Skip to main content

أخبار و نشاطات

غبطة البطريرك ساكو في رسالة للمسلمين: الغلو الديني و التكفيري الظلامي خطر علينا و عليكم

غبطة البطريرك ساكو في رسالة للمسلمين: الغلو الديني و التكفيري الظلامي خطر علينا و عليكم

تلقت شبكة نركال الإخبارية نص الرسالة التي وجهها غبطة البطريرك لويس روفائيل الأول ساكو للمؤتمر الذي نظمه مركز الملك عبد بن عبد العزيز العالمي للحوار بين الديانات و الثقافات و الذي انعقد في فيينا 18-19 تشرين الثاني 2014 و لأهمية الحقائق و المعلومات و التشخيصات التي جاءت بها رسالة غبطة البطريرك ساكو ننشرها على موقع نركال الإخباري.

إلى الإخوة والأخوات المسلمين في كل مكان،

أحييكم بسلام الإخوة الإنسانية وما نؤمن به من قيم مشتركة وبعد،

حرصًا مني بألا تكون مأساتنا مجرد تحصيل حاصل؛ وانسجامًا مع تطلعات الكثيرين بأن نعمل لئلا نرزح جميعا تحت مسؤولية جعلها طيّ النسيان؛ وبثقة وطيدة أن الشعوب تصنع الحياة وتوجه الرأي العام لاحترام تطلعاتها؛ أتوجه إلى اعتدال شريحة كبيرة من المسلمين في سائر بقاع الأرض؛ أخاطبكم بصراحة، حاملا بكفيّ خارطةً داميًة لشرقنا ولعراقنا الجريح، وهو اليوم، كما كان عبر عصور، محط انتباه العالم، ولكن في منعطف تاريخي غير مسبوق ولا يشرّف مسبّبيه.

أودّ بهذا أن أعبر لكم عن مدى ألمي وألم أخوتي المسيحيين أمام محنتنا، ولأناشد ضمائركم ليعمل كل منكم، أي شيء لتحرير بلدات مسيحيينا التي قطنوا فيها منذ عصور ولاسترجاع أملاكهم وحقوقهم. أتوجه إليكم من هذا المنطلق، ليقيني أن رسالة الحض على الإصلاح، هي رسالتكم انتم الغالبية المعتدلة. ولست بعيدًا عن الواقع، إذ أؤكد لحضراتكم أن للحلّ الجذري أن يأتي منكم، فهو من الداخل وليس من الخارج.

لعلّكم بحسكم الإنساني انصدمتم معي أمام العمل البربري الذي تسارع في الموصل وبلدات سهل نينوى بشأن المسيحيين والايزيدين والأقليات الأخرى، وكيف أرعِبوا واقتلِعوا في ليلة ليلاء من بيوتهم واجتــثوا من أرضهم وأرض أجدادهم دون ان يتمكنوا من حمل شيء معهم مواجهين منذئذ وحتى الآن المجهول المظلم.

ولما كانت تجمعنا مثل إنسانية، لا بدّ من الإشارة إلى أن ثمة شريعة عليا، محفورة في قلب كل إنسان، تفرض نفسها مع كل أب يحمل بين ذراعيه طفله الرضيع، وكل إنسان يلقى إنسانًا آخر يتعذّب أو يحدق به خطر. هذه الشريعة تسمى محبة القريب او الجار، وخصوصا الأضعف والأصغر.

ومن ثم فإن الجرائم التي اقترفتها داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) والتي تعتبرها قانونية وشرعية في الواقع أنها تتنافى مع القواعد الأخلاقية والإنسانية.

هذه مناشدة وجدانية في سبيل تعاملكم المسؤول مع واقع عدم وجود اهتمام يذكر من قبل الدولة، ناهيك عن عدم التحرّك الجدّي للمجتمع الدولي لتحرير الموصل وبلدات سهل نينوى وتمكين الناس من العودة إلى بيوتهم، وبما يشير بالبنان إلى المهمة المطلوبة لتعرية ينابيع إقليمية ودولية، تتدخل بنحو محسوب يضمن بقاء الخلايا القاتلة. إننا نودعكم قلقنا بقدر حرصنا على اعتدالكم؛ فلسنا فقط قلقون أمام ضعف الأمل بعودة قريبة إلى بلداتنا، مما يدفع الناس، والحال هذا، إلى الهجرة إلى أي مكان يوفر لهم الأمان؛ولسنا فقط قلقون أننا قد نبقى قطعة في ذاكرة التاريخ تستدرّ عطف اليونيسكو للحفاظ على ذكراها للتاريخ وحسب؟

بل إننا في خضم هذا القلق، ندعوكم إلى الاضطلاع بمسؤولية التفكير بمأساتنا والضغط كل من جهته لعمل شيء لتحصين الأمن والاستقرار لتتواصل الحياة الطبيعية للمواطنين وليتقدم البلد بنا جميعا.

وإن منطلق مسؤوليتكم المشتركة تجاهنا، هو الحذر كل الحذر، ان تنامي الغلو الديني والتكفيري  الظلامي خطر علينا وعليكم! لا تنسوا ان المسيحيين اصيلون في هذه الارض وانهم ساهموا كثيرا في الثقافة العربية. فنهيب بالعرب اليوم ان يخرجوا بموقف مشترك ضد التطرّف، في تحالف نحو حلّ سلمي يعتمد اسم التحالف العربي، لينفض الغبار عن أي مسؤولية تجاه هذه النكبة بحق الإنسانية وتستهدف مبادئكم الدينية. فالتطرف في كل مكان، ولا مناص من اعتماد الاعتدال والوسطية ورفض الفكر التكفيري الظلامي والارهاب باسم الدين، ومقاومته.

نناديكم أن ترفدوا بالمزيد من المدد نخوة علماء الدين، ليهبّوا هبّة رجل واحد، فيتعملقوا بالردّ على مقولات داعش ودحض حججها الفقهية وشجب ممارساتها الشنيعة، والاعلان بصوت واحد أن فكرها آفة انسانية.

وننتخي، في هذا المقام، المؤسسات التعليمية في نشر ثقافة منفتحة ومعتدلة تحترم التنوع وتقدم صورة موضوعية عن الاخر المختلف تتميز بالاحترام وتؤمن بالمساواة للجميع والعيش بحرية وكرامة.

إن الصمت لا يليق بكم لان داعش واخرين سيوجهون مزيدا من الضربات التشويهية إلى الإسلام. حرام ان تفسحوا المجال امامهم فيتصور الناس ان الإسلام مصدر خطر على السلام العالمي. ثقتنا كبيرة بانكم ستتحركون قبل فوات الاوان لئلا يضرب تسونامي جديد المنطقة فلا يبقى ولا يذر.

إننا نتطلع الى اليوم الذي فيه يحرم المسلمون رسميا وعمليا، الاعتداء على كل انسان بريء مسلما كان او مسيحيا، مؤمنا او غير مؤمن، فالمجازاة والعقاب بيد الله وحده.

 

+   لويس روفائل الأول ساكو

     بطريك بابل على الكلدان