Skip to main content

وليم وردا يدعو الأمم المتحدة لحمايتهم في ظل عجز الدولة: تهجير مسيحيي العراق هدفه التغيير الديموغرافي وإقامة دولة إسلامية

صباح الخفاجي من بغداد  

GMT 22:30:00 2011 الإثنين 10 يناير  

دعا وليام وردا رئيس منظمة حمورابي لحقوق الإنسان الأمم المتحدة لحماية مسيحيي العراق وإصدار قرار شبيه بالقرار 688 الذي منح الأكراد إقليمهم الخاص، مشدداً على وجود مخطط كبير لتهجير المسيحيين من العراق قد يكون القصد منه تهيئة الأجواء لإقامة دولة إسلامية عراقية.

 

أكد وليام وردا رئيس منظمة حمورابي لحقوق الإنسان على وجود مخطط كبير لتهجير المسيحيين من العراق قد يكون القصد منه تهيئة الأجواء لإقامة دولة إسلامية عراقية. وأشار إلى عجز الحكومة ومجلس النواب عن حماية المسيحيين العراقيين، داعياً الأمم المتحدة لحمايتهم وإصدار قرار شبيه بالقرار 688 الذي أصدرته الأمم المتحدة لحماية الأكراد بعد حرب الخليج.

وقال وردا في مقابلة مع "إيلاف" أن جنوب العراق ووسطه وغربه يكاد يخلو اليوم من الوجود المسيحي بسبب ما يتعرض المسيحيين من إرهاب وقتل، وأشار إلى أن مسيحي العراق لهم أياد بيضاء في التاريخ العراقي ولا يجوز أن يكتب النجاح لمخطط تهجيرهم لأنهم من المكونات التي يخسر العراق كثيراً إذا نجح مخطط تصفيتها وتهجيرها من البلاد.

وهنا نص الحوار..

-يتعرض مسيحيو العراق لحملة من العمليات الإرهابية والإغتيالات فكيف تفسرون هذا الأمر؟

وليام وردا

•المحنة التي يمر بها مسيحيو العراق ليست وليدة اليوم إنما بدأت منذ 2003 عند الدخول الأميركي إلى العراق، حيث شهدنا تغييب وإستهداف المسيحيين، وكنت أحذر من مغبة إستضعاف المسيحيين وإستصغارهم وركزت منذ البدء على وجوب تمييز الموضوع المسيحي حول ما يتعرض له المواطنون العراقيون المسيحيون من قتل ومحاولات تهجير، فقد يشير البعض إلى أن عمليات الإغتيالات والتصفية والقتل طالت كل طوائف ومواطني العراق، ونقول نعم تعرض السنة والشيعة في العراق الى القتل والتهجير لكن ما تعرض له مسلمو العراق من سنة وشيعة كان جزءاً من صراع على السلطة والنفوذ وكان قتلاً من أجل الحصول على نصيب من الكعكة العراقية لكن القتل الذي يتعرض له المسيحيون خارج هذه الحسابات، فمسيحيو العراق لم يتقاتلوا من أجل المناصب أو لأهداف سياسية أو لصراع على السلطة، وهم خارج دائرة صراع السلطة، فلماذا إذن يتعرضون للقتل والتهجير؟ الكل يدرك وجود تسابق وصراع دامي مرير على السلطة في العراق، فلماذا يدفع مسيحيو العراق ثمن ذلك دون أن تكون لهم ناقة أو جمل؟

-كم يبلغ عدد المسيحيين الذين هجروا بغداد بعد عملية كنسية سيدة النجاة؟

•رصدت منظمتنا بعد حادثة كنسية سيدة النجاة قبل أعياد الميلاد نزوح 2500 عائلة مسيحية غادرت بغداد إلى أربيل والسليمانية ودهوك وكذلك إلى سهل نينوى، أما أرقام العائلات المهاجرة خارج العراق فليست متوفرة لدينا.

-من تتهمون بتصفية الوجود المسيحي العراقي؟

•بدأ إستهداف مسيحيي العراق عند دخول الأميركيين إلى البلد، حيث كان الوجود الأميركي نقمة على المسيحيين تحديداً، في حين كان خيراً على باقي الطوائف العراقية. وقد إستفاد سنة العراق وشيعته وأكراده من الوجود الأميركي، وأقصد إستلامهم السلطة بتفاصيلها وامتيازاتها كافة، والمتضرر الأول والوحيد كان المسيحيون. وبالتأكيد لا دخل لمسيحي العراق بالوجود الأميركي في العراق، فنحن لم ندعو ولم نطلب مجيء الأميركيين وهم لم يدخلوا العراق من أجل عيون المسيحيين، لهذا لا يجوز الربط بين مسيحيي العراق والبريطاني أو الأميركي لمجرد أنهم يدينون بالديانة نفسها، فالرئيس الأميركي جورج بوش ليس ابن عم أحد من مسيحيي العراق ولا صلبة قرابة بين فرد من جيشه وبين مسيحي عراقي. ومع ذلك نلاحظ أن المسيحيين العراقيين دفعوا ثمن الوجود الأميركي في العراق في الوقت الذي استفاد فيه السنة والشيعة من ذلك الوجود.

