التيار (الصدري)..أسئلة مشروعة
الان وقد تحرر التيار من هيمنة نظرية (عبادة الشخصية) و (القائد الرمز) فهل سيعيد تشكيل نفسه كحزب سياسي فاعل قادر على استيعاب المتغيرات السياسية في إطار القيم الرسالية العليا التي آمن بها وأسس لها الشهيد الصدر الثاني (قدس سره)؟.
لو فعل ذلك، برايي. فسيكون التيار قد أنجز هدف السيد مقتدى الصدر من اعتزاله للسياسة، الا وهو تحطيم الأسوار والجدر التي أحاطت بالتيار، والتي حالت، لحد الان، بينه وبين بناء ذاته كحزب سياسي يعتمد الأسس العصرية.
قد يسألني سائل، كيف؟.
قبل ان أجيب على هذا السؤال المصيري، اود ان ابين الملاحظات التالية، بشان نظرية (الرمزية) في العمل الحزبي.
اولا: انها سقف حديدي يمنع من بروز القيادات على أساس الكفاءة والخبرة والإنجاز والنجاح، لانها تقوم على أساس الولاء للرمز فقط.
ثانيا: ولذلك فهي تفضي، عادة، الى الديكتاتورية والاستبداد، ليس فقط في رسم المنهجية فحسب، وإنما في التعيين والفصل والتثبيت والأبعاد، فكم من قائد او امين عام في تيار او حزب يقوده (رمز) سمع نبأ إقالته او فصله من موقعه الحزبي في وسائل الاعلام؟.
ثالثا: ولأنها سقف في التفكير والتخطيط، كما لو ان الآخرين يجلسون تحت طاولة، كلما فكروا في ان ينهضوا ولو قليلا او يرفعوا رؤوسهم ليروا عالم ما فوق الطاولة، ارتطمت رؤوسهم فعادوا القهقرى، ولذلك لا تجد أية محاولة للإصلاح والتحديث والتجديد والنقد والمسائلة، لان شخصية الرمز عادة فوق الشبهات، من جانب، وهو القانون، وليس فوق القانون، وهو (المسطرة) التي يجب ان يتكيف ويتقولب وينسجم معه ومعها الجميع، والا فالباب توسع جمل، من غير مطرود.
رابعا: ويتضاعف خطر الرمز اكثر فاكثر اذا كان (دينيا) لانه سيمثل الشرع والدين والحلال والحرام، وهو ظل الله تعالى في الجماعة، ولذلك يُتهم الخارج عن إرادته بالارتداد تارة والمروق عن الدين اخرى، وقد يتهم بالكفر والفسوق في اغلب الأحيان، فيصدر الحد بحقه او القصاص في بعض الأحيان.
لذلك، فإذا غاب الرمز، كان جوابه لمن يسأله عن البديل (ظلي خليفتي عليكم).
اعود الى السؤال، لأقول:
اولا، وقبل كل شيء، يجب على التيار ان يستوعب الصدمة بسرعة ليستفيق منها بأسرع وقت، وبأقل الخسائر، خاصة وأننا مقبلون على انتخابات نيابية مصيرية، أكد على أهمية المشاركة فيها السيد الصدر، لإغلاق الباب بوجه من يريد ان يستمر بنهب العراق وتخريبه، على حد قوله في الكلمة التي تلاها اول من امس.
اذا استوعب التيار الصدمة، فانا اعتقد ان عليه ان يباشر فورا في اعادة هيكلة نفسه ليوظف فرصته التاريخية على احسن ما يرام، من خلال:
الف: انعقاد الجمعية العامة للتيار في مؤتمر عام يلم شمل كل القواعد والمؤيدين.
باء: تدوين النظام الداخلي للتيار يعتمد على أسس عصرية وحضارية يحوله الى حزب سياسي وطني بعيدا عن كل المسميات الضيقة.
