16 يوماً من العمل الناشط لمكافحة العنف الموجه ضد النساء
كانون الأول/ديسمبر 2011
تخيلوا امرأة. قد تكون من سكان أي مكان في العالم ويمكن أن تكون منتمية إلى أية فئة اقتصادية-اجتماعية أو إلى أية جماعة إثنية أو ديانة. وفي يوم عادي تنهض هذه المرأة قبل شروق الشمس لتبدأ يومها بالعمل فترة 8-12 ساعة في متجر، أو مزرعة، أو مصنع، أو منزل شخص لقاء أجر زهيد. لكن أبناءها وأقاربها المسننين يعتمدون على دخلها للعيش. وحينما تعود إلى المنزل تستفهم هذه المرأة من أبنائها عما تعلموه في المدرسة ذلك النهار وما يتمنون أن يصبحوا حين يكبرون. وهي تمضي ساعات منحنية أمام موقد صغير أو أي مصدر آخر للهب يُستخدم في طهو الطعام وتحضير وجبات لعائلة كبيرة. وفي أجزاء كثيرة من العالم تقوم النساء بزراعة الغذاء الذي يشكل قوت جميع من يجتمعون حول مائدة طعامها.
والآن تصوروا ما الذي يحدث حينما تعجز تلك المرأة عن القيام بهذه الأمور بسبب ما تتعرض له من عنف بسبب كونها أنثى. فإن نفقات رعايتها الطبية تضيف ضغوطا على ميزانية عائلتها المتواضعة. وإذا لم تعد قادرة على العمل أو رعاية أبنائها بسبب إصابة نفسية أو بدنية فإن أبناءها سيتركون مدارسهم لممارسة أي عمل من أجل إعالة أسرتهم. وسيفقد أصحاب المحال الذين كانت تتعامل معهم زبونًا، وبالتالي ستتراجع مداخيلهم.
ومن باب الصدفة أنك قد تعرف هذه المرأة. فهناك سيدة من بين كل ثلاث حول العالم تتعرض لنوع من العنف الموجه ضدها وواحدة من كل خمس ستتعرض للاغتصاب أو محاولة اغتصاب. وهذا النوع من العنف قد يتم في وقت مبكر من حياتها حينما تجبر امرأة على إنهاء حملها قسرا لأن جنينها أنثى أو لأن الأسر ترفض تعليم االبنات الصغيرات أو حينما يتلقى الصبية حصتي طعام على مائدة العشاء قبل السماح للبنات بتناول أي طعام. ولاحقا قد يتخذ ذلك العنف شكل زواج القاصرات ، أو العنف الأسري أو الاستغلال الجنسي.
وأيًا كان شكل العنف الذي قد تتلقاه المرأة فإنه انتهاك لكرامة البشر لا يجوز التسامح فيه. ولا يمكن لأحد أن يقدر كمّ الألم الشخصي والمعاناة من أي شكل من أشكال الإساءة. لكن الفواتير الطبية وتكاليف الدعاوى القضائية وخسارة الدخل وتراجع الإنتاجية والنفقات الصحية، بما فيها زيادة خطر الإصابة بفيروس إتش آي في المسبب لمرض الإيدز، هي أمور يمكننا أن نحدد أثمانا لها. وحينما نفعل ذلك سنرى كم يكلف العنف المرتكب ضد النساء والبنات فعليًا كل شخص في المجتمع.
وفي أوغندا، مثلا، قالت نسبة تقارب 13 في المئة من النساء إنهن فقدن وقتًا كان سيخصص لعمل ضروري في المنزل بسبب العنف من جانب شخص مقرب لهن. وفقد بعض من هذه النسوة أجر ما يقرب من 11 يومًا كان سيُدفع لهن في كل عام. كما أن أكثر من ثلثي العائلات التي استُطلعت آراؤها في بنغلاديش أفادت أن العنف الأسري تسبب في فقدان 5 دولارات شهريًا في المتوسط، أو ما نسبته 5 في المئة من مداخيل العديد من النساء. وهذه التكاليف تتفاقم حينما تكون المرأة هي كاسب لقمة العيش الوحيد أو الرئيسي في المنزل، ولكنها على الأرجح لا تحظى بأي تقدير .
