الاسترقاق أو العبودية المعاصرة
سؤال أساسي لم يزل بحاجة إلى الإجابة عليهِ وهو: ما مدّى مشكلة الاتجار بالبشر في العالم بالضبط؟ وما هي مدّى خطورتها مقارنة بالأخطار المحلية أو عبر الوطنية الأخرى؟
بروتوكول الأمم المتحدة الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الأشخاص الذين يتاجرون بالبشر، وبخاصة النساء والأطفال، والمكمل لاتفاقية الجريمة المنظمة عبر الوطنية. عُرف جريمة الاتجار بالبشر بأنها: تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الاستضعاف، أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق والمُمارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء.
تجارة الاتجار بالبشر حسب الإحصائيات الدولية تشير إلى إن أكثر الفئات استغلالا هم النساء والأطفال، بسبب غياب المسؤولية وقلة الوعي، ولأسباب قد تكون اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، وخاصة من ظروف يعيشها هؤلاء الأشخاص كالفقر والعنف الأسري والوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي، والطموح عند البعض لتحقيق الغنى وتحسين الوضع الاقتصادي، وازدياد الطلب على العمالة الرخيصة في بعض البلدان، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية التي يمر بها بلد معين أو لظروف الحروب والكوارث الطبيعية والهجرة الإجبارية، جميع هذه تدفعهم إلى الحاجة والسفر إلى المجهول، والهروب من واقعهم، وهناك يتم استغلالهم وتغريرهم.
أيضا البيئة الاجتماعية والثقافية المُتردية والعادات والتقاليد وبعض الممارسات العائلية الخاطئة بحق الفتيات والنساء الصغيرات كبيعهنْ واسترقاقهنْ أو تزويجهن إجباريًا، وغياب أحد الوالدين عن تحمل مسؤولية الأبناء، هذه مُجتمعة وغيرها أدتْ إلى هذه التجارة الخطيرة. كما إن انتشار الجريمة المنظمة والسيطرة المحدودة على الحدود أو شبه الغائبة وانتشار الشبكات والتقنيات المعلوماتية الحديثة وخاصة الانترنيت، يُساعد بشكل كبير على هذه الظاهرة ويُنميها ويزيد من توسعها. وبالتالي ضحايا الاتجار في تزايد ومنهم من يُستغل في العمل في بعض الدول لساعات طويلة وبأجور زهيدة أو بدون أجر على الإطلاق، وعادة هؤلاء يكونون من ضحايا الدول الفقيرة أو المهاجرين.
وهذه التجارة تأخذ أشكال كثيرة أهمها هي:
ــــ تجارة الدعارة.
ــــ الاتجار في الأطفال والنساء.
ــــ تجارة الأعضاء البشرية.
هذه الأشكال من الاتجار تتفرع إلى مئات الأساليب والمُمارسات وتأخذ طرق مُختلفة منها: الاتجار الذي يدخل ضمن إطار الدعارة، من خلال إيهام وتغرير الفتيات على الحصول على أعمال مناسبة وفرص زواج وسفر مقابل أجور جيدة ويتم تسفيرهنْ بطريقة شرعية إلى الدول وبعدها يتم استغلالهن في أعمال الدعارة ولإنتاج المواد الإعلامية الإباحية. أو يتم إجبارهم بالقوة لممارسة البغاء أو أي شكل من أشكال الاستغلال. وأيضا الأطفال (ومعظمهم من الفتيات) يتم استغلالهم جنسيًا، أو تجنيدهم في صفوف الجيش وهذا ما يحدث في الكثير من الدول التي تدور فوقها حروب داخلية. ويتم استغلالهم في العمل ألقسري، والعمل في مجال التسول والسرقة، واستخدامهم كقطع غيار للأغراض البشرية. أي هي تجارة بيع وشراء البشر، كما كان الإنسان قديماً يُباع. ولكن اختلاف اليوم عن العصر السابق هو الانفتاح والتطور والذي يستغل لصالح هذه التجارة لتحقيق أرباح أكثر وبأساليب مُتطورة وحديثة (تجارة العبودية المُعاصرة).
ضحايا هذه التجارة يدفعون ثمنًا باهظاً أكثر بكثير من الأرباح التي تُجنى من وراءهم، مُتمثلا في الإيذاء النفسي والروحي والجسدي والأخلاقي والاجتماعي، مُخلفا أثراً داخلهم لا يندمل، يؤثر فيهم وعلى من حولهم وفي أغلب الأحيان يتم نبذهم من قبل عائلاتهم ومُجتمعهم لسبب لا دخل لهم فيه وخارج إرادتهم، إضافة إلى الإصابة بالكثير من الأمراض. وهؤلاء الضحايا وخاصة من النساء بعد مرورهنْ بهذه التجارب يتحولنْ إلى تاجرات للبشر، كردّ وانتقام ربما من المُجتمع أو لشعور بأنهنْ ليسوا وحدهنْ المُذنبات، فيجلبنْ أخريات إلى هذا الطريق.
ظاهرة الاتجار بالبشر جريمة تهينْ كرامة الإنسان وتتعارض مع التعاليم الإلهية. وهي واحدة من الجرائم العابرة للحدود الوطنية كالجرائم الالكترونية وجرائم المعلوماتية والجرائم المنظمة، وهي توازي بخطورتها وحجمها جريمة الاتجار بالمخدرات وجريمة الاتجار بالسلاح. وهي مشكلة شائكة وكبيرة على مستوى العالم ومسؤولية اجتماعية كبرى. وتمثل انتهاك صارخ وفاضح لحقوق الإنسان وكرامتهِ، وتحتاج إلى جهد إنساني كبير وتصدي عملي، وتكاتف دولي لغلق الطرق أمام المستفيدين من ورائها، وتقليصها إلى أقصى حدّ، للتخلص من جميع آثارها ومظاهر وممارسات العبودية والعمل ألقسري الذي يرتكب بحق ضحاياها، وبحق ضحايا الاتجار بالأعضاء البشرية.
وللحّد من مدى تفشيها لابدّ من إقامة ندوات ومناقشات حول أشكالها ومسبباتها وسُبل الوقاية والحّد من أثارها وتداعياتها على الفرد والمجتمع والعالم ككُل. والوقوف بجانب الضحايا من النساء والأطفال المُتضررين وتقديم كافة سُبل العلاج النفسي والاجتماعي، مع الأخذ بعين الاعتبار التعاون مع جميع المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة والطفل في جميع الدول، والعمل معها لتبادل المعلومات والخبرات وتقديم أفضل الطرق لحماية هؤلاء الضحايا من كافة أشكال العنف المستحدثة، والتوعية بها. والمتتبع لأشكال الممارسات التي تلحق المرأة والطفل سوف يصّدم من مختلف صور العنف المُمارس!
وأن تعالتْ الأصوات والهتافات بحقوق الإنسان، لكنها لم تعطي حقها الحقيقي في الواقع، ولم يُعامل الإنسان المُعاملة اللائقة بحقهِ كإنسان، وأحداث عصرنا خير شاهد على هذا.
وفي النهاية قيل: الذي لا يؤمن بحقوق المرأة، ينسّى إن أمهُ وأختهُ وأبنتهُ من النساء!