محنة الرهائن والرسائل
في تسجيل فيديو تبنّى تنظيم "داعش" عشية عيد الأضحى، إعدام رهينة رابع بقطع رأس البريطاني العامل في مجال الإغاثة الإنسانية في سوريا والمدعو آلان هينينغ، وذلك ردّاً على إعلان القوة الجوية البريطانية تنفيذ عملياتها ضد تنظيم "داعش"، حسبما ورد في تبرير عملية الإعدام . ولم يكتفِ الإرهابيون بذلك بل هدّدوا بإعدام رهينة أخرى من الجنسية الأمريكية، وذلك بعد إعدام ثلاث رهائن بينهم صحفيان أمريكيان هما جيمس فولي وستيفن سوتلوف، إضافة إلى عامل الإغاثة البريطاني المدعو ديفيد هينز وعامل آخر في المجال الإنساني، يدعى بيتر كاسيغ .
وقال التنظيم في تسجيل الفيديو الذي يعلن فيه عن تنفيذ ذبح البريطاني آلان هينينغ إن هذه "رسالة أخرى إلى أمريكا وحلفائها"، وإن دماء هينينغ هي على "أيدي البرلمان البريطاني" الذي صوّت لصالح شن هجمات ضد "داعش" . والشريط الذي لا يستغرق أكثر من دقيقة وإحدى عشرة ثانية وباللغة الإنجليزية، يعلن سبب إقدام الإرهابيين على فعلتهم تلك، كما يظهر بعدها الضحية وهو راكع أمام جلاده الملثّم والمرتدي الزي البرتقالي الذي يذكّر بمعتقلي غوانتانامو، وحسبما تبيّن الصورة، فإن المنطقة التي يتم تصوير الحدث فيها هي منطقة صحراوية . أما آلة القتل التي يستخدمها الإرهابيون في مثل هذه الجرائم، فهي السكين الذي يلوّح به الجلاد لقطع رأس الضحية .
جدير بالذكر أن هينينغ يبلغ من العمر 47 عاماً، وهو متزوج من مسلمة في مدينة مانشستر ويعيش في حي أغلبيته من المسلمين، وكان يعمل سائق أجرة، وهو أب لفتيين بسن المراهقة، وتطوّع إنسانياً لإغاثة اللاجئين والنازحين السوريين . وقد تم خطفه من جانب جماعة "داعش"، بينما كان يقود شاحنة محمّلة بالمساعدات الإنسانية وهو متوجه إلى أحد مخيّمات اللاجئين السوريين .
إن الطريقة التي تتبعها "داعش" في قتل الضحايا تستهدف خلق حالة من الرعب والفزع الحقيقيين، خصوصاً وهي تتقدم في معاركها سواءً بالاستيلاء على مدينة هيت وجزء من محافظة الأنبار بعد وضع يدها على محافظة الموصل والاستحواذ على محافظة صلاح الدين، إضافة إلى أجزاء من محافظتي كركوك وديالى، مثلما تستمر في معاركها الطاحنة للاستيلاء على قرية "عين العرب" المعروفة بالكردية "كوباني" قرب الحدود التركية، بعد وضع يدها على مطار الطبقة والسيطرة على دير الزور والرقة . وعلى الرغم من شن غارات من الجو ضد تنظيم "داعش" وتدمير بعض عناصر قوتها، خصوصاً بعض مصافي النفط التي تستخدمها حيث تقوم باستخراجه وبيعه بطريقة غير مشروعة، إلا أنها لا تزال تحتفظ ببعض مصادر قوتها سواءً المالية أو التسليحية .
القتل يكاد يكون صورة طبق الأصل (فوتوكوبي) من أشرطة الفيديو التي استهدفت الضحايا الثلاثة السابقين، حين يظهر ديفيد هينز ويقف إلى جانبه رجل طويل ملثم ليقول بلكنة إنجليزية للضحية، وللعالم كلّه: إن دم ديفيد هينز بيد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أما مع آلان هينينغ الذي سيذبح، فإن دمه هو بأيدي البرلمان البريطاني، وهو الأمر الذي حدث بعد ذبح عامل الإغاثة الأمريكي بيتر كاسيغ حين خاطب الذبّاح باراك أوباما بقوله "أوباما أنت بدأت القصف الجوي على الشام، الذي لا يزال يستهدف أهلنا فيها، لذا سنستمر في ضرب رقاب أهلك" .
