الترقيع والسذاجة البرلمانية
عادل سعد
هو تفويض ذاتي ، ذلك الذي دفع الدكتور عادل عبد المهدي رئيس مجلس وزراء الدولة العراقية ، الى القول انه لا يملك عصا سحرية لتحقيق الاصلاح الاقتصادي ، وان الامر يحتاج الى غطاء تشريعي مفتوح في التصدي الحازم للمعضلات القائمة ، وتحقيق العدالة في استثمار ثروة البلاد . ومع تأخر هذه الصراحة الا ان ما ذهب اليه رئيس الوزرا عبد المهدي حمل بعض الوجاهة، لأن الاصلاح ،اي اصلاح للنظام الاقتصادي في اي بلد هو عملية بنيوية معقدة تستدعي تضافر جهود كل اطراف الدولة في انجازه، والا كيف يستطيع عبد المهدي بموقعه الحكومي ان يواجه عمليات نهب المال العام وسط ضغوط المحاصصة ، وكيف يمكن له ان يتصدى جذريا للفساد وهو بغطاء مؤسسي سميك ، وماهي الحلول الاستئصالية التي يمكن ان يزيح بها رؤوس سياسية فاسدة تتصدر الواجهات .
هل يستطيع عادل عبد المهدي ان يخفض مرتبات ومخصصات الفئتين الاولى والثانية من موظفي الدولة العراقية الى النصف ، هل يستطيع ان يضع بالتنسيق مع وزارتي التخطيط ، والعمل والشؤون الاجتماعية نظاما محكما نزيها لرعاية الاسر المصابة بالعوز المعاشي والعاطلين عن العمل ، اسوة بما دأبت عليه دول اخرى نجحت في تطبيق اجراءات بشأن ذلك .
هل يستطيع عبد المهدي من موقعه وبمفرده ان يضع حدا للتشاطر في السرقات واللصوصية المتمرسة للاستيلاء على بعض المصادر النفطية والعقارات ، وبيوت مالية تتحكم في اغلب الاحيان بحركة النقد وبعضها بانفاق مصرفية عميقة ،هل يستطيع ان يختصر عدد موظفي (المنتجعات )، اعني السفارات العراقية المتورمة بالبطالة الوظيفية المقنعة .
المعيب الاعلامي في الصور والتصريحات الرسمية العراقية ان تنشر اخبارا مقتضبة عن اجتماعات للرئاسات الثلاث بابتسامات عريضة مع دعوات لضبط النفوس ، والمعيب اكثر حين سقطت رئاسة مجلس النواب في السذاجة من خلال دعوة ممثلين للمتظاهرين من اجل اللقاء بهم لمعرفة مطالبهم ،وكأن البرلمان وفد سياسي يزورالعراق للمرة الاولى ويحهل مايجري به ، ويهمه معرفة ماذا يريد المتظاهرون
ان الفضيلة التي تنقص مجلس النواب بصفته عراب الرأي العام العراقي ، وتنقص ايضا اغلب السياسيين العراقيين ، عدم الاعتراف بالاخطاء والتقصير واهمال فرص الاصغاء المثابر لوجع العراقيين ، اين هي الاثرة الحسنة ، واين هو هامش التضحية البسيطة ان يتخلى السياسيون من بعض امتيازاتهم الفائضة عن حاجاتهم الحقيقية .
في الذاكرة السياسية العالمية ، ان رؤساء دول ومسؤولين سياسيين اخرين طلبوا تخفيض رواتبهم انصافا وتضامن مع فقراء بلدانهم وهناك قائمة طويلة معروفة بهؤلاء السياسيين الشرفاء
ان الوظيفة السياسية على وفق التصنيف الدقيق والمعنى الاجمالي هي( حراسة) ، ولكم ان تنظموا قائمة باولويات تلك الوظيفة من سهر وتفقد ومتابعة ميدانية ، وبالمقابل ، ان الاشارة الى الالم الحكومي ، لا يعني الدعوة الى انصافها ،بل يعني ان وباء الفساد بمجسات انتشار تشمل (حقائب وزارية) ومفوضيات وحقائب مجالس محافظات وبرلمانيين وحاشيات بمستمسكات ثبوتية حزبية
اعتقد ان البلاد امام لحظة فاصلة ، والخطأ ،كل الخطا، ان يتم اللجوء الى الترقيع الارضائي لأنه يحول الحكومة الى مجرد جمعية خيرية لأطعام افواه جائعة ، كما ان الاعتذار للفقراء يبقى قاصرا ، لأن حجم التذمر لا تكفيه مواساة وطلب الصفح .
السياسيون المسؤولون في الدولة العراقية بحاجة ماسة الان الى اختصار امين لأصناف (موائدهم) ، خاصة وأن الامعاء الخاوية العراقية خارج التغطية العددية ،ثم لي ان اسأل اين هي ( ابداعات) مستشارين يحيطون بالمسؤولين السياسيين، احاطة الخاتم بالاصبع .
ان اكثر الفساد انتشارا يكمن في استخدام الصلاحيات بغير وجه حق على غرار ذلك القرار (الشهير) لرئيس الجمهورية السابق فؤاد معصوم عندما عين ابنته مستشارا له براتب شهري قدره اثنا عشر مليون دينار في توثيق فاضح ،بل ومخجل للمحسوبية ، وهكذا ايضا ، اسأل كم وزيرا ونائبا ورئيس حزب ، اوجد وظائف من هذا النوع لأبنائهم واقاربهم ومعارفهم من الدائرة الضيقة التي تحيط بهم او من خلال صفقات شراء ذمم .
الصمت هو الطريقة الوحيدة التي يجب ان تشرف اغلب السياسيين العراقيين الذين صنعوا لهم نفوذا لايستحقونه ، وفوضوا انفسهم جدارة زائفة تحكمها نزعات الاستحواذ واجواء الغنائم ، لذلك ارى ان يخضع جميعهم لفحص سريري دقيق، باجراء تحليلي مختبري امام الرأي العام العراقي .
في سياق اخر ، وبالتجربة ، لاتفضي الاقوال الكبيرة الى اعمال كبيرة دائما ، الحالة العراقية لا تحتمل الا الامال الواقعية ، اي ترشيد نفقات الكلام .
بيت الداء ، البعض يركب الخيول وهي محددة بأغتنمام فرص الدخول على الحدث ،وما اكثرهم ، ايها السياسيون اعملوا على تفكيك حديد الخيول اولا ، واللبيب من يفهم