نشرت صحيفة الزمان في عددها الصادر يوم الثلاثاء 9 كانون الثاني " يناير " عام 2018 حوارا مع الشخصية الحقوقية العالمية الدكتور جون ايبنر اجراه عادل سعد وقام بالترجمة وليم وردا، ولأهمية هذا الحوار نعيد نشره على موقع منظمة حمورابي لحقوق الانسان وعلى موقع شبكة نركال الاخبارية.
حوار مع الدكتور جون ايبنر الشخصية الاكاديمية والحقوقية العالمية
حاوره: عادل سعد
ترجمة : وليم وردا
- إذا لم يتحقق الاعمار والاستقرار في المناطق العراقية المحررة فأن الهدوء الحالي فيها يشبه الهدوء قبل العاصفة
- تسمية المناطق المتنازع عليها لا توفر الثقة بافاق ايجابية عن الامن بالمدى الطويل
- هزيمة داعش وفرت فرصة ذهبية لافتتاح عهد جديد من الاستقرار لجميع العراقيين
- لمسنا ترحيبا وكياسة عالية لدى المسؤولين الحكوميين الذين ألتقيناهم في بغداد
- بعض الاغاثات تأتي وفق اجندة سياسية، وأسوا الحالات عندما تستخدمها دول ومنظمات غير حكومية كغطاء لعمليات سرية
- لا ارى خلاصا في الافق من الفساد في العمل الاغاثي، والشفافية هي أفضل دواء ضده
أن تكون على صلة وحضور مشترك ميداني اغاثي وحقوقي مع الدكتور جون ايبنر، فان المهمة غنية باعتبارات الرفقة والتداول والتشاور، ولكن أن تتولى محاورته في شؤون اختصاصه العلمي والعملي فان الحال يتخذ مجالا أرحب.
يسرني أن اقدم للقارئ العراقي هذه الشخصية الاكاديمية والحقوقية العالمية المتميزة حقا.
الدكتور جون ايبنر المدير التنفيذي لمنظمة التضامن المسيحي الدولية (CSI) ، وعضو الادارة والبرامج الدولية للمنظمة ، حاصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة لندن .
منذ أكثر من 25 عاما قام باصدار بحوث ميدانية وحملات للدفاع عن حقوق الانسان للمجموعات الدينية المهددة بالانقراض في السودان والشرق الاوسط وكانت مبادراته وجهوده الاخيرة لمساعدة المجموعات المهمشة في بلاد الشام ووبلاد الرافدين ، من خلال ورصد وتوثيق وقيادة حملات المناصرة ضد العنف الذي تواجهه الاقليات الدينية في هذين البلدين .
سافر ضمن بعثات تقصي الحقائق في مجال المساعدات الانسانية وحقوق الانسان في سوريا والعراق. اشتهر بنشاطه الميداني في السودان الذي مزقته الحروب لعقود، فقد سافر اليه اكثر من 100 مرة منذ عام 1995 لتوثيق تجارة الرقيق في السودان واستطاع تحرير الالاف منهم. لقد اصدر كتابه الاخير: مستقبل الاقليات الدينية في الشرق الاوسط الذي صدر في نيويورك عن دار ليكسينكتون. شغل الدكتور ايبنر، منصب الممثل الرئيسي لمنظمة التضامن المسيحي الدولية في الامم المتحدة في جنيف، وقد مثل امام مجلس النواب الامريكي واللجنة الفرعية لافريقيا والمفوضية السامية بحقوق الانسان. في الفترة من 1986 الى 1990 عمل ضمن فريق البحوث في كلية كليستون وهي مؤسسة ابحاث مقرها المملكة المتحدة متخصصة بدراسة الدين في البلدان الماركسية - اللينينية. من بين احدث منشوراته التي قدمت في جامعات عالمية ونشرت في صحف مرموقة، ونشر مقالات في صحيفة تايمز ونيويورك تايمز، (بي بي سي) ، بوستون كلوب ، وول ستريت جورنال وواشنطن تايمز وغيرها من الصحف العالمية.