-برأيكم من هو السبب الرئيسي لإستهداف الكنائس والوجود المسيحي في العراق مؤخرا؟

•في العام 2006 تصاعدت وتيرة العنف الطائفي والقتل على الهوية، فأصبح السني يدفع إلى المناطق السنية، والشيعي يهجّر إلى الأماكن الشيعية، والسبب رغبة البعض في إحداث تغيير ديموغرافي في العراق، فهناك من يريد تقسيم العراق إلى مناطق سنية وأخرى شيعية، وعندما وجد هؤلاء أن المسيحيين العراقيين ظلوا متمسكين بتوزعهم في مختلف مدن ومناطق العراق إنطلاقاً من عراقتهم وعراقيتهم، أدركوا أن المسيحيين لم يفهموا الرسالة، لذا عمدوا لإستخدام الأسلوب الجبري والقسري حيث استخدموا القتل والتهجير والإرهاب لإجبار المسيحيين على هجر وترك بغداد وربما دفعهم للتوجه للمناطق الشمالية. والحقيقة أن الوجود المسيحي في البصرة والجنوب العراقي بشكل عام، يكاد يكون منقرضاً اليوم حيث لا نجد سوى وجوداً مسيحياً بسيطاً في الجنوب ووسط وغرب العراق. وإشتدت الحملة اليوم على مسيحيي بغداد بهدف إفراغها من الوجود المسيحي وحصره في المناطق التاريخية في منطقة سهل نينوى أو في دهوك وأربيل، وهذا يعني إفقار العراق من الطاقات المسيحية.

-لكن ما هو الهدف؟

•ربما الهدف من إخلاء بغداد والمدن الأخرى من الوجود المسيحي هو لتشكيل دولة وحكومة إسلامية في الوسط والجنوب وغرب العراق على غرار إيران، أو بناء أقاليم في الوسط والجنوب والغرب ذات تجانس ديني وطائفي.

-كيف تجدون دور البرلمان والحكومة في حماية الأقلية المسيحية؟

•وأين دور البرلمان الساكت عن تعرض مكون عراقي أساسي للتهجير والتصفية بشكل يومي منذ عام 2003 إلى اليوم، دون أن يناقش تلك الحالة، ولم تشكل لجنة برلمانية واحدة لمناقشة الموضوع، رغم أنهم ناقشوا عشرات القضايا الأقل أهمية. والأمر ينطبق على الحكومة، وما حصل في كنسية سيدة النجاة خير شاهد فمقارنة بين التفجير الذي تعرضت له الكنسية المسيحية في الإسكندرية في مصر، وتحرك المسؤولين المصريين متمثلا بالرئيس المصري الذي أدان التفجير الإرهابي ووجه بياناً خلال الساعات الأولى للعملية الإرهابية، في المقابل إستغرق المسؤولون العراقيون 13 يوما ليشجبوا أو يزوروا ضحايا كنسية سيدة النجاة في بغداد التي شهدت عملية إرهابية مروعة. ولهذا نتساءل لماذا تسكت الحكومة ومجلس النواب عن ما يحدث لمسيحيي العراق؟ ومن يحميهم إن كانت الحكومة عاجزة تماماً عن حمايتهم، خصوصاً أنه ليس لديهم ميليشيات أو عشائر تحميهم وهم يعتمدون القانون لتنظيم أمورهم، وعندما لا تستطيع الحكومة فرض القانون أو يتم استخدامه واعتماده فيصلاً، فكيف ومن يحمي المواطن المسيحي العراقي؟

وأد الوجود المسيحي في العراق
 
-كم يبلغ تعداد المسيحيين في العراق؟

•بلغ عدد المسيحيين في العراق حسب تعداد أجري عام 1997، مليون و400 ألف مسيحي، في خمسة عشر محافظة عراقية بإستثناء مسيحيي إقليم كردستان العراق، وأحسب أن تعداد الوجود المسيحي اليوم أقل من ذلك الرقم، وقد يبلغ نصفه أو أقل حيث يوجد في العراق اليوم قرابة 500 ألف مسيحي.

-لكن 500 ألف مسيحي ليس بالرقم الهين؟

•نعم طبعا خصوصاً أن هناك دولاً عربية لا يتجاوز تعداد سكانها 500 ألف نسمة وأصبحت دولاً مستقلة مثل قطر والإمارات، مع الأخذ بعين الإعتبار تميز الوجود المسيحي في العراق نوعياً حيث يوجد في العراق أفضل الأطباء المسيحيين والمهندسين والحرفين والتجار المهرة. والمسيحي العراقي مواطن مبدع ومنتج متميز بشهادة الجميع.

