الحياة الطبيعية للعراقيين على اختلاف انتماءاتهم ..تبدأ بالغاء التقسيم
بعد ان حرر العراق من قبضة الدكتاتورية والحزب الأوحد استبشر العراقيون ببزوخ فجر جديد نوره الديمقراطية وقاسمه المشترك هو قبول كل مكوناته الدينية والقومية للعمل سوية والمشاركة دون تمييز في صنع القرار الجماعي السليم الذي وبلا شك سيدعم برامج الحكومة المعدة لاعادة بناء الوطن للتقدم والتطور المنشود .
وبما ان جميع مكونات الشعب العراقي الممثلة في الحكومة والبرلمان متفقون على ان المسيحيون هم مكون اصيل من مكونات الشعب العراق الذي يشهد لهم تأريخ العراق السياسي بانه لم يسعوا يوما الى رفع السلاح والمطالبة بتأسيس دولة مستقلة خاصة بهم , ولم يحدث يوما ان طالبوا بتولي مناصب عليا في الدولة العراقية منذ تأسيسها .
لكن اليوم وحسب الدستور الجديد فان مطالبات جميع المكونات ومنهم المسيحيون تعد استحقاقا مشروعا , حيث مُثلوا في برلمان بغداد واربيل على اكمل وجه , لكن الأمور كما تبدو لا تحلوا للبعض ان يتبوء مسيحيون مناصب سيادية وقيادية عليا في الدولة العراقية لاعتبارات ايدلوجية او تأريخية كان يجب على البعض من الشخصيات الممثلة في بعض الكتل مغادرتها والاستقامة مع المخلصين الداعين لوحدة العمل الجماعي البعيد عن التمييز الديني او القومي , وجدير بالذكر بان قاعدة تشكيل الحكومات التي اسسها السر بريمر قد احدثت شرخا في طريقة ادارة الدولة حيث تم تقسيم المجتمع على اساس ديني وطائفي وقومي فاستُغل هذا الحال من قبل بعض ممن يعتقد انه الوحيد المؤهل الذي له الحق في التمسك بالسلطة وتوزيع المناصب والمسؤوليات حسب مصالحه , وينسى هذا البعض انه قد ناضل طيلة عقود من السنين من اجل خلاص العراقيين مسيحيين ومسلمين صابئة ويزيديين والشبك من الظلم الذي لحق بهم جراء الحكم الدكتاتوري , في حين اننا نعتقد بان الكتل ذات الطابع الديني الاسلامي والمسيحي وغيرهم , او الكتل ذات الطابع القومي , والتي عارضت نظام صدام كان يجب عليها بعد اسقاط النظام مباشرة ان يعلنوا للعراقيين انتقالهم من حالة التقوقع والحماية والمصالح الذاتية الى الانفتاح والاندماج في ايدلوجية واحدة تتسع لكل المكونات العراقية والبدء بالمشروع الوطني الذي كانوا قد وعدوا به العراقيين , ومهما يكن فان فرصة الغاء التقسيم ما زالت قائمة وستكون ملايين الأكف حاضرة ومستعدة لترفع اجسام من ينادي بها الى العلى .
ان شعور ابناء هذا المكون من المقتدرين والكفوئين من أن هناك تمييزاً واضحاً ضدهم وخاصة في تبوء المناصب العليا في الدولة العراقية الى جانب عدم الاهتمام بحمايتهم وحماية مقدساتهم الدينية سيجعلهم يفقدون الثقة شيئا فشيئا بحكومتهم , وستظل الحسرة كامنة في نفوسهم وقد تظهر وتختفي عند كل أزمة تواجههم , ولا ننسى ان هذا المكون ومن خلال ممثليه الشجعان في البرلمان اصبح لهم القدرة في طرح معاناته واصبح له الحق للاصطفاف الى جانب كل مخلص يعمل لصالح الشعب العراقي مجتمعا ودون تمييز , كما علينا الاشارة ايضا من ان هذا المكون قيادة وشعب وبسبب ما يتعرض له من قتل وتهجير وامام انظار الحكومة والبرلمان فقد اصبحت له الحجة في لقاء قوى اجنبية تعني بحقوق الانسان لشرح اوضاعه المأساوية , وهذا وبكل تأكيد ما لا نرغب به , ان مطالبة هذا المكون لحمايته وحقه في المشاركة في صنع القرار العراقي يقع ضمن مسؤولية الحكومة العراقية والبرلمان فقط .
وحيث ان المسيحيون والمتناقص عددهم في العراق يحتفلون هذه الايام باعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية فانهم يستذكرون ارواح شهدائهم الذين سقطوا ضحايا الارهاب الذي إستغل ضعف الجهات الحكومية المسؤولة عن ضبط الأمن , ولقلتهم فانهم ماضون للحفاظ على ما تحقق من انجازات عظيمة ومنها تشكيل الحكومة والتي اعلنها السيد نوري المالكي رئيس الوزراء حيث اشار في كلمته امام مجلس النواب الى انتهاء سلطة الدكتاتورية في العراق وانتقاله الى سلطة الحكم الديمقراطي القائم على العدل والمساوات وعدم التمييز بين العراقيين على اساس الانتماء الديني او الطائفي او القومي .
