خطأ التعميّم في حيّاتنا
لماذا لا نمتلك ثقافة النسبية (النسبي) في كلامنا وأحاديثنا، بدل من ثقافة التعميم (المُطلق)؟
ونحن أيضاً هنا بدورنا عندما نُجيب سوف لنْ نُعمم السؤال على الجميع، وسنقول سؤال يطرح من قبل البعض، يسأل لمْا يُعمّم البعض الموضوع السلبي على الجميع بدل من تنسيبه إلى الشخص الذي أرتكبهُ، أو إلى المجتمع الذي برزتْ الحالة فيه؟ فهل هو ظاهرة من الظواهر الكثيرة الموجود في بعض المجتمعات؟ أم هو أسلوب يُمارس من قبل البعض لانتشار هذه الثقافة وبقصد إساءة السُمعة فقط؟ أم هو كنوع من تصفية الحسابات بين البشر لأسباب تخصهم؟
ما هو التعميم Circular ؟
التعميم: يقصد به إصدار حكم أو قرار بدون دليل أو برهان، وتعني أيضا نشر الأحداث والمواقف على مساحات أخرى غير مساحتها الفعلية والواقعية التي حدثت فيها، ويُعطيها حجماً أكبر من حجمها الذي تحتملهُ وتسمى عادة (القفز إلى الخاتمة). وهي غالباً ما تحدث في مجتمع من المجتمعات أو بين الأفراد أو حتى البلدان، ظاهرة أو حالة سلبية ما يقوم بها البعض ويكون لها تأثيرها السلبي وصداها في المجتمع. فنجد الأغلبية من الناس تأخذ تلك الأمور بالجملة وتُعممها وتنشرها وترددها بين عامة الناس دون الالتفات إلى التفاصيل أو الأسباب والمُسببات والمُبررات التي دعتْ إلى نشوءها أو الأشخاص المُسببين المُحددّين فيها. مُسببة بتعميمها السلبي هذا في اختزال الإنسان والشعوب والخبرات والثقافات والتواصل مع الشعوب الأخرى.
فنجدهم يسارعون إلى التحليل والتصنيف والمزايدة والتحجيم والتنسيب والتضخيم، غير عابئين بما قد تسببهُ تلك الأحكام الصادرة منهم من آثار سلبية على المعنيين وعلى المجتمع بكل شرائحهِ. فبدل من إن نحكم على موضوع ما أو شخص ما نتيجة ذلك الفعل، نجد إننا قد حكمنا على الآلاف من البشر نتيجة فعلة ذلك الشخص أو تلك الظاهرة. فلو تكررتْ حالات من السرقة أو القتل في مجتمع ما، نلاحظ جرّى التعميم على المجتمع بأكمله وإن جميع أهله سُراق! أو بائعي مخدرات أو قتلى ومجرمين!
وأيضا إذا أرتكب شخص ما خطأ أو أثم ما، نلاحظ أنتساب فعلتهِ تصل إلى جميع أفراد أسرتهِ ويصفونها حسّب ما أرتكب ذلك الشخص وبأنهم جميعاً هكذا! ومن ثم إلى المجتمع ككل وهذا أسلوب خاطئ وتصرف غير لائق! (كلٌ من وجهة نظره ِوقناعتهِ وما يصادفهُ).
ناس فرضتْ كلمة (الكل أو الجميع) بدل كلمة (البعض)، فقط لها الظاهر والذي تسمعهُ بإنفرادية وتروج لهُ بكل طاقتها، قبل أن تتأكد منهُ، ناس تأخذ الأمور بظواهرها، وتصدر أحكامًا مُسبقة وهي لا تعلم مدى نسبة مصداقيتها، وإن كان الحكم الصادر فيها عادلاً أم جائراً وبعض الناس يستأنسون بهذا ! وكمْ وكم من الناس لا يعكس مظهرها ما تنطوي عليها ذاتهُا من صفات.
فظاهرة التعميم في الحكم وخاصة مثلما قلنا إذا كان الموضوع سلبياً، أصبح جزءاً من شخصيتنا نرددهُ يوماً بعد يوم، وينتج عنهُ نظرة تشاؤمية للحياة، فالشخص عندما يحكم بالتعميم عليهِ أن يحكم على اللحظة فقط وما حدث فيها بالضبط، وليسَ على الحياة كلها أو المجتمع كلهُ. فكل من يلجأ إلى هذه الظاهرة يملك قصر النظر وقلة الخبرة بالأمور وبالحياة وبالأشخاص، غير مُدرك بأن فعلتهِ هذه ستُسبب الأذى للآخرين وتؤثر عليهم وعلى نفسيتهم!
وهذا هو أحد الأبعّاد النفسية السلبية للبشر، والذي يختلف معناه بين المفهوم الأصح والغلط وهو من الطرق الخاطئة التي يسعى البعض إليها، وللأسف دائماً يؤدي إلى نتائج غير مرجّوة، ويجعل حياة الإنسان حياة تعيسة، فلمُجرّد موقف بسيط مع شخص ليس معناه إن الجميع يكرهونك، وفشل بسيط في الحياة لا يعني أنك شخص فاشل وكل حياتك ستكون فاشلة على العكس، يجب دائما أن لا نخلط كل المواقف ببعضها أو نُعممها، أو نُحمل أخطاء البعض للبعض الآخر، ونضعهم جميعاً في سلة واحدة وكفة ميزان ونحكم عليهم، لأنهُ كما أسلفنا لن يقودنا هذا ألا إلى طريق مسدوّد ومفاهيم مغلوطة.
وأخيرا:
يجب بقدر الإمكان عدم الأخذ بأسلوب التعميّم والعمل على عدم انتشار هذه الآفة في تناول بعض المجتمعات لسلبيات مجتمعات أخرى أو أفراد لأفراد أخرى، مما يسبب هذا الأسلوب من تنافر بين المجتمعات والشعوب وترويج لسلبيات أخرى أضافية. والتعميم صفة مذمومة وتشكل خطورة على ثقافة ورقيَّ المجتمعات، والتخلص من هذه الآفة حتى وإن كان بالتدريج ولو فكرنا فيها جدياً واقتنعنا بأن هذا خطأ في حق المجتمع، فهو خطوة صحيحة لفهم بعضنا كأفراد وشعوب الفهم القريب للواقعية والحقيقة.
وكثيرة هي الأمور السلبية التي تصادف الإنسان خلال حياتهِ سواء كان بالعمل أو البيت وغير ذلك، مثلا إذا أصابهم غمّ أو همّ أو وقع في مشكلة ربما كررتْ لمرتين أو ثلاثة، فلا يأخذ ذلك ويُعمم أن كل حياتهِ ستكون هكذا. وكما توجد في الحياة سلبيات فمن الايجابيات لها الأكثر، وإذا كان هناك شرّ فالخير أيضًا مُوجود وأكثر، وبدل من أن ننشر هذه السلبيات ونُعممّها، لمْا لا نروج للأشياء التفاؤلية التي تُصادفنا في حياتنا ونسعّد ونُسعد بها غيرنا بتعميمها عليهم، أليس أفضل.
28/11/2011