-هل تشعرون أن هناك محاولة لوأد التأثير المسيحي في العراق علمياً وثقافياً وإجتماعيا وإنسانيا..؟

•بصمات المواطن المسيحي العراقي واضحة ومطبوعة بأحرف من ذهب في كل المجالات العلمية والثقافية والفكرية. والعراقيون يدركون أن باني ملعب الشعب هو مسيحي ومؤسس جامعة بغداد وأول رئيس لها متى عقراوي هو مسيحي، وأول مطبعة دخلت العراق في مطلع القرن الماضي جلبها مسيحيون، وتاريخ كرة القدم اللعبة التي يتغزل بها العراقيون، ويتمتع بها أطفالنا اليوم في أغلب الساحات بدأها رعيل أول من المسيحيين أمثال أرام كاروم ويورا، وصولاً إلى عمو بابا وغيرهم، وهناك عشرات الأطباء والمهندسين والصيادلة والأدباء والفنانين البارزين الذين كان لهم بصمة واضحة في تاريخ هذا البلد.

-إذن أنتم فعلاً قلقون من محو الوجود المسيحي في العراق؟

•نعم هناك مخطط لوأد التأثير المسيحي العلماني الإنساني في العراق، لكن الأمر لا ينطبق على العراق فقط بل يمتد للمنطقة العربية.

مشروع بايدن تقسيم العراق
 
-هل تجدون أن إقامة إقليم لمسيحيي العراق كفيل بحمايتهم وحفظ وجودهم في العراق؟

•عندما أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 688 بعد حرب الخليج، وأنشأت بموجبه إقليم كردستان وأشرفت على حماية الأكراد ورعايتهم كان قراراً الغرض منه حماية الأكراد وتكوين ملاذ آمن داخل العراق، والظاهر أنهم يريدونا وبالقوة أن نذعن ونتجه لفكرة الأقاليم خصوصاً مع عدم وجود قدرة على الحماية الفعلية للمواطنين من قبل الحكومة، لذا فهو خيار للحفاظ على المكون المسيحي داخل العراق، وهو الخيار المناسب للحفاظ على الطاقات البشرية المسيحية في إطار العراق وليس خارجه.

-هل يرغب المسيحيون بإقامة إقليم مسيحي على غرار إقليم سني وآخر شيعي وثالث كردي؟

•المخطط تكوين إقليم غربي سني وإقليم شيعي وإقليم كردي لكن هناك صراع داخلي في داخل كل مكون، فالسنة أنفسهم فيهم المعارض والمؤيد لفكرة الإنفصال أو البقاء ضمن عراق موحد، والشيعة كذلك فهناك صراع بين رغبات المواطنين أنفسهم وليس هناك إجماع. لكنهم نجحوا إلى حد ما في خلق أزمة ثقة بين المكونات العراقية وتفريغ فكرة التعايش السلمي بين مواطني العراق وطوائفه وأقلياته، وعلى ما يبدو أن مشروع بايدن في تقسيم العراق إلى ولايات يجري على قدم وساق من حيث ندري أو لا ندري، والغريب أنه ينفذ تحت يافطة الإرهاب و"القاعدة" التي أصبحت أفضل شماعة لتصفية الخصوم وتنفيذ المخططات.

-ما هو موقف ساسة العراق مما يحدث؟

•الصراع الدائر على السلطة والمناصب والنفوذ والسعي لتقسيم العراق لأقاليم سنية وشيعية لم تظهر نتائجه بشكل نهائي، لكن على الساسة أن يكونوا شجعاناً ويقولوا علانية ما إذا كان لديهم مخطط لوأد مكون عراقي كامل هو المسيحي بهدف إتمام مخططهم، أو المجاهرة بمواقف تثبت العكس بإجراءات عملية جريئة ودون مواربة.

عجز الحكومة عن حماية مواطنيها
 
-هل تثقون بقدرة الحكومة العراقية على حماية المسيحيين خصوصا بعد صدور تعليمات بحماية الكنائس؟

