرئ تافه، همه علفه وشغله تقممه، والحياة الدنيا فرصة لعمل الخير وخدمة الصالح العام من اجل حياة اخرى افضل، أولم يقل رسول الله (ص) {الدنيا مزرعةُ الآخرة}؟ هذا يعني اننا نزرع هنا ونحصد في الآخرة، وما اروع الزراعة عندما تكون من اجل الصالح العام، خدمة إنسانية يقدمها المرء لمجتمعه ليعيش حرا كريما وآمنا ًسعيدا، لينهي حياته بشهادة دامية يخلدها القران الكريم بقوله عز وجل {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وما اروع الحصاد يوم القيامة عندما يكون مرضاة الله تعالى والجنة {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ}.
في مثل هذا اليوم من عام ١٩٨٣ عرج الشاب المؤمن والمجاهد في سبيل الله تعالى السيد احسان السيد مصطفى النقيب الى بارئه شاهدا وشهيدا، وهو في ريعان شبابه، لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره.
والشهيد السعيد من مواليد محافظة كربلاء المقدسة عام ١٩٦٠ سليل أسرة كربلائية عريقة.
ولقد كان من اقرب أصدقائي وأحبهم الى قلبي، فهو صديق الصبا، عرفته مؤمنا وعصاميا منذ نعومة أظفاره.
كما تميز بذكاء حاد، واهتمام بالغ بطلب العلم والمعرفة، والذي اهله ليدخل الجامعة التكنولوجية قسم الهندسة الكهربائية في العاصمة بغداد، والتي لم ينه فيها دراسته اذ اعتقله النظام وهو في السنة الاخيرة ليتم إعدامه قبل ان يعتقله أزلام النظام مرتين قبل هذه المرة وذلك لأسباب سياسية.
كان بِشْرُه في وجهه، لا تفارقه البسمة، الا انه كان عبوسا مقطّب الحاجبين مكفهِرّا اذا ما مر به او صادفه احد أزلام النظام، خاصة اذا كان يرتدي زي الدين او يتظاهر بالتديّن، على قاعدة قول رسول الله (ص) {إذا رأيت الفاجر فاكْفهرّ في وجهه أو فألقه بوجه مكفهرّ}.
كان يغضب بشدة اذا سمع بظلامة تعرّض لها إنسان، فما بالك اذا كانت على يد نظام الطاغية الذليل صدام حسين وأزلامه وزبانيته؟.
كان يكتم غضبه على أزلام النظام مراعاة لوالده، عندما علم ان النظام يأخذ الأسرة بكاملها بجريرة الابن اذا اعتقله أزلام النظام، او ثبت انه ضد السلطة الظالمة.
وفي كل مرة ينتفض بداخله ضد النظام وزيانيته يأتيني مسرعا ويقول لي؛ الم يحن الوقت، بعدُ، لننتظم بعمل ضد هذا النظام الجائر؟ الا ترى ماذا يفعل بالمؤمنين والأحرار والمعارضين له؟ فكنت أجيبه، وبسبب صغر سنه، ليس بعد، لا تستعجل الأمور، يكفيك الآن انك تغيّر المنكر بقلبك، ترفضه ولا تقبل به ولا تسايره ولا تجامله.
كان واعيا ومثقفا، يحب القراءة والتعلم، ويحسن فن الإصغاء.
كان ملتزما بأداء صلاته في وقتها حتى قبل ان يبلغ السن الشرعي، فما كان يسمع صوت مؤذن منارة سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام المرحوم الحاج جواد المؤذن حتى ينتبه اليه والده انه اختفى من المحل الذي كان يجاور المرقد الحسيني في اول شارع باب القبلة، لتأدية صلاته في الحرم الحسيني، فلم يعد يقلق عليه أبوه او يسال عنه لانه تعود على اختفاء ابنه لحظة الأذان مهما كان ظرفه.
كما انه كان يواظب على زيارة سيد الشهداء وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام، خاصة في ليالي الجمع، وكان يشترط عليّ اذا ذهبنا للزيارة سوية ان يقرأ هو الزيارة، فكان لكثرة ترديده لها ان حفظها عن ظهر قلب، الا انه لم يرددها كالببغاء وإنما يتمعن بمعانيها وكأنه يقف بين يدي الحسين عليه السلام وهو يخاطبه بالزيارة.
كنت أراه يبذل قصارى جهده من اجل ان يلتزم بكل صفات المؤمنين التي يقرأها في شخصية اهل البيت عليهم السلام، خاصة سيد الشهداء وأخيه أبا الفضل عليهم السلام، فكان شجاعا في قول الحق، يكره الباطل، وفياً لمن يصادق، لا يشهد الزور، اذا سئِل عن شيء لا يعرف عنه شيئا أجاب: لا اعرف، وإذا كان يعرف عنه شيئا: لم يزد عليه كلمة.
كان يحب ان يتكتّل مع من لا علاقة له بالنظام وزيانيته، من الشباب المؤمن المعارض لسياسات النظام، وكان يحذر أزلام النظام، بل كل من يشم منه رائحة الارتباط به من قريب او بعيد.
في العام ١٩٧٩ شارك في الانتفاضة الشعبية التي شهدتها مدينة الكاظمية المقدسة ضد النظام الشمولي البائد اثر اعتقاله للمرجع الديني الشهيد السيد محمد باقر الصدر، والمعروفة بانتفاضة رجب، وكاد ان يتعرض للاعتقال على يد أزلام النظام لولا ان تداركته العناية الإلهية، لتحتفظ به الى يوم موعود اخر يستشهد فيه.
فرحم الله الشهيد السعيد وكل شهداء العراق، وسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد في سبيل الله تعالى ويوم استشهد نقي الثوب، واسكنه فسيح جنانه في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
١٤ آذار ٢٠١٤
للتواصل:
E-mail: nhaidar@hotmail. com
Face Book: Nazar Haidar
WhatsApp & Viber: + 1 (804) 837-3920