قدمت السيدة باسكال وردا مديرة العلاقات في منظمتنا (منظمة حمورابي لحقوق الانسان)، مداخلة يوم 15/12/2010، في جلسة استماع خاصة حول أوضاع الاقليات العراقية وخاصة المسيحيين ، وكذلك حول ملف اللاجئين العراقيين الموضوعين تحت أحكام العودة القسرية والتي حضرها ممثلون عن الهجرة السويدية والمحكمة الخاصة بالمهجرين والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وناشطين في مجال حقوق الانسان بالاضافة الى مواطنين من الجالية العراقية المقيمة في السويد. وفيما يلي نص المداخلة:
وضع المسيحيين في العراق
تسميع وسمينار في البرلمان السويدي
15/12/2010 ستوكهولم
باسكال وردا وزيرة الهجرة والمهجرين الاسبق
ومديرة العلاقات العامة لمنظمة حمورابي لحقوق الانسان
ايتها السيدات ايها السادة الكرام
صباحكم بالف خير
اذاما قد حسن لدى الله ان يكون لي شرف المشاركة وتمثيل منظمة حمورابي لحقوق الانسان في هذا التسميع والسمينارفي البرلمان السويدي الموقر. فاسمحوا لي بان ابداء باخلص عبارات الشكر والامتنان للعاملين في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للا مم المتحدة لدعوتهم لي وكذلك اشكر الشركاء معهم من الاحزاب المسيحية والمهتمين بالشأن العراقي في برلمانكم السويدي الموقر من الذين جعلوا هذا الحدث ممكنا.
دون شك, اتى ذلك لعدة اسباب وفي مقدمتها اهتمامكم بصيانه حقوق الانسان منها الخاصة بالمهاجرين العراقيين في بلدكم الذي منذ سنوات عديدة يخدم العراقيين بمختلف اطيافهم وايضا تحقيق العدالة بالرغم من كل شيء وعبر جميع المتغييرات التي تتوالا في تاريخ الديمقراطية الفتية في المشهد العراقي المتالم.
المسيحييون يعيشون حالة من الياس والألم
نعم عراق متحرر من دكتاتورية نالت من كرامة ابناءه طيلة عقود لا ترحم. لكن اليوم , الأمر الأكثر اسفا هو ان يتواصل العراقي في انتظار التغيير الذي وعده به المحررون من العراقيين وحلفاءهم بهدف رفع معاناة طالت حياة كل فرد ومخلوق في بلد لا يضاهى بالخيرات والغنى سواء كان يتعلق الأمر بالغنى البشري ام بوفرة الغنى المادي في جميع الميادين . والحال اليوم نرى ان الشعب العراقي بجميع مكوناته وفي المقدمة المسيحيين, يعيشون حالة من اليأس والآلام المستمرة بسبب موجات التراجع الامني اولا والذي يعزز تصاعد العنف كما التدني الخدمي ثانيا حيث يواصل اكبر عدد من العراقيين العيش في الفقر المادي وفي الخوف الدائم وحيث ازمة الثقة حتى باقرب جيرانهم اصبحت تطغي على امالهم . ما يؤدي الى النزوح مجبرين على ان يستعطوا ابسط حقوقهم الانسانية , افرادا و جماعاة . هذا وخاصة منذ تكرار وقوعهم ضحايا يومية و باشكال مشينة كما حدث في مجزرة كنيسة سيدة النجاة بحق المصلين المسيحيين ليلة الاحد 31 تشرين الأول 2010 في منطقة الكرادة وسط بغداد. بالاضافة الى ما لحقت من عمليات استهداف بقتل المسيحيين المتواصل على الهوية الدينية وهم في بيوتهم في مختلف المناطق ما يوصل عدد الضحايا منذ المجزرة المذكورة الى 70 شخصا في بغداد والموصل.
أما بغرض تهجير المسيحيين, فيتم استخدام شتى انواع وسائل التهديد و الترهيب والقتل المتواصل حيث وصل عدد العوائل التي تركت منازلها وتوجهت الى مناطق مختلفة اكثر من 2198 عائلة من تاريخ مجزرة كنيسة سيدة النجاة ,وحيث معدل كل عائلة ليس اقل من 5 اشخاص ما يصل التقدير الى 11000 شخص نازح داخليا دون الاشارة الى الذين يهاجرون الى خارج البلاد . ويمكن القول بان اكثرية المتوجهين الى اقليم كوردستان سوف يهاجرون بعد ترتيب امورهم لعدم وجود مقومات البقاء لهم ولصعوبة التاسيس من جديد في تلك المناطق حيث غلاء السكن والمعيشة بسبب البطالة وغيرها من سياسات وسياقات غير مرغوبة يجبر النازحين على مواصلة الهجرة الى خارج العراق . كما انه لا وجود فعال وجدي لمشاريع او استراتيجيات حكومية خاصة لتطويق نزيف الهجرة واستعادة ثقة الناس المتاثرين بجرائم القتل والاختطاف لا من قبل الحكومة الفدرالية ولا الاقاليمية.
خلال هذه السنة 2010 رصدت منظمة حمورابي لحقوق الانسان 87 حالة قتل المسيحيين و معظمهم من الكنيسة السريانية الكاثوليكية و42 اصابة بجروح مختلفة , منها 63 حالة قتل في بغداد و 23 حالة قتل في الموصل وحالة واحدة في اربيل .كما رصدت 36 حالة اصابة بجروح في مختلف مناطق بغداد و6 حالات اصابة بجروح في نينوى. اما حالات الاختطاف فقد قلت بشكل ملحوظ حالة واحدة في بغداد وحالة اخرى في كركوك وحالة اخرى لطالبة جامعية في الموصل الى يوم 14 /12/ 2010 .كما رصدت منظمتنا 19 حالة اعتداء على الاشخاص والاملاك الخاصة منها 12 حالة في الموصل و7 حالات في بغداد. كذلك الاعتداء على 3 شبان من منطقة سهل نينوى من قبل عناصر الشرطة في قرقوش وضربهم بدون اي سبب وذلك بتاريخ 14/10/2010 واعتقال واهانة السيد زكريا خضر منصور هدايا مدير دائرة الجنسية والاحوال المدنية في الحمدانية من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني يوم 20/10/2010 .كذلك هؤلاء اعتقلوا واهانوا مدير تربية الحمدانية ومير دائرة السياحة الموصل الذي لا يزال يعيش مهددا بالقتل ومشردا من بيته .. وغيرهم من الحالات التي لم يتم توثيقها هنا وجميعها ما من سبب يدعوا الى ذلك
واجمالي الاعتداءات على الكنائس من عام 2004 الى 2010 وصل الى 52 كنيسة.
ما هذه السياسات الغريبة؟
جملة من اسئلة تطرح نفسها: هل يمكن اعتبار هذه البشاعات مجرد احداث وجرم اعتيادية تحدث في اي مكان من العالم كما يزعم البعض؟ ام هل لا يوجد من وراء صنع هذه المشاريع الجهنمية لغرض معين الا وهو تفريغ العراق من مسيحييه كما حدث لغيرهم من الاقوام من قبلهم؟ هل كل هذه السيناريوهات المعدة سلفا لا تكفي لتدل على وجود سياسات غريبة في خدمة اجندات غامضة و هدامة , تهدف الى تغيير تركيبة الشعب العراقي ديموغرافيا وتاريخيا لا بل حتى جغرافيا؟. لكن السؤال الاكثر حدة هو لصالح من؟ وباية ايادي عراقية متنفذة كما يتداوله العراقييون؟ هذه الاسئلة وغيرها يطرحها ابسط عراقي من منبره. لان استهداف المسيحيين بشكل خاص والأقليات بشكل عام كما الكفاءات من جميع المكونات العراقية لا يروي الا حقيقة واحدة وهي تدمير العراق انطلاقا من جذوره العميقة والمتمثلة في الشعوب الاصيلة من جانب, واستهداف القدرات الهائلة التي يملكها العراق عامة كما القدرات التي تمثلها تلك المكونات الصغيرة من الجانب الآخر , والتي في اكثرية الاحيان, اذا ما قمنا بعمل نسبة وتناسب, سوف نرى بانها قدرات تفوق القدرات التي تملكها المكونات الاكثريات من حيث النوعية والكمية . هاتين الحقيقتين كانت تمييز العراق عن باقي بلدان المنطقة في متانتها وتواصلها عبر تاريخ الآلاف السنين ما انتج تراكمات لحضارات عظيمة تركت بصماتها على البشرية باسرها سواء كانت على المستوى الفكري او العلمي او الثقافي او المادي .
المسيحييون في العراق ناطقين بلغة المسيح وورثة الكنيسة الاولى
. بدأت المسيحية في العراق منذ القرون الأولى للتبشير بالمسيحية رسالة السلام والمحبة من قبل الرسل الأوائل مار توما احد تلاميذ المسيح الاثني عشر و بامر مباشر منه ومعه الرسولين اداي و ماري, والذي افتخر وازداد حماسا بان يتوجه الى بلاد وادي الرافدين الناطق بلغته الام, الآرامية آنذاك والمعروفة ايضا بالسريانية التي لا يزال في ايامنا هذه ينطق بها مسيحيو العراق كما مسيحيو الدول المجاورة للعراق من ابناء الامة الكلدانية الآشورية السريانية ,والتي هي لغة المسيح له المجد والتي كانت ايضا لغة التعامل الرسمي والتجاري في الاراضي المقدسة وفي المنطقة برمتها أنذاك والتي بقى مسيحيي كنائس الامة المذكورة اعلاه هم الورثة الوحيدين لها .
كان الشعب الرافديني قد شهد بانفتاحه الى الايمان بالله الواحد عبر مثله الاعلى ابينا ابراهيم الخليل ,ابا جميع المؤمنين الذي اطاع لوحي الله لدى كشفه عن ذاته له في اور الكلدانيين في جنوب العراق واليوم تعرف بالناصرية من حيث قد ارسله الى ارض الميعاد. لذا يمكن القول بان هذه لبقعة الجغرافية(اور) كانت اولى خطوات تاريخ الخلاص البشري التي اكمله المسيح.
مذابح متتالية بحق المسيحيين في العراق
علينا ان لا ننسى بان قتل المسيحيين على الهوية ليست بعملية جديدة للاسف الشديد
واليوم يواصل المسيحييون في العراق ذلك الفداء عمليا ويوميا في حياتهم التي لا تخلو من فترات مؤسفة ودموية حيث يغطس الارهابيين ابناءهم وبناتهم في دماء الشهادة بممارسة المذابح الجماعية بين فترة واخرى وذلك منذ هولاكو وجنكيزخان مرورا بتمرلانك وصولا الى الجزار بدرخان ومذبحة آب 1933 في سميل في شمال العراق حيث ما لا يقل عن 4000 مسيحي أشوري كلداني وقع شهيدا لاسباب عنصرية ودينية وذلك بدون معاقبة الجريمة ولا يزال الآلاف من العوائل التي نجت من تلك المجازر تحلم بحقوقها في ارض اجدادها وهم على ضفاف نهر الخابور في سوريا . كذلك في مذبحة صوريا 1969 في المنطقة المذكورة حيث اكثر من 38 مسيحيا من الكنيسة الكلدانية استشهد ومنفذ الجريمة الملازم حميد الجحيشي الذي لا يزال حرا طلقا ايضا وكان في الجيش العراقي آنذاك . ومن يستطيع ان ينسى قتل وتهجير المئات العوائل وهدم ما لا يقل عن 250 قرية مسيحية في المناطق الشمالية مع كنائسها واديرتها العائد تاريخها الى القرون الاولى للمسيحية في العراق وذلك سنة 1988 في الانفال السيئة الصيت. وحيث المئات المسيحيين قتلوا وبينهم عدد ليس بقليل لا يزال مجهولي المصير ممن وقعوا بايدي النظام الفاشي البائد بينهم اقاربي واعمامي (اربع عوائل من اهل قريتي فقط) كذلك في انفال 1991 انهيت ما تبقى من القرى المسيحية مع معالمها التاريخية القديمة قد حذفت بالاضافة الى قتل وتشريد الآلاف العوائل المسيحية الى حيث لا رجعة .
الاحصاءات كارثية في ظل الديمقراطية ايضا
أما قتل وخطف وتهجير المسيحيين في الدورة منذ 2003 وانطلاقا من 2006 و الموصل خاصة في 2008 حيث القتل والتهجير الجماعي بما فيهم الشهيد المطران فرج رحو و7 من الكهنة بالاضافة الى كاهنين لسيدة النجاة , واستهداف الكفاءات العلمية المختلفة وطلبة سهل نينوى في ايار 2010 وهم في طريقهم الى جامعة الموصل وصولا الى مجزرة سيدة النجاة في بغداد يوم الاحد31 تشرين الأول 2010 حيث وقع 53 شهيدا مسيحيا .وبعدهم لا زالت تواصل الاستهدافات والملاحقات وقتل المسيحيين في بيوتهم في المنصور والدورة والبلديات وكمب سارة و الغدير وغيرها من مناطق بغداد... وكلها تعلق على شماعة القاعدة التي في ايامنا هذه وفي ظل الفوضى السياسية العراقية تفي بغرض ايا كان منظم ومنفذ تلك الجرائم. بينما هذه الاضطهادات مورست , ومنذ القرون البعيدة من قبل الارهابيين ممن يستخدمون الاسلام مفسرين اياه خارج عن كل المعايير التفسيرية مؤكدين من خلال فتاوة باطلة بان رسالة خاتم الانبياء يجب ان تنهي اي تواصل ديني بعده وذلك بالقتل والنهب والانفال وكل ما يجعل من المسيحيين وغيرهم من الاديان غير المسلمة عبارة عن ذميين يسمح لجهاديين التصرف بحياتهم وممتلكاتهم باسم الله و التي يعتبرونها كغنائم حرب على المتطرفين ان يخوضونها آجلا ام عاجلا كما اتى على لسان الارهابيين في كنيسة سيدة النجاة " الله اكبر الله اكبر نقتلكم انتم النصارى لينتصرالاسلام ولنرث الجنة ..بالجهاد لاجل الله ..."
وبالعودة الى احصائيات وبيانات منظمة حمورابي لحقوق الانسان السنوية و المفصلة منها تقرير سنة 2009 راجع موقع حمورابي : www.hhro.org ، فانها تكشف بشكل جلي قوائم بأسماء الضحايا من القتلى المدنيين والذين بلغ عددهم (730) شخصا ممن لقوا حتفهم اثناء ممارستهم حياتهم اليومية العادية خلال السنوات السبع الماضية، وكذلك تتضمن تفاصيل عنهم وتواريخ واماكن استشهادهم اضافة الى الجهات التي استهدفتهم. وان الملحق ( أ ) والمخطط رقم ( 1 ) المرفقين يوضحان بشكل لالبس فيه بأن مسؤولية دماء هؤلاء الضحايا قد توزعت على الجهات التالية :
537 شخصا قتل على ايدي مسلحين مجهولين
126 شخصا لقوا حتفهم اثناء تواجدهم في اماكن حدثت فيها انفجارات نفذها مجهولون
30 شخصا قتل بنيران القوات الامريكية او المتعددة الجنسيات .
21 شخصا قتل نتيجة تبادل اطلاق النار بين القوات الامريكية ومسلحين او بقصف عشوائي
10 اشخاص قتل اثناء العمليات العسكرية الامريكية قبل 9/4/2003
6 شخصا قتل على ايدي قوات الحرس الوطني .
كما تبين الاحصائية من خلال المخطط رقم ( 2 ) تباين نسب تصاعد العنف بالنسبة الى السنوات فقد بلغت أعلى نسبة للقتلى المسيحيين في عام 2004 فقد بلغت نسبتهم 29% من العدد الاجمالي للقتلى المسيحيين من الذين رصدتهم المنظمة ، ثم تناقصت النسبة تدريجياً فكانت في عام 2005 14% ووصلت في 2006 الى 10%، بينما عادت لتتصاعد في عام 2007 الى 21%، خاصة عندما اشتد القتل على الهوية وتصاعد المد الطائفي، فيما تحسن الوضع الامني الى حد ما في عام 2008، فكانت النسبة 10% الى ان انخفضت الى 4% في عام 2009 وهي أقل نسبة سجلتها منظمتنا ، وتوضح الاحصائية ايضا ان 52% من الضحايا لقوا حتفهم في بغداد ، والتي كان يعيش فيها اكثر من نصف مليون مسيحي قبل 9/4/2003 ، وان 29% من القتلى ، قضوا في محافظة نينوى (تشكل ثاني اكبر تجمع مسيحي بعد بغداد ) والتي كانت تضم 250 الف مسيحي ، مئة الف منهم يعيش في مركز المحافظة والباقي الذي يقدر بـ 150 الف شخص يقطن في منطقة سهل نينوى ، كما بلغت نسبة الضحايا 4% في كركوك و3% في البصرة بينما كانت 2% في كل من مدينتي صلاح الدين والانبار و1% في ديالى و 8% توزعت على المحافظات الاخرى. ( لاحظ المخطط رقم 3 ) ... ويشير المخطط رقم 4 ان 94% من الضحايا تترواح اعمارهم بين 18-60 سنة فيما تشكل نسبة الاطفال 4% والشيوخ 2% ، بينما يظهر المخطط رقم ( 5) ان نسبة الضحايا من الكفاءات والتي تشمل أطباء ومهندسين واساتذة جامعات وصيادلة وباحثين وغيرهم بلغت 16% بينما كانت نسبة النساء 13% ، ورجال الدين 2% .
نعم ان المسيحيين في ظل العراق المعاصر ومنذ الحرب العالمية الاولى لم يختبروا سلاما حقيقيا بل يواجهون القتل والتهجير القسري والغبن بابسط حقوقهم البشرية كما الحقوق المدنية والسياسية. وتتزايد حركة الهجرة بشتى اشكالها لاسباب عديدة منها تاسيس انظمة تكرس الطائفية كما حدث ابان تاسيس الدولة العراقية سنة 1921 حيث استخدمت وسائل تفضيل مكون على حساب باقي المكونات والحصيلة ادت الى هذا التطرف المروع والتثقيف الذي ترعاه جهات ودول وانظمة تتميز برعاية التطرف وتغذيته حيث يوزع على فترات ومسافات زمنية منتظمة وتتفاقم خلال اية سخونة ام تدني للاوضاع السياسية العراقية, فيرى المتطرفون الارهابيون وكأن عليهم استغلال فرص مهيئة بفضل موجات الفوضى وانسحاب سيادة القانون لينفذواعمليات تم التهيئة لها فكريا ونفسيا لكنها أخمدت شعلتها تحت الرماد القاتم بانتظارشرارة ليشتعل النار لدى اول فرصة الفوضى. هذا الواقع الذي يشهد له تراجع عدد المسيحيين بشكل مهول حيث في الاحصاءات الرسمية العراقية لسنة 1997 كان عدد المسيحيين مليون وثلاثة مائة الف نسمة في 15 محافظة اي باستثناء اربيل ودهوك وسليمانية حيث كان يقدرعدد المسيحيين في المحافظات الثلاثة المذكورة باكثر من 200000 الف نسمة بمعنى كان عدد المسيحيين قبل 2003 اكثر من مليون ونصف في العراق .واليوم نستكثرعلى تقديراتنا اذا وصل العدد الى 800000 الف والبعض يقول 500000 الف نسمة .
هل من دور لمنظمة الامم المتحدة؟
كيف لا يخاف على حياته وحياة ذويه المسيحي الذي يختبر يوميا ظلما يشرعن من قبل الارهابيين الرافضين لوجودهم و ينسفون انفسهم بغرض قتل غيرهم ودفع "الجنة "كاجر لشناعتهم؟؟ ما هو الامر الذي يؤمن الوجود المسيحي في منطقة مشحونة بهذه السيناريوهات القاتلة الناتجة عن تثقيف ورعاية و تنظيم لها تفوق توقعات المحللين ؟ كل عراقي وخاصة ابناء الاقليات يتسأل: متى يكون اذن للامم المتحدة دورا, المنظمة الدولية التي تشهد ومنذ تاسيسها, بانها تمثل الانظمة السياسية والحكومات دون الامم بالمعنى الحقيقي للمصطلح . واكبردليل على ذلك هو مدى ضعف اهتمام هذه المنظمة الدولية بالامم المستضعفة , واليوم مسيحييو العراق قاطبة وبشكل خاص الامة المعروفة بـ (الكلدان الآشوريين السريان ) كذلك الارمن وغيرهم من المسيحيين والاقليات كالايزيد والصابئة المندائيون يواصلون العيش في ظلم ذات جذور عميقة في التاريخ المعاصر لدولة العراق. والجدير بالذكر ان العراق هو احد اعضاء المؤسسين للأمم المتحدة . ما يؤدي بالعراقي الى التساؤل حول كيفية تنصل مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة عن اصدار قرارا خاصا ( resolution ) تلزم به السلطات العراقية على اداء واجباتها تجاه شعبها بشكل عام والمستضعفين منهم بشكل خاص؟ والا ما الفائدة من الانفاق الهائل لدعم وجود منظمة دولية ؟ هل ليس من المفترض ان يكون احد مهامها توجيه سياسات الانظمة بالضغط عليها بجميع الوسائل المتاحة لها خلال عمليات هدر حقوق الانسان بغض النظر عن اي مبدأ التدخل بالشؤون الداخلية للدول ؟و للاسف الشديد , بخصوص محاسبة شناعة العمل الاجرامي ضد الانسانية للذبح الجماعي في كنيسة سيدة النجاة اكتفت المنظمة المذكورة باستنكار يتيم بجملة واحدة والتي لم تخص حمامات الدماء للابرياء من المسيحيين بشكل مركز ليردع او يقابل لنوع ومكان الكارثة بل شملت العراقيين اجمع , وبالتاكيد هذا ما نقوم به ايضا لان العراقيين مستهدفين بمختلف العناوين. مع ذلك, ترى , الم تتطلب المجازر الوحشية من دون اي سبب, فقط لانهم مسيحيين مسالمين وابرياء من كل ما يحدث من كر وفر بحق العراق؟ كذلك القتل المتواصل منذ 2005 في بغداد حيث هاجم مسلحين على موكب حماياتي و سياراتي خلال الواجب وهم في طريقهم الى مكان سكني حيث استشهد اربع ابطال من شباب حمايتي وذلك بعد نهاية مهامي الوزاري وهم نينوس وداني وجوني وماهر الخالدين من المسيحيين وجرح اثنان منهم و الى هذه الساعة لم تكشف الجريمة . كذلك الاختطاف و القتل والترحيل الجماعي في 2008 في الموصل والتحقيقات بقيت ولا تزال اوراقا للمساومات السياسية والمجرمين يتمتعون بكامل حرياتهم لا بل نجحوا وبقوة اكبر ليخططوا الى اقوى من ذلك بسبب انعدام الماءلة والمحاسبة, بالاضافة الى تهجير وقتل المسيحيين في مختلف مناطق بغداد وصولاً الى اكتراث جريمة الابادة الجماعية في كنيسة سيدة النجاة التي ان لم تكون اكبر مجزرة في 2010 فهي اكبر المجازر نوعية في البشاعة بالنظر الى عظمة براءة ضحاياها المصلين كهنة مع الاطفال والنساء والشباب والشيوخ من جانب وبشاعة تدنيس بيت الله مكان الصلاة , بدماء لا صلة لها بالانسانية من الجانب الآخر, الا تستحق هذه المسرحية الدموية الدراماتيكية الفريدة من نوعها مواقف اجرائية طارئة يعبر عنها بقرار اممي من قبل مجلس الامن الدولي لصالح حماية حقوق الانسان في العراق عامة وذلك بالتركيز على وضع المسيحيين منهم بغرض حث السلطات على اخذ جميع الوسائل لمنع الجرائم التي تمس بحياة المسيحيين سواء كان بتهجيرهم او بقتلهم و قياداتهم امثال القيادات الكنسية في الموصل كالمرحوم الشهيد المطران فرج رحو والكهنة من قبله كما من بعده والاختطافات المتواصلة .؟ هنا ثمة ما يشير اليه القول هو ان الاستنكار وحده لا يفي بغرض محاسبة الجريمة وبشاعتها بل المطلوب هو الاضطلاع بالمسؤولية الاممية بشكل محايد واللجوء الى الوسائل القانونية كتشكيل لجنة تحقيقة دولية للتحقيق بشان الجرائم المذكورة مجتمعة عبر قرار اممي لحث السلطات العراقية على العمل الفعلي لفضح ومحاسبة منفذي الجرائم وخاصة محاسبة من وراءها على العكس من الاستمرار والاكتفاء بالتصريحات والسياسات البعيد ة كل البعد عن الواقع والحقيقة . شهدت العمليات المتتالية بان انعدام الايمان بالعدالة كوسيلة للسلام والأمان أدى الى تكرار الجرائم ليس في مكان واحد بل في اماكن عديدة والمدن المختلفة ومنها بمسافات قليلة من الاشخاص المعتبرة مسؤولة في الدولة .