•ما هي الفائدة من حماية الكنائس بجدران كونكريتية، فالكنائس لها جمهور ومواطنون يجب حمايتهم، هناك مقولة مفادها فاقد الشيء لا يعطيه فإذا كان الإرهاب قد تمكن من ضرب وزارة الداخلية والخارجية والدفاع وقتل خلال الأيام الماضية عشرات الضباط بأسلحة كاتمة للصوت، دون أن تتمكن الحكومة من حماية نفسها فهل هي قادرة على حماية المواطنين؟ وهناك نقطة ثانية وهي أن المجاميع الإرهابية تبدو أقوى بكثير من الحكومة نفسها، وهي تتمكن من معرفة الأحياء العراقية وتشخيص واستهداف البيوت المسيحية من المسلمة والمواطنين المسيحيين من المسلمين، ففي ظل هذه القدرة لدى الإرهابيين مقابل ضعف الحكومة مع إستثنائنا إنخراط مسؤولين أو متنفذين في السلطة في هذه العمليات، يبدو الأمر لنا أن الحكومة لا تستطيع القيام بوظائفها البديهية وحماية مواطنيها . فما المنتظر منها إذن؟

-هل تدعو لتدخل الأمم المتحدة لحماية المسيحيين؟

•نعم أدعو لتدخل الأمم المتحدة لحماية المواطنين العراقيين المسيحيين خصوصاً إن عجزت الحكومة عن توفير الحماية لمواطنيها.

-الرئيس العراقي دعا المسيحيين للعيش في إقليم كردستان؟

•المسيحيون لا يعيشون في خيم، ولا يمكنهم بمجرد أن يعرض عليهم البعض الذهاب هنا وهناك أن يلفوا خيامهم ويبيعوا ماشيتهم ويتوجهوا للعيش بمكان الدعوة. المسيحيون لهم تاريخ وممتلكات ومصالح وحياة كاملة في بغداد وباقي مناطق العراق وهم إن غادروا بغداد ستغلق مستشفيات كاملة وكنائس ومدارس وبنوك وشركات. ثم إن المسيحي الذي يشغل وظيفة مدير عام على سبيل المثال في المؤسسات الحكومية ببغداد هل سيحصل على نفس الدرجة الوظيفية في أربيل أو السليمانية؟ والأساتذة الجامعيين والمهندسيين المشرفين على المشاريع والأطباء الجراحين وغيرهم هل سيمنحون نفس الوظائف والدرجات؟ هناك أساسيات وتعقيدات وإرتباطات لا يمكن حلها بمجرد الهجرة وترك بغداد. كنت أتمنى للرئيس دعوتهم للبقاء في أماكن سكنهم مع التأكيد على تشديد حمايتهم وليس دعوتهم إلى ترك ممتلكاتهم ومصالحهم وارتباطاتهم. فهو بدعوته هذه لا يعطيهم حقاً لا يملكوه، فهم يقدرون التوجه إلى أي مكان لمجرد العيش من دون أية دعوة فالدستور العراقي يمنحهم الحق في التوجه إلى أي مكان في العراق يشعرون فيه أنهم أكثر أمانا وليس فقط إقليم كردستان.

-صرحت شخصيات مسيحية أن تهجير مسيحيي بغداد سببه رغبة البعض بالإستيلاء على أملاكهم بأسعار بخسة؟

•من المعيب جداً أن يتم تصغير وإختزال الموضوع وحصره وتأطيره بقضية دلالية أو عصابات صغيرة. الموضوع هو وأد الوجود المسيحي وحصر تأثيره في المجتمع العراقي بمجالاته كافة وليس تجزئة الموضوع لموضوع جرمي من أجل ممتلكات، يجب علينا الإبتعاد عن المواربة والنفاق وعلينا وضع الأمور في نصابها الصحيح. هل وضع ستة عبوات ناسفة حول كنيسة ماركوركيس في الدواسة في الموصل قبل يومين قام بها دلالين أو أصحاب مكاتب عقارات؟ الموضوع أكبر ولا يمكن إختزال محنة المسيحيين وازمتهم بمثل هكذا "فبركات".

-كيف ستصبح بغداد إن نجحت عملية تهجير المسيحيين منها؟

•إن خرج المسيحيون من العراق فإن حال العراق سيصبح حال الدول المغلقة التي تنتشر فيها شرطة الآداب ولجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فكيف يمكن حرمان بلد عاش طول تاريخه بتعايش سلمي وتفاعل حضاري إنساني بين مواطنيه وحصره بلون واحد وقومية واحدة؟

-كيف ترى المستقبل وهل ستعلمون على إبقاء المسيحيين داخل بغداد ؟

•أتمنى أن لا ينجح مخطط التهجير وضرب التعايش وتقسيم العراق على الأساس الديني والطائفي والعرقي. رغم علمي أن الشعب العراقي يرفض ذلك إلا أنه يبدو وكأن لا حول ولا قوة له، فالمخطط قد يبدو أكبر من أي شيء آخر، ويسير للأسف على قدم وساق. أما بخصوص المسيحيين الذين يعملون على إفشال هذا المخطط فإنهم يسبحون عكس التيار وهو أمر صعب جداً لكننا عازمون على البقاء داخل بغداد وتشجيع بقاء المسيحيين فيها.

 

المصدر: موقع ايلاف.