االتقرح والمكاشفة بين طبارة و الجبوري
التقرح والمكاشفة
بين طبارة و الجبوري
عادل سعد
مثلما تشغلني منذ وقت ظاهرة التسمم الذي اصاب منظومة الرأي العام العراقي ، يشغلني ايضا افتقاد البلاد الى المكاشفات الحاسمة عن الفساد ، فقد بات هذا الافتقاد سيد الموقف الا من مكاشفة جزئية جريئة للسياسي المشاكس مشعان الجبوري الذي كانت تربطني معه علاقة عمل في مجلة الف باء قبل اكثر من خمس وثلاثين سنة ،كان محرر تحقيقات نشطا جدا، يلتقط مواضيع على درجة من الاهمية وقد دارت بيننا حوارات متقطعة ، وكان مشغولا بأفكاره ، وفي الغالب يجد في رأيه الافضلية ثم تقطعت بيننا السبل الى ما بعد عام الفين وثلاثة ، فوجدته صانع اعاصير متميزا ، تكتسحه احيانا ، وتكتسح خصومه في احيان اخرى
استطرادا ، لدى مشعان في الوقت الحاضر فائض قيمة من المعارك التي خاضها لذا لا اعتقد انني اشغل الان ولو ذرة واحدة في ذاكرته التاريخية الا اذا كان يتقاسم مع الفيلسوف اليوناني سقراط موهبة الاتقاد الذهني المتجدد ، وعلى اي حال ، اراه شخصية انتزاعية خلافية بامتياز ، وصانع مفاتيح متمرس ولكن لأقفال ليست بيده ، ولهذا اصطدمت مكاشفاته عن الفساد بدشم الكوميديا السياسية العراقية المثيرة للغم ، بل واللطم والسخرية وشراء الوقت .
ان افتقاد العراق الى شجاعة الاعتراف ، اساسه العمل بثقافة الضميمة والتستر وصناعة الاغطية الثقيلة لذلك هناك العديد من الذين ينامون في اوجار غنائمهم وايديهم على الزناد لاطلاق نار الويل والثبور على من يتهمهم
هي حالة تمرس منقطعة النظير لثقافة الانكار وابتكار المزيد من البدع للرد بالشتيمة وتخوين الاخرين ، والابسط في ذلك ،التشويه الذي يتعلق بالذمة الاجتماعية .
لا يعقل اصلا ان الفاسدين السياسيين والاداريين هم فقط الذين تفتح لهم هيأة النزاهة ملفات ، بعضه تم ترحليه الى القضاء ،وبضعه الاخر مازال على طاولات كتمان، ولا تعرف اسباب مراوحتها هناك ، وليس منطقيا ايضا ان لا تواظب هياة النزاهة على اصدار تقارير فصلية على الاقل عما وضعت اليد عليه ، وما احالته الى المحاكم وعن الهاربين ،
هي نكسة واضحة للفضيلة ان لا تشهد الساحة العراقية حالة واحدة لفاسد انتفض على فساده وذهب الى القضاء واعترف بالسرقات التي ارتكبها تخليصا لنفسه من وطأة الضمير على غرار ما فعله ساسة واداريون اكل شرفهم الفساد فأبو الاستسلام له ،بل ان بعضهم انتحر على غرار رئيس كوريا الجنوبية الاسبق رومو هيون الملقب بالسيد النظيف ، ووزير الزارعة في الحكومة اليابانية لعام 2007 توشيكاتسو ماتسوكا الذي شنق نفسه منتحرا هو الاخر بعد ان طاردته فضائح الفساد واخرين لم يستطيعوا هضم فضائحهم ، فلجأوا الى الاستقالة ، ووضعوا انفسهم تحت تصرف القضاء بجدارة حيتان هالها اصطياد اسماك صغيرة تأكل من فتات الفساد
الخلاصة لدي ، هي بخمس خلاصات ، الاولى :- هل تستطيع هيأة النزاهة ان تصدر بيانا واضح المفردات تقول فيه ان كل الذين يعملون الان في الساحة السياسية العراقية اشراف انقياء نظيفي الايدي ابرياء براء الذئب من دم يوسف واذا كانت لديها عكس ذلك فلماذا تتأخر في الكشف عن المستور ،
الخلاصة الثانية :- هل تستطيع احزاب وهيئات ومؤسسات سياسية ان تقدم ولو نصف مبرر على الاحتفاظ بفاسدين بين صفوفها ، واين ذهب مقترح تم التلويح به قبل ثلاث سنوات لتاسيس معهد او مؤسسة تعليمية لتعزيز ثقافة النزاهة ،
الخلاصة الثالثة:- لماذا لا يتم اعداد محضر حقوقي صريح يشير الى العجز الجزئي في ثقافة ردع الفساد ، لا تقولوا ان القضاء يواصل مرافعاته في شأن ذلك فهذه مسؤليته الاعتيادية التي ينبغي له الاضطلاع بها ، انا اسأل هنا عن التوقيتات هل تغطي الحاجة اذا اخذنا بعين الواقع ما اشار اليه بهيج طبارة وزير العدل اللبناني الاسبق الرئيس الحالي للمنظمة العربية لمكافحة الفساد ( الفساد لا ينتظر احدا .)
لقد تمتع الفساد في العراق بحيوية سن الرشد منذ وقت مبكر خاصة مع وجود قوة ناعمة ذكية ساندة له ، تعرف ، ليس فقط من اين تؤكل الكتف ، بل وكيف تسحق العظام ، وله محامون متمرسون بارعون في صنع ولائم شهية يسيل لها لعاب غلمان السياسة وعجائزها مع عدم وجود جدارة حاسمة لملاحقته ، اعني هياة النزاهة ، فالمؤشرات السائدة تفيد ان اهليتها مازال تراوح عند مستوى خبرة مضمد مسعف بينما الحالات تتطلب اطباء جراحين متمرسين لمعالجة هذه التقرح
الخلاصة الرابعة :- ماهو المسوغ الذي يتيح للفساد ان يتقدم ، او يتراجع على قائمة الاولويات ، ولماذا لم يتأسس صندوق سيادي عراقي ضمن وظيفة البنك المركزي،
الخلاصة الخامسة:- لماذا تفتقر البلاد حتى الان الى الردع الوقائي القائم على الشفافية المطلقة ، والى احتساب وتثبيت الكلفة المالية المعقولة للرئاسات الثلاث وادارات المحافظات وترشيد البطالة المقنعة من حراسات وحاشيات طائفية ومناطقية و(امناء) تذاكر الحصص.