البطالة الحكومية والمال العام عراقياً
في مقاله الأسبوعي في صحيفة الوطن العمانية المنشور يوم الجمعة 6/11/2015
عادل سعد
ألان وبعد ان مضت أكثر من عشر سنوات ، بدأت السياسية الارضائية التي اعتمدتها الحكومات العراقية المتعاقبة تعطي (ثمارها) المرة ، بل والأشد مرارة في تاريخ الاقتصاد العراقي ، مع استمرار تهالك العديد من القطاعات الانتاجية على امتداد خريطة البلاد .
لقد ترأس هذه الحكومات ثلاثة رؤساء وزارات وجمعيهم بدون استثناء اعتمدوا تلك السياسات بغطاء برلماني لا شي لا لمجرد أن يقال عنه أنهم (كرماء) في رعاية الموظفين الحكوميين ، من موظفي الدرجة الأولى اصحاب الامتيازات المفتوحة الى موظفي الدرجات الاوطأ في رواتب تتجاوز الحد المجزي .
لو أن هذه السياسات الارضائية جاءت نتيجة تطور البنية التنموية وليس في إطار استنزاف الاقتصاد ألريعي الذي يخضع لسياسات العرض والطلب ، لكان هناك مبررا مقبولاً لها ، ولو كانت قد جاءت أيضا نتيجة جهود استثنائية يقوم بها هؤلاء الموظفون في تصحيح المسارات الادارية فأن التبرير لها مقبول .
لقد اعتمدت هذه السياسية الارضائية وسط إغراق الدولة العراقية بموظفين لا يخرج تصنيف اغلبهم سواء أنهم موظفون عاطلون بالمعنى الدقيق للتوصيف ، أي ما يعرف بالمصطلح الشائع (بطالة مقنعه) ، جعلت المجال الوظيفي الحكومي العراقي مرتعا خصبا للارتخاء والتسويف وتعقيد الإجراءات الحكومية التي تكبل حقوق الموطنين و تستنزفهم ، مالا ووقتا.
أن ما حصل من تلك السياسات الارضائية ينطبق عليه المثل القائل (حفلة ثعالب) بكل ما تشهد من ضجيج الولائم والعلاوات وفوضى المكافآت التي لم تكن على قياس منهج حاتم الطائي الذي نحر فرسه لإطعام ضيوفه ، وإنما على سياق فتح أبواب الخزينة العراقية بدون أية ضوابط تماشيا مع المثل العراقي ( بدون وجع قلب) وهكذا تحول المال العام الى صنيعة سياسية للكسب على حساب الحاجات الاقتصادية الاساسية للبلاد .
أن المحزن في ذلك لا يقتصر على هدر للمال العام، بل وأيضا أن اغلب هؤلاء الموظفين صدقوا وهماً أنهم يستحقون ما يتقاضون من رواتب ، والمفارقة ان التحذير من وقوع العراق في فخ العجز ، وبالتالي الافلاس التدريجي قد تم الاعلان عنه منذ ثمان سنوات تقريباً على لسان مسؤول حكومي معني بالبرمجة التنموية ، هو الوزير الاسبق للتخطيط علي غالب بابان ، فقد دعا في اكثر من مناسبة واحدة الحكومة العراقية الى اعادة النظر في المنهج الذي تعتمده لانها سوف تتحول الى (جمعية خيرية) ليس إلا ، وان الانحدار الى هذا المنعطف سيسبب صعوبات كبيرة بما في ذلك تضخم الجهاز الحكومي عدداً وضخاً مالياً يتجاوز الامكانيات المتاحة ضمن السقف المتوازن للدخل المالي العام في الدولة العراقية .
لقد اعطى صندوق النقد الدولي سقف خمس سنوات مقبلة لوقوع العراق في الافلاس ، بنسخة تعني ارتفاع معدلات العجز في الموازنات المالية السنوية ، وعدم قدرة الدولة على تامين رواتب موظفيها ، واصابة القطاع الخدمي بالشلل مع صعوبة الترميم ، وارتفاع حزمة الدين العام ، وقد بدأ هذا التوجه خطوته الاولى من خلال بحث الحكومة العراقية الحالية عن ديون خارجية ، والشكوك في السندات الائتمانية التي قد يتم اللجوء اليها لتأمين السيول النقدية ، ومن ثم الوقوع تحت سطوة مفهوم
الدولة الفاشلة .
ان التضخم الحالي في عدد افراد موظفي الدولة العراقية وانحسار دور القطاع الخاص ، مع التذبذب الخطير في اسعار النفط ، وبالتالي قلة النقد المتأتي من بيعه ، هي علامات تقع ضمن هذا التشخيص المعلن لصندوق النقد الدولي ، وهكذا لا يمكن للعراق ان يستعيد نبضه الاقتصادي إلا باجراءات اصلاحية قاسية يتحملها جميع العراقيين ، وان تستعيد البلاد فرصة الترشيد المنطوي على المزيد من جسور الوحدة الوطنية وليس التداول بالاتهامات المغرضة ، مع ضمان الجدوى من هذا الميدان الاقتصادي او ذاك