ان تبني حكومة السيد نوري المالكي لمشروع مدني وحضاري كما ورد في برنامج الحكومة الجديدة يتطلب منها اولا الالتزام بالدستور الضامن لحقوق المكونات دون تمييز , وان منح المكون المسيحي الكفوء احدى المناصب العليا او الوزارية السيادية وبالتساوي مع المكونات الكبيرة دليل على المنهج العادل للحكومة الجديدة وايمانا منها بضرورة توسيع مساحة تقديم افضل الخدمات لتشمل كل المكونات دون تمييز لعبور المرحلة والانتقال الى مرحلة شجاعة قادمة تتيح للعراقيين الاقدام بشجاعة وحسن نية الى الغاء العديد من القوانين التي تبقي على حالة التمييز بين العراقيين , كأن يتم البدء بالغاء خانة الديانة او القومية من البطاقات الانتخابية القادمة , ومن ثم قد يتم الغاءها من الهوية الشخصية ومن استمارات طلب الوظائف حتي لا تستخدم هذه الأوصاف والانتماءات كأساس للتمييز بين المكونات العراقية , ان حصر الوصف الديني او القومي يجب ان يحصر لصالح الاحصاء السكاني وتوزيع الثروات فقط .
ان الكثير من السياسيين والمثقفين والمهتمين بالشأن السياسي في العراق يرون أن مطالب المكون المسيحي بشأن أحقيتهم في تقلد بعض المواقع القيادية والوظائف العامة , هي مطالب عادلة وإن كانوا يرون أن الأزمة في توزيع المناصب لم تعد تقتصر اليوم علي المسيحيين العراقيين وحدهم بل طالت المسلمين وغيرهم أيضا , فقد أصبح الجميع في الهم سواء في ظل الفوضى واختلال توازن النظام الاجتماعي العراقي الذي اخترقه الأرهاب الخارجي حيث خلق ازمة الطائفية والفساد والتي اعتبرها البعض غيوم عابرة , حيث يلاحقهما السيد نوري المالكي للقضاء عليهما والى الأبد واعادة العراق الى وضع طبيعي يتعايش فيه العراقيون دون تمييز كما جاء في خطابه اثناء تشكيل الحكومة .
اشير هنا وبحسب تقديرات الكنائس المسيحية في العراق فان اعداد المسيحيين في العراق قبل 2003 كانوا حوالي مليون و300 الف يتوزعون على كافة محافظات القطر , في حين تناقص عددهم بسبب اعمال العنف بعد 2003 من قتل وترهيب وتهجير ليصل عددهم الى اقل من 500 الف حسب بعض الاحصاءات , ان العمل على بقاء هذا المكون الأصيل على ارض اجداده يتطلب من الحكومة ايجاد الحلول العملية تبتدء بتقوية روابطه بالمجتمع من خلال حمايته وزجه في العمل المباشر انطلاقا من المواقع القيادية , حيث لا يمكن استثناءه من المعادلة السياسية القائمة اليوم في العراق .
ان حكومة العراق بحاجة الى خطوات شجاعة لسد الطريق امام كل التوجهات التي تؤدي الى الانفراد بالسلطة , وانها وبلا شك اصبحت تمتلك القوة والارادة وان خطواتها بانت في الأفق فالحوارات والنقاشات داخل البرلمان تشير الى ان ادارة حكم البلاد وتسيير اموره باتت مسؤولية جميع المكونات , وعليه ولا بد ان يعلم الجميع بان شعب العراق لا يمكن ان تحكمه ارادة دينية واحدة ولا طائفة بعينها ولا حزب بعينه , وتجربة حكم صدام للعراق من خلال الحزب الواحد دليل واضح على حتمية تواجد الظلم والاضطهاد شئنا ام ابينا , فالله عز وجل خص العراق بشعوب متعددة الديانات والثقافات والقوميات حيث انشأت على ارضه اعظم الحضارات فالأشورية البابلية وما حولها من المسيحية والاسلامية السمحاء حضارات اسستها شعوبا متنوعة الاطياف , فلا يوجد ما يمنع من تولى المسيحيون الى جانب المسلمون المخلصون من اصحاب الكفاءة والنزاهة والخلق الحسن مناصب سيادية و قيادية مهمة كرئاسة الجمهورية او رئاسة الوزراء او البرلمان او وزارات الدفاع والإعلام والعدل والداخلية وحتى القضاء ، نقول ذلك لأننا مؤمنون من ان العراق من شماله الى جنوبه لن يحتله الارهابيون وقد تخلص والى الأبد من الدكتاتورية والفئوية وهو سائر للتخلص من كل مزالق الفساد والطائفية او المذهبية المتطرفة , وما سمعناه من كلمات السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس اقليم كردستان والسيد رئيس الوزراء والسيد رئيس البرلمان العراقي بمناسبة اعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية وما عرضته فضائيات عراقية مؤخرا من برامج ولقاءات تعاطف ومساندة ومشاركة في احزان وافراح المسيحيين دليل على ان العراق سيتعافى قريبا وسينهض رغم كل المشككين والحاقدين .