ويتوزع الضرر منتقلا إلى باقي المجتمع من خلال زيادة النفقات المترتبة على الإجراءات القضائية والرعاية الصحية والخدمات الأمنية. وما من بلد أو إقليم في العالم يتمتع بالحصانة ومعفى من هذه التكاليف. ففي الولايات المتحدة قدّرت دراسة لمراكز ضبط الأمراض والوقاية منها في العام 2003 أن التكلفة الناجمة عن العنف من شركاء الحياة القريبين وحده تجاوزت 5.8 بليون دولار سنويا – أنفق مبلغ 4.1 بليون دولار منها على خدمات العناية الطبية والصحية المباشرة وكانت هناك خسائر في الإنتاجية بلغت نحو 1.8 بليون دولار.
والعنف ضد النساء والفتيات مشكلة أيضا بالنسبة لحقوق الإنسان العالمية والأمن الوطني. فالعواقب المترتبة على انتشار العنف على نطاق واسع تتجاوز الإصابة المباشرة أو الخسارة الاقتصادية. فغالبا ما تنجم عن ذلك نتائج قاسية دائمة كالعدوى التي تنتقل جنسيا والضرر النفسي والاجتماعي الناجم عن العنف الموجّه ضد النساء ويؤثر على الناجيات منه وعلى أطفالهن وأسرهن وعلى المجتمع برمته.
ولكن في حين يؤدي العنف وسوء المعاملة إلى استبعاد النساء من القوة العاملة ويعمل على تأخر المجتمعات أجيالا طويلة، فإن تبني وتنمية مشاركة النساء الاقتصادية تنمي إجمالي الدخل المحلي والدخل الفردي. وتقدّر إحدى الدراسات أن تخفيض الحواجز القائمة أمام مشاركة المرأة في الاقتصادات الناشئة يمكن أن يزيد معدل الدخل الفردي بنسبة نحو 14 بالمئة. وزيادة الدخل تعني مالا أكثر لإطعام العائلة وإرسال الأطفال إلى المدارس كما يدعم التجّار والمنتجين المحليين وينشئ حلقة فعلية من النمو الاقتصادي.
وفي كل سنة، نخصص في الأيام الواقعة بين 25 تشرين الثاني/نوفمبر، الذي يصادف اليوم الدولي لإنهاء العنف ضد النساء، وبين 10 كانون الأول/ديسمبر، الذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان، 16 يوما للنشاط الخاص بالعنف ضد النساء. ونلزم أنفسنا بالمجاهرة في هذه الفترة في معارضة العنف ضد النساء والفتيات وتحسين حمايتهن ورفع مستوى المشاركة النسائية في العالم. ولذا فإننا بحاجة إلى مشاركة كل فرد – الصبية والرجال، القادة الدينيين وقادة المجتمعات، والشباب، كل فئات المجتمع لها أهمية بالغة بالنسبة لاجتثاث وباء العنف المتفشي هذا.
إن الإساءة يمكن أن تحدث في بيت الأسرة أو في ميدان من ميادين الصراعات حيث يستخدم الاغتصاب كسلاح في الحرب أو حيثما يختزل شأن الفتيات أو يُهملن أو يتم التقليل من قيمتهن لمجرد أنهن إناث. وهذا مرفوض في أي شكل كان. فالبلدان لا يمكنها أن تتقدم ببساطة عندما يكون نصف سكانها مهمشًا تساء معاملته أو يتعرض للتمييز.
فدعونا هذا العام نستفيد من هذه الأيام الستة عشر لنجدد مرة أخرى التزامنا بإنهاء الإساءة التي تقع فريسة لها النساء والفتيات في كل أنحاء العالم. دعونا ننادي بنهاية ثقافة الإفلات من العقاب التي تديم حلقة العنف هذه. ودعونا نعمل معا متعاونين في شراكة لجعل كل أشكال العنف شيئا من الماضي.