سؤال : ما هي الخلاصات التي خرجت بها من زيارتكم الميدانية إلى محافظة نينوى المحررة؟
جواب : من الواضح عسكرياً لقد تم دحر داعش و هزيمتهِ و استطاع الجيش العراقي استعادة نينوى، جنباً الى جنب مع الحلفاء و غيرهم من الفاعلين الحكوميين و غير الحكوميين، مما انتج ذلك تحسناً كبيراً على صعيد الأمن في محافظة نينوى، وفي هذا السياق يكون مقدار قوة الامن وهشاشته مهمة ، ربما انه الشرط الأساسي الذي يسبق إعادة الإعمارو تحقيق الإستقرار. وهو الآن قد تحقق بالفعل.
في اغلبية المناطق المسيحية، في الحمدانية و كرمليس و تللسقف التي زرتها، رأيت عوائل كانت نازحة و عادت إلى بيوتها، وقد شرعت بإصلاح و إعادة إعمار ما دمره داعش ، بمساعدة المؤسسات الكنسية، منظمات غير الحكومية ،و مساعدات من الحكومة الهنكارية. لكن الكثير، ربما الأغلبية من سكان هذه المناطق لن يعود اليها لأن نسبة كبيرة من سكان هذه البلدات هي الآن في الخارج، فقد هاجروا بعد نزوحهم منها إلى اوروبا و امريكا الشمالية و استراليا و لن يعودوا للعيش كمقيمين دائميين فيها، و إن القسم الأخر سيبقى في المناطق التي كان قد نزح اليها مثل أقليم كردستان العراق أو بغداد، و من بين الذين عادوا إلى مناطقهم، يمكن التوقع إن البعض منهم سيقومون بإصلاح منازلهم من اجل البيع وترتيب اوضاعهم للتهيئة لمغادرة العراق بإنتظار ايجاد وسيلة تمكنهم من إعادة توطينهم في بلدان الغرب .
لا اتوقع أن تكون الحياة في مناطق المسيحيين كما كانت قبل اجتياح داعش لها في عام 2014، و لكن إذا كانت هناك اسباب وجيهة قادرة على المدى الطويل كسب ثقة المسيحيين في تحقيق الإستقرار في نينوى و المنطقة على النطاق الأوسع، سيكون من المعقول أن نتوقع إن اعداداً كبيرة من السكان المسيحيين ستبقى في المنطقة، وهنا أود قليلاً ان اتجاوز موضوع الامن و اعني تأثير التغيير الديموغرافي ووجود عدد كبير من فصائل مسلحة ( حشود) ذات مرجعيات سياسية مختلفة في منطقة يطلق عليها تسمية "منطقة متنازع عليها" لا توفر الثقة بأفاق إيجابية عن الأمن بالمدى الطويل.
الموصل تذكرني بالمشاهد المروعة التي شهدتها في حلب، حمص و اجزاء من دمشق، في حين إن مناطق من الموصل هي الى حدٍ كبير على حالها تنبض بالحياة، لكن البلدة القديمة هي مجرد إطلال. فمن الصعب استعادتها كما كانت، إنها تشبه المدن الألمانية المدمرة في الحرب العالمية الثانية. الموصل في الوقت الراهن آمنة، داعش قد انهزم ، لكن جزءاً كبيراً من السكان بما في ذلك فيهم اعداد من المتعاطفين مع داعش باقون في المدينة، هؤلاء لا يزالون يعيشون حالة الصدمة إلى حدٍ كبير. إنني لم أرى جهدا جديا واضحا نحو الاعمار ، اضافةً، إلى إن إعادة الإعمار لا يزال في بدايته في البلدة القديمة التي تعد وكأنها مدينة اشباح. و بصرف النظر عن الفصائل المسلحة ( الحشود) التي توفر الأمان المحلي هناك ، وجدت عدد قليل من الناس يحاولون رفع الأنقاض من مناطقهم، و رأيت ايضاً ما لا يقل عن نصف دزينة من الجثث المتحللة لمقاتلي داعش في اطلