كلمة منظمة الأٌقليات العراقية لمؤتمر حمورابي حول مستقبل الوجود المسيحي في العراق
تحية المحبة والسلام والتآلف علينا جميعًا،
باسم منظمة الأقليات العراقية (مجلس الأقليات العراقية سابقا)، نحييكم ونحيّي مؤتمركم متمنين لكم النجاح في أعماله من أجل تحقيق الأهداف المبتغاة لمنظمتكم في نقل الحقيقة وتوضيح ما يمكن أن يكون عاملاً مساعداً في العودة الميمونة لملايين العراقيين الذين اضطرّتهم ظروف متنوعة ومتشعبة لترك أرض الوطن والتيه في مشارق الدنيا ومغاربها بحثا عن شئ ثمين افتقدوه، اسمه الأمان والحرية والكرامة الإنسانية.
إن السنوات العجاف التي مرّت على أبناء العراق منذ سقوط النظام الملكي ولغاية تاريخ اجتياح المحتل الأميركي لأرضنا وتدنيسه لطبيعة العلاقة التعايشية الطيبة بين أطراف النسيج العراقي قاطبة، قد عملت عملها السلبي في عدم طمأنة المواطن على مستقبله ووضعت قدرَه على المحك. بل إن السلوكيات السلطوية للأنظمة المتلاحقة لغاية الساعة، لم تسعى قيد أنملة لسدّ هذا العوز الملحاح في رؤية الوطن بأيدي أمينة توفر لشعبه الأمان والسلام و تيسّر لأبنائه ما يحتاجونه من الخدمات اليومية الإنسانية ولو في أدنى درجاتها.
إن الأقليات العراقية، التي ارتأت أن تنضوي تحت لواء منظمة الأقليات العراقية منذ عام 2005 لدى تأسيسها رسمياً، ما تزال تشكو وتستغيث وما من مجيب أو منصف أو حتى مهدّئ للخواطر ، للمساعدة في طمأنة من فقدوا الأمان والثقة بالنظام الجديد في العراق. أقولها وبكلّ صراحة، لقد خسر النظام الجديد، الكثير من روّاده ومريديه بسبب ضياع المؤتَمنين على العرض والمال العام والحرية والإنسانية من المتسلطين حالياً، في متاهات السلطة والفساد وحصاد المنافع الفئوية الضيقة، تاركين سحابة أبناء العراق ضحايا للعنف المستشري والتمييز والتهميش المتعمّد في سلوكٍ إقصائيٍّ مقيت لكل من لا ينتمي إلى هذا الحزب المتسلط أو ذاك، أو هذه الكتلة المتنفذة أو تلك. ما هكذا تُساق الإبل أيها السادة، ورفقاً بالمستضعفين من أبناء الرافدين وبالأخص تلك الحلقات الضعيفة من أبناء الأقليات عامة والمسيحيين جزء مهمٌّ منهم.
إن منظمة الأقليات العراقية ما تزال تنظر بعين القلق والريبة إلى الكثير من الممارسات غير النظامية وغير الإنسانية وغير الديمقراطية التي يتعرض لها أبناء الأقليات. والأدلة على ما نذهب إليه كثيرة وهي تتجسّد يومياً في تلك الأعمال الإرهابية التي ما تزال تستهدف أبناءها ومؤسساتهم في طول البلاد وعرضها. ناهيك عن المضايقات اليومية والحياتية في الترهيب حيناً والترغيب أحياناً أخرى من أجل فرض أجندة معينة على فئة من الأقليات في مناطق تواجدها الأصلية ، بهدف طمس هويتها أو إضعاف شكيمتها في الدفاع عن حقوقها وفي العيش بحرية وفق مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية التي تفرضها سلوكية المواطنة الحقيقية.
إن موضوع عودة اللاجئين في الخارج هو الأعزّ على قلوب البعيدين قبل القريبين، ونحن نقرّ أنه الأصعب في ظلّ حالة اللاإستقرار واللّاسلم واللّاأمان التي ما تزال قائمة في عراقنا الجريح لأسباب عديدة ومنها على وجه الخصوص، نظام المحاصصة البغيض والتوافق الوطني الفاشل الذي كرّس وقدّس كلّ شيء لمثلث سلطوي معطّل للقرارات والقوانين، بحيث لا السلطة التشريعية تعرف واجباتها ولا القضائية تسير في موازاة العدالة الاجتماعية ولا التنفيذية تستطيع أن تؤدي أعمالها كما يجب وتطبق برنامجها كي يتبصّر الشعب العراقي في مصداقيتها ويقيّم أعمالها ويحكم على فعالها.
إن جموع اللاجئين والمهجَّرين والمهاجرين التي غادرت غالبيتُها مضطرّة أرض الآباء والأجداد، لن تفكر في العودة إلى أحضان الوطن إلاّ بعد الاطمئنان دستورياً وقانونياً على تحقيق مبدأ المواطنة بصورته الصحيحة بالاعتماد على المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع أطياف الشعب العراقي دون تمييز، وليس وفق نظام المحاصصة الطائفي والإثني والمذهبي المعمول به حاليًا. لقد اعترف الجميع تقريباً، بمن فيهم قياديون في الكتل السياسية الحاكمة ومنها الدينية على وجه الخصوص، بفشل نظام المحاصصة الذي فرضه الغازي المحتل وصفّقت له الكتل السياسية الكبيرة من أجل تحقيق مآربها في دبمومة السلطة والمال والجاه في أيديها إلى ما تشاء.
إن رسالتنا، نحن أبناء الأقليات هي رسالة ودٍّ ومحبية وتعايش. هي رسالة وطنية نابعة من رحم أرض الرافدين الخالدين اللذين اقتربا من الجفاف بسبب الإهمال والتطاحن الطائفي وفقدان الاتزان السياسي المرتبط بأصول الحياة الديمقراطية العصرية التي قبل بها العراقيون بعد سقوط النظام السابق. هي رسالة وحدة للتراب العراقي الكامل وليس باتجاه الانفصال وتقسيم المقسوم وتجزئة المجزّأ، وفق أجندات خارجية وداخلية مشبوهة لا تمت للأخلاق العراقية الأصيلة.
كلّ ما نريده ويريده الشعب العراقي هو التمتع بحياة إنسانية، متمدّنة، وطبيعية تكفل له قوته اليومي وأمنه وسلامته. ولا ننسى أن البلد الرغيد والشعب السعيد هو من تمتعت المكوّنات القليلة العدد أي الأقليات بكامل حقوقها الوطنية التي يكفلها لها الدستور والقوانين الوضعية. وفي بعض البلدان تحظى الأقليات بحقين، حقٌ كامل في المواطنة الاعتيادية وحقٌ إضافي حكوميٌ تقدّمه الجهات الحاكمة لكسب ثقة هذه الشرائح.
إننا إزاء عتبة جديدة من الحراك السياسيّ الذي يمكن أن يغيّر صورة الواقع العراقي فيما لو التزمت الكتل المتقدمة للانتخابات التشريعية المقبلة بروح المواطنة الصادقة بعيداً عن التأثيرات الدينية والمذهبية والفئوية الضيقة. وهذا ما لمسناه إعلامياً فقط في البرامج السياسية للكتل التقليدية التي آثرت تحسين صورتها بالانقلاب على الصبغة الدينية والإثنية لأحزابها وتغييرها باتجاه الوطنية. إلاّ أنها في الواقع، ما تزال تتحدث وتتعامل عملياً وفق ذات المنطق القديم. إننا نعتقد أن هذه التخريجات الشكلية وغير الصادقة، سوف لن تُخرج البلاد من مشاكله الكثيرة ولن تنقذ الوطن وأبناءه من مخلّفات الجهل بالسياسة الوطنية التي نريدها مبنيةعلى إقامة مشروع الدولة المؤسساتية الحديثة الحريصة، مشروع دولة القانون بكل ما يعنيه هذا المصطلح، وليس دولة كيانات وكانتونات متصارعة من أجل مصالح مذهبية وفئوية وحزبية ضيقة لاتخدم المصلحة العليا للوطن.
إن ما يجري خلف الكواليس من مساومات ومزايدات على حساب المصلحة العليا للوطن، لا يمكن أن يساهم في قرب التخلّص من وزر هذه الأفكار والسياسات غير المجدية التي تؤخر في عودة الأمان والسلام والطمأنينة للمواطن في الداخل كما في الخارج. وإلاّ كيف نترقب عودة المهاجر والمهجَّر من دون أن يتلمّس بوادر تحقيق مصالحة وطنية وبناء ما دمّره الإرهاب بالتعاون مع عملاء مشاركين في السلطة دون تحديد الجهات.
لقد شعر أبناء الأقليات ممّن اختاروا بلدان المهجر أماناً لحياتهم و صوناً لكرامتهم، شعروا أنهم كانوا دوماً في حقل التهميش والإقصاء والإبعاد من الحياة السياسية العراقية بعد السقوط ، وذلك بسبب سياسات المحاصصة التي نزلت حتى الوظائف الدنيا بحيث خلت العديد من الدوائر المهمة من كفاءات مهنية ووطنية بعد إحلال المتقاعسين وغير المؤهلين مكانهم. إننا نريد أن يبقى العراق لوحة فنية متكاملة الصور والألوان الزاهية من خلال تعزيز مبدأ المواطنة وتحقيق نظام العدل والمساواة والكفاءة في الحياة اليومية المعتادة كي يشعر الجميع أنهم أبناء هذا الوطن، ولا خير أو ميزة لأحد على حساب الآخر إلاّ في الكفاءة والولاء للوطن وأرضه وأهله. هذه هي الشراكة الحقيقية التي نتوخاها في الحياة السياسية في البلد، وحينها فقط سيفكر المهجَّرون أن لهم مكانة في بلدهم الذي تركوه صاغرين مضطرّين.
فلنعزّز إذن، من هذا النسق الوطني المأمول، من أجل إعادة خلق شعبٍ جديد في سلوكه الاجتماعي والسياسي والمهني والثقافي بعد أن اغتالته يد الغدر الجاهلية وقتلت فيه روحه التعايشية المتأصلة في نسيجه منذ قدم التاريخ، فما طالنا دخيلٌ علينا تماماً وليس من أخلاقنا وأصالتنا العراقية. ولابدّ من أن تنقشع الغيوم السوداء ويظهر الحق، فيعود الأهل والأحبة إلى أرض الآباء والأجداد، وهم أعزّاء مكرّمين في بلدهم وليس غرباء مشتّتين.
لويس إقليمس
منظمة الأقليات العراقية
بغداد، في 11 كانون أول 2009