- اكثر من الف ومئتي خبير وناشط حقوقي واقتصادي يشاركون في المؤتمر للبحث عن حلول ممكنة لتعقيدات التنمية
بحضور أكثر من ألف ومئتي خبير، شاركت السيدة باسكال وردا رئيسة منظمة حمورابي لحقوق الانسان يوم 7/3/2019 في اعمال المؤتمر الدولي الذي عقد في الفاتيكان برعاية قداسة البابا فرنسيس، وتناول البحث فيه القضايا التي تخص التنمية، ومتطلباتها وسبل تنفيذ الاليات المعتمدة فيها والحلول الممكنة لمواجهة تعقيداتها وما تستدعي من جهود للتنمية المستدامة وأثر ذلك على السلام العالمي والسلام داخل المجتمع الواحد.
وفي اطار ذلك تحدثت السيدة وردا في مداخلة لها قائلة :
منذ وقت مبكر جدا أعطت الامم المتحدة لهذا العنوان التنمية والسلام حيزا من اهتمامها في اطار المقاصد النبيلة التي تصدرت ميثاقها العتيد، وكذلك في اطار الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صدر في العاشر من كانون الاول عام 1948، بل ان اية قراءة موضوعية للنصوص الدولية التي صدرت عن حقوق الطفل والمرأة والجماعات الاثنية والدينية تعطي صورة واضحة للمساعي الرامية الى الربط الجدلي بين التنمية والسلام، مع العلم أن كل النصوص الدولية التي صدرت عن اليونسكو او عن مجلس حقوق الانسان بصيغته السابقة عندما كان تحت مسمى لجنة حقوق الانسان، حرص المشرع الدولي ان يتضمن عنوان التنمية والسلام حيزا من تلك النصوص، لكن التطور اللافت في ذلك جاء ضمن التقرير الذي صدر عن الامم المتحدة تحت عنوان مصيرنا المشترك عام 1987 الذي أكد أن السلام يظل هشا متذبذبا غير قادر على تلبية استحقاقاته بدون تنمية عامة وتنمية بشرية على درجة من التواصل والقدرة مع الربط الجدلي بين التنمية والعدالة والاندماج .
ثم تطرقت السيدة وردا الى موضوع التنمية في العراق وحجم التأثيرات التي تضغط على التنمية وفق النقاط الآتية:
اولا: ان المتغيرات السياسية الحادة التي حصلت في العراق منذ منتصف عام 1958 وحتى الان دمرت الكثير من المعالم التنموية التي كان يمكن ان تنهض بالبلاد وفي اطار ذلك، أن اسوأ فترة دمرت كل الاسس التنموية هي خلال فترة حكم النظام الديكتاتوري السابق منذ عام 1968 وحتى عام التغيير وازاحة هذا النظام السياسي الجائر عام 2003، فقد دخل العراق في صراعات وحروب اقليمية كان من ابرزها الحرب العراقية الايرانية من عام 1980 الى عام 1988، ومن ثم غزو الكويت عام 1990 وما ترتب عليه من انهيار كامل لكل البنية الاقتصادية والمصرفية وقد فقد العراق خلال هذين الحربين اكثر من ثلاثة ملايين مواطن هم ضحايا الحرب التي فجرها صدام حسين، كما دمرت العديد من المؤسسات الخدمية والزراعية.
ثانيا: مرحلة ما بعد التغيير وسقوط النظام الديكتاتوري التي بدأت من شهر ابريل عام 2003 وحتى الان، ويمكن تقسيم الحالة التدميرية فيها الى مرحلتين:
المرحلة الاولى: تمثلت بالاشتعال الطائفي المقيت بين المكونين الرئيسيين السنة والشيعة وما تبعه من انهيارات في البنية الديمغرافية السكانية وبالاخص ضد الاقليات العراقية ( مسيحيين، ايزيديين، كاكائيين، شبك، تركمان، صابئة مندائيين، بهائيين وغيرهم من الاقليات)، وما لحقها من اعمال العنف المسلح.
المرحلة الثانية: وهي التي ارتبط زمن اشتعالها بالغزو الارهابي الداعشي الذي استباح مناطق شاسعة من العراق، كان من الاكثر تدميرا لما حصل في محافظة نينوى لمدن وبلدات وقرى هذه المحافظة، وقد كلف العراق تحرير المناطق التي غزتها داعش جهودا هائلة، علما ان الارهاب تسبب باكثر من ثلاثة ملايين نازح ولاجئ في داخل العراق والى خارجه، كما ظهرت الكثير من الاعمال الوحشية المتمثلة بالسبي والقتل والاجبار على تغيير الانتماءات الدينية ومصادرة الممتلكات والصور الميدانية المتحققة من ذلك لا تحصى.
الخلاصة مما أسلفت، ان كل هذه الحروب والاوضاع الشاذة الاخرى أتت على عناصر التنمية بالكامل، فقد كلفت الخزينة العراقية مبالغ طائلة كان يمكن ان تنهض بالبلاد، كما كلفت ضحايا بالملايين وتدمير مدن ومعالم حضارية وتراثية.
أنا هنا أتحدث لما حصل من اهوال، وفي خلاصة اضافية ان ما جرى كان تدميرا ممنهجا للتنمية وبالتالي تدميرا للسلام في العراق داخليا وفي اطار علاقاته الاقليمية والدولية وتدميرا ايضا للسلم الاهلي.
نحن الآن في العراق ضمن ما يعرف بالمرحلة الانتقالية مع ملاحظة ان تطهير البلاد من الارهاب والعنف المسلح لم يستكمل بعد، وربما يحتاج الى زمن اضافي فضلا عن الصراعات السياسية والفساد والتخبط التنموي على الكثير من عناصر التنمية الحقيقية، واعتقد جازمة لا يمكن تحقيق تنمية مستدامة الا بعد تحقيق السلام الكامل في البلاد وترسيخ معالم السلم الاهلي وتلك مهمة حضارية بحق. تحتاج الى تمرير خطط التنمية من الخصومات السياسية ووضع سياسات تضع حدا للفساد وللنشاطات التجريبية مع الحرص على استثمار العون الدولي بهذا الاتجاه.