جيم: ينتخب المؤتمر العام قيادة سياسية واضحة، تتحمل مسؤولية قيادة التيار بشكل مباشر، فلا يعد الغموض او الهلامية والحالة الزئبقية تتحكم في قراراته ومواقفه.
دال: انبثاق بقية المؤسسات الحزبية من هذا المؤتمر لتكسب شرعيتها منه وليس بالتعيين والتنصيب والولاءات المزيفة.
هاء: الانفتاح على الطاقات والكفاءات والخبرات الوطنية، القريبة من او المتعاطفة مع التيار، خاصة تلك التي كانت تنشط في الإطار العام للتيار ايام حياة الشهيد الصدر الثاني، والتي تركته لسبب او لآخر.
واو: تطهير التيار من العناصر المشبوهة والفاسدة والوصولية التي شوَّهت سمعة التيار وعبثت بتاريخه الجهادي، خاصة تلك التي أشار اليها الصدر في كلمته، ليبدأ التيار بداية سليمة وجديدة قائمة على أساس الصدق مع الذات والنزاهة، وانا على ثقة تامة من ان التيار قادر على تحقيق ذلك، لمعرفتي الشخصية بعدد من قادته الأكفاء الذين يتميزون بالصفات المطلوبة لأداء مثل هذا الدور.
لقد حان الوقت امام التيار ليقدم نموذجا جديدا من العمل الحزبي الذي يجمع الثابت والمتغير في بوتقة المصلحة الوطنية العليا.
فالعراق الجديد بحاجة الى حياة حزبية نزيهة قائمة على الأسس التالية:
١/ التصدي للموقع بروح المسؤولية، وتداول المواقع قانونيا، بعيدا عن نظريات المؤامرة والتسقيط والتخوين، او حتى الولاء، فالموقع مسؤولية يتصدى لها الأكفأ وليس لتشريف صاحبه.
٢/ الشورى، فإذا كانت الرمزية تحول دون ذلك لهيمنتها على العقل والروح والجسد، فان تجسيد وتكريس عقلية العمل الجمعي والفريق، تمنح التيار فرصة ذهبية لتكريس مبدأ الشورى في التخطيط ورسم الاستراتيجيات بشكل واسع.
٣/ الحرية سواء في ابداء الآراء وتقديم المشاريع او في الرقابة والنقد والتقييم، وان قفز التيار على نظرية الرمز، تمنحه فرصة تاريخية في تحقيق ذلك، فالحرية في العمل الحزبي أساس التقدم والنجاح لانها تمكّن المرء من التفكير بصوت عال بلا خوف من عصا الرمز او وجل من عقوبة المتطفلين والوصوليين والنفعيين.
٤/ بناء المؤسسات الحزبية، فإذا كانت الرمزية تعد احد اخطر الأسباب التي تحول دون بناء المؤسسات الحزبية، فان التخلص منها يفسح المجال واسعا امام التيار ليبني مؤسساته الحزبية على أسس الحاجة الآنية والمستقبلية في إطار خطط عمل ورؤى قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى.
٥/ تغليب روح التعاون في الوسط الحزبي، من خلال تغليب المصالح العليا على المصالح الشخصية والانانيات الضيقة التي تقتل العمل الجمعي وتغتال الطاقات الخلاقة وتئِد الكفاءات الواعدة.
ولتحقيق ذلك، ينبغي استحضار (المداراة) كأداة استراتيجية مهمة تتغلب على كل احتمالات وفرص التمزق والانقسام والانشقاق التي تتعرض لها عادة الأحزاب والحركات السياسية، ولذلك فليس غريبا ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) قوله {أُمرت بمداراة الناس كما أمرت بتبليغ الرسالة} فالعنف والحدية والتزمت واحتكار الحقيقة وروح الانتقام، كلها أسباب تدمر العمل الجمعي ولا تساهم في بناء مؤسساته ابدا.
٢٠ شباط ٢٠١٤