ليس بالقبلات وحدها نتجاوزالازمات
نـــــزار حيدر متحدثا لصحيفة (البينة الجديدة) البغدادية:
توطئة:
شغلت مبادرة السيد عمار الحكيم، وما تبعها من محاولات التهدئة بين الفرقاء السياسيين، الساحة العراقية بشكل كبير، فبين متفائل ويائس وثالث لامبالي، انقسم الشارع العراقي ازاء هذه المبادرة وتداعياتها.
صحيفة (البينة الجديدة) البغدادية حاورت نــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، وسالته عن المبادرة وعن قضايا الساعة والساحة، فكان هذا الحوار، الذي اجراه الزميل حسين رزاق:
السؤال الاول: المثلث السوري التركي العراقي، ما هو الرابط بينهم؟ وكيف ستؤثر الاحداث التركية على الواقع العربي؟.
الجواب: للاسف الشديد فان الرابط بينهم اليوم هو الدم المسفوك ظلما وعدوانا، والتدمير والطائفية.
كان يمكن ان يلعب هذا المثلث دورا ايجابيا عظيما، ليس في المنطقة فحسب، وانما في المجتمع الدولي كذلك، لو لم يركب الاتراك عقولهم، فينسوا او يتناسوا الظروف الصعبة التي تحيط بالمنطقة بشكل عام.
والمشكلة دائما هي نفسها، حاكم لا يتعلم من اسلافه، وسلطان يسعى لاعادة امجاده على حساب دماء الاخرين وارواحهم وحياتهم وسعادتهم ومشاريعهم السياسية، ونظام سياسي يطغى {ان رآه استغنى}.
فلو كان الاتراك قد تعلموا من دروس العراق وسوريا ومصر وغيرها لما لعبوا مثل هذا الدور السئ في المنطقة، وتحديدا في سوريا وقبلها العراق، الا ان الغرور والجهل اصابهم في مقتل، وها هم اليوم يحصدون ما زرعوه، والقادم اعظم، على الرغم من قناعتنا التامة بان المنطقة لا تتحمل ازمة جديدة، ولكن (وما حيلة المضطر الا ركوبها) فعندما يولغ الاتراك بدمائنا، لا ننتظر الا سنة الله تعالى في خلقه.
لقد ظن السيد اوردغان ان للغرب صداقات دائمة وعداوات دائمة، وهذا من اخطر علامات الجهل والعوق السياسي، فالغربيون لا يهتمون بمصالح الاخرين اذا ما تعارضت مع مصالحهم، كما انهم لا يدافعون عن مصالح الغير اذا كان هذا الغير لا يعرف كيف يدافع عن مصالحه.
اتمنى على الاتراك ان يفهموا اللعبة اكثر فاكثر، وان يبحثوا عن مصالحهم قبل ان يبحثوا عن مصالح غيرهم، وتحديدا هنا نظام القبيلة الفاسد الحاكم في منطقة الخليج، وليتيقن الاتراك بان هذا النظام الى زوال، قريبا باذن الله تعالى فلقد وصل حد ظلمهم وجبروتهم وطغيانهم مدياته الاخيرة، وان الدماء الغزيرة التي تراق اليوم في مختلف مناطق العالم العربي والاسلامي بسبب سياساتهم الهمجية وفتاوى فقهاء البلاط المحتمين بهم، والتي تحرض ليل نهار على الحقد والكراهية والغاء الاخر وتدميره وعلى الطائفية، سوف لن تذهب سدى، وقديما قيل (ان الله يمهل ولا يهمل) وان موعدهم الصبح {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}.
السؤال الثاني: هل ستحقق مبادرة السيد عمار الحكيم غاياتها المنشودة؟ ام انها ستمر مرور الكرام؟.
الجواب: برايي، فان السيد عمار الحكيم انجز الذي عليه وبقي على الاخرين ان يتحملوا مسؤولياتهم، فيتابعوا المبادرة الى النهاية، من اجل ان يلمس الشارع العراقي آثارها الايجابية باذن الله تعالى.
ولكن...
انا اعتقد بان المبادرة، اية مبادرة، بحاجة الى ان تستحضر مشروعها وهدفها وادواتها، من اجل ان تحقق الغرض المنشود منها، فحفلة القبلات وموائد الطعام العامرة ورفع الايادي المتشابكة، ان كل ذلك لا يغير من الواقع المرير اذا اكتفى المحتفون بالتقاط الصور التذكارية وبهذه الاستعراضات البهلوانية التي تعود عليها العراقيون، والعرب عموما، فلكم شاهد المواطن العراقي والعربي، وعلى مدى عقود طويلة من الزمن، مظاهر الايادي المتشابكة التي تجمع الزعماء او المسؤولين؟ فماذا انتجت؟ انها لم تنتج الا المزيد من المؤامرات وعمليات التصفية السياسية بين الانظمة، وما نراه اليوم ونلمسه من الدور القذر الذي يلعبه نظام القبيلة الفاسد الحاكم في دول الخليج، بعد كل تلك الاستعراضات البهلوانية التي طالما قدمها لنا الزعماء بعد كل اجتماع قمة، الا دليل بسيط على ما نذهب اليه.
اذا اريد للمبادرة ان تحقق غاياتها، فيلزم ان يتحاور المعنيون بها بكل صراحة ووضوح، وان يؤشروا على نقاط الخلاف واسباب الازمة بلا مجاملات، ليضعوا لها الحلول المناسبة، بعيدا عن لغة الانشاء المفرط واللف والدوران، والاستغراق في الحديث بالهوامش، لان ذلك يضيع على المبادرة اية امكانية للنجاح.
اتمنى على السياسيين في هذه المرة ان لا يخيبوا ظنون العراقيين، فيحترموا انفسهم اولا وتعهداتهم وامضاءاتهم ويحتفظوا بصورهم وهم يشبكون اياديهم المرفوعة امام عدسات الكاميرا، ليحققوا ما يتمناه الشارع العراقي، فيتفقوا ويتفاهموا وينجزوا المشروع السياسي الوطني، الآمن والمستقر، من خلال التفكير الجدي بكيفية تحقيق الشراكة الحقيقية، فذلك هو الكفيل بان ينجز للعراقيين استقرارا امنيا ونهضة عمرانية وتنمية مستدامة وتاليا حياة حرة كريمة، خاصة وان الجميع ادرك جيدا بان الخلافات لا تنفع بشئ احدا.
السؤال الثالث: مسألة الاعتصامات في المناطق الغربية، هل من نهاية لها من وجهة نظركم؟.
الجواب: اكيد ان لها نهاية، فللناس مصالحهم ومعائشهم ومكاسبهم التي يجب ان تدوم بشكل او بآخر.
وانا اعتقد بان على السياسيين والمعتصمين ان يساعد بعضهم البعض الاخر لوضع نهاية لهذه الاعتصامات، ولا يمكن تحقيق ذلك اذا ظل كل طرف متمسكا بموقفه، او استمر تاثير الاجندات الخارجية على منصات الاعتصام، كما اتضح ذلك للمعتصمين انفسهم قبل غيرهم، وبالتجربة العملية.
ان على المعتصمين ان يفهموا جيدا بان مصالحهم لا تتحقق الا من خلال التفاعل الايجابي مع العملية السياسية، وان كل من هو خارج الحدود لا يفكر بمصالحهم مقدار نقير ابدا، انما هو يحاول ان يوظفهم لصالح اهدافه السياسية التي تصب كلها، وبلا استثناء، في خانة الجهود التي يبذلها نظام القبيلة الفاسد الحاكم في دول الخليج من اجل تدمير العملية السياسية الجديدة في العراق.
على المعتصمين ان يعوا جيدا بان مصالحهم في العملية السياسية، وان مصالحهم مع الحوار والنقاش الهادئ والتفاهمات السياسية التي يلزمهم ان لا يتوانوا عنها حتى تحقيق آخر مطاليبهم الدستورية والقانونية، اما تلك التي تتعارض والدستور، فان عليهم ان يتركوها جانبا، لانها تضر بهم قبل ان تضر بالعراق.
عليهم كذلك الابتعاد عن العنف وبكل اشكاله، وعليهم ان يطردوا كل من يرفع شعارا طائفيا او عنصريا او كل ما من شانه ان يزرع الفتنة والحقد والكراهية في المجتمع العراقي، من صفوفهم، ولقد راينا كيف ان كل الفقهاء الواعين والمعتدلين، ومن مختلف الاديان والمذاهب، افتوا بحرمة مثل هذه الشعارات والنداءات، ولذلك فان على المعتصمين الابتعاد عن كل ذلك، ولتبقى اعتصاماتهم سلمية ودستورية وعقلانية وواقعية.
كما ان على مؤسسات الدولة العراقية ان تتعامل بكل ايجابية مع المطاليب الدستورية لكل مواطن عراقي سواء ممن يشارك في الاعتصامات ام لم يشارك، بل ان على مؤسسات الدولة ان تبادر الى حل مشاكل المواطنين وتحقيق اهداف المجتمع وانجاز تطلعات الشارع حتى قبل ان يظطر المواطن للحديث عنها، فضلا عن التظاهر والاعتصام من اجل انتزاعها من الدولة.
السؤال الرابع: الربيع العربي ورياح التغيير، هل انتهت؟ ام انها لازالت قائمة لتشمل كل الدول العربية؟.
الجواب: سمه ما شئت، فان التغيير سيكنس مخلفات كل النظام السياسي العربي الفاسد بلا استثناء، وكذلك ما يرتبط به من مؤسسة دينية فاسدة واعلام طائفي وعنصري فاسد، وبترودولار فاسد.
واذا تاخر بعض التغيير او تاجل في هذه الدولة او تلك فهذا لا يعني بانه الغي ابدا، لان العالم في تطور مستمر ومتسارع والنظام السياسي العربي الفاسد ومخلفاته غير قادر لا على التطور ولا على مواكبته، ولذلك لابد من تغييره ان عاجلا ام آجلا، فلقد ملت شعوبنا النظام الشمولي، كما انها ملت التمييز، فالى متى يظل المواطن في بلداننا من الدرجة الثانية وللامير، وهو في بطن امه، كل الامتيازات والخيرات؟.
على شعوبنا ان تتحلى بالعقلانية في عملية التغيير حتى لا تركب ظهرها القوى المعادية وفقهاء الضلال.
9 حزيران 2013
http://www.albayyna-new.com/news.php?action=view&id=23228