االسلطات العراقية منشغلة
أما القيادات وباشكالها في العراق لا يتفرغون لشؤون مجتمعهم بعد ,ها نقترب من سنة كاملة والسلطات العراقية تتناحر فيما بينها على المناصب والسيادة ؟ الى من يتوجه المواطن؟ العراقيون لم يعيشوا خبرة الديمقراطية والمطالبة بالطرق القانونية من ذي قبل. وحتى اذا حاليا تعلموا القيام بذلك على مستوى المجتمع المدني والشارع العراقي بشكل عام حيث بات هؤولاء يتمتعون بمستوى مقبول من حرية الراى والتعبير والفضل يعود الى اختيار الشعب العراقي للمسار الديمقراطي بغية تغيير حقيقي من دكتاتوريات الى ديمقراطية حقيقية تتطلب المزيد من التضحيات والصبر لتحقيقها عراقيا. لكن علينا ان نعلم جيدا لا يمكن ذلك بدون الاستفادة من خبرة الدول التي حققت مستوى مقبول من الديمقراطية. اما صعوبة تحقيق ذلك حاليا تكمن في حقيقة مهمة وهي العدد الكبير من القيادات العراقية من الذين في مختلف السلطات السياسية والدينية كما الذين في مختلف القنوات الادارية لا يزالوا بعيدون عن الاصغاء لمطالب الناس والاستجابة بالطرق القانونية التي تفرضها مباديء الديمقراطية. وهذه الصعوبة تاتي من انعدام الايمان حقا بالمباديء الديمقراطية بالرغم من قبولهم بها لانها وسيلة عن طريق انتخابات معظمها غير نزيهة يتم الوصول الى السلطة والتمسك بها بصرف النظر عن حق المواطنة ووضع المواطنين في الشارع. بينما المنصب الذي عادة يقابله المحاسبة هدفه قبل كل شيء هو عبارة عن قيادة عمليات تحقيق خدمة أمن وسلامة الآخرين بممارسة ما يعنيه الحرص على المال العام للصالح العام بممارسة سلطة القانون في الشفافية.
والحال , نرى العراق يحتل مكانا متقدما في الفساد الاداري والمالي ,ما يخل بحق المواطنين في المساواة وتكافؤ الفرص. كما ان المعروف عالميا هو ان الهدف الاساسي للمناصب هو ادارة عملية البناء و التطوير المشاريع المطلوبة للنهوض بالبلد. للاسف الشديد ها نحن في نهاية السنة الثامنة من تغيير النظام السابق و تسلسل البرلمانات والحكومات لكن عملية البناء لا تزال اشبه بالملغية, بدلا من ان تكون قد بدأت كاداة لتوفير الفرص للمواطن لدعمه في القضاء على البطالة المتفشية تجنبا لتورطه في اعمال رخيصة لا ينتج عنها الا المكروه والجريمة بانواعها . نستنتج من هذه الحقائق ان النجاح الامني مرتبط ارتباطا جوهريا ووثيفا بالتطور الاقتصادي .
أما الشرط الاساسي لتحقيق كل ما ذكرناه هو الايمان والحس بمعنى الصالح العام الموكل تحقيقه الى قيادات تدير وتعمل لايجاد الحلول السياسية وغيرها المطلوبة لممارسة الخدمة العامة في مصلحة المجموع تحت سيادة القانون وليس بدافع المصالح الخاصة الضيقة النظر والهدف.
وشكرا لحسن اصغائكم