كانت ردود الفعل شديدة إزاء هذا العمل الإجرامي الذي وصفه رئيس الوزراء البريطاني "بالإعدام الوحشي"، وتعهد بمحاسبة القتلة، وهو يظهر الهمجية التي بلغها الإرهابيون، حيث سبق إعدام هينينغ وتصويره بهذه الطريقة السادية المرعبة، إعدام الصحفيين الأمريكيين جيمس فولي (19 أغسطس/ آب 2014) وستيفن سوتلوف (2 سبتمبر/ أيلول 2014) إضافة إلى عامل الإغاثة البريطاني ديفيد هينز (13 سبتمبر 2014) .
وقد أدان مجلس الأمن قتل الرهينة البريطاني وطالب بمعاقبة المسؤولين، ولفت الانتباه إلى تعاظم الخطر اليومي المحدق بعمال الإغاثة الإنسانية، ونوّه إلى ضرورة استخدام كافة السبل في إطار حفظ السلم والأمن الدوليين، وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر قراراً برقم 2170 في 15 أغسطس/ آب 2014 دعا فيه إلى تجفيف منابع الإرهاب القاضي بوقف مصادر إمداداتها وتحريم التعاون معها وملاحقتها، علماً بأن هذا القرار صدر ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص باستخدام العقوبات الدولية ابتداءً من أدناها وحتى أرقاها، وصولاً إلى استخدام القوة المسلّحة .
وبعد هل ستؤدي عمليات القصف الأمريكية إلى القضاء على تنظيم "داعش"؟ وكم تحتاج من الوقت؟ خصوصاً وأن الرئيس أوباما قال إنها قد تستغرق ثلاث سنوات، وفي تصريحات أخرى قد تمتد إلى عشر سنوات، وقد قال وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا إنها قد تحتاج إلى 30 عاماً ملقياً باللوم على الرئيس أوباما . وقد سبق للرئيس جورج دبليو بوش أن أعلن حربه على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول الإرهابية التي حصلت في الولايات المتحدة العام ،2001 وشن الحرب على أفغانستان واحتل العراق، لكن الإرهاب وبعد نحو عقد ونيّف من الزمان لم ينته، وأن تنظيم "القاعدة" فرّخ عشرات التنظيمات، وإن خطر "داعش" وما يملكه من مؤهلات وأموال أكبر بكثير من خطر "القاعدة" .
وإذا كانت قرارات مجلس الأمن لم تفلح من ملاحقة الإرهاب والإرهابيين والقضاء عليهم، فهل ستستمر معاناة العراقيين والسوريين عقداً آخر من السنوات أو ثلاثة عقود كما يبشر البعض، علماً بأن الإرهاب ستنتقل عدواه إلى بلدان المنطقة سواء، اليمن حيث ينتشر السلاح فيها على نحو مروّع، لاسيّما بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، فضلاً عن احتمالات انتقاله إلى بعض البلدان الأخرى، فضلاً عن تجدّده في مصر باسم "أنصار بيت المقدس" . ليس هذا فحسب، بل إن الإرهاب يكاد يكون مقيماً في بلدان المغرب العربي، فقد عانته الجزائر لأكثر من عقد من الزمان، ولا يزال الإرهاب يطل برأسه في تونس وكذلك في موريتانيا والمغرب بين الحين والآخر، أما ليبيا حيث لا توجد دولة وتتقاتل المجاميع المسلحة، فإنه يمكن أن يؤدي إلى تفتتها وتشظيها، وهكذا تنتقل عدوى الإرهاب بسرعة خارقة .
والسؤال الآن: إذا كان عدد الرهائن الآن محدوداً ولم يمتد الإرهاب بعد إلى أوروبا، وإن العالم استنفر لقيام تحالف دولي ضمّ أكثر من 40 دولة، فماذا لو انفجر الوضع، وامتد الإرهاب والعنف إلى أوروبا وأمريكا؟ لعل مثل هذا السؤال الكبير هو الذي يقف خلف شعور المجتمع الدولي بمسؤولياته إزاء مكافحة الإرهاب وإنقاذ الرهائن، وهو لا يحتاج إلى عمل عسكري من الجو وعلى الأرض فحسب، بل يحتاج إلى علاجات طويلة الأمد تقوم على مبادئ العدل والمساواة ومحاربة الفقر والجهل والتخلف وإحداث تنمية متوازنة، وتلك إحدى أهم الرسائل الأساسية على صعيد كل بلد وعلى المستوى العالمي .
جريدة الخليج الاماراتية، الاربعاء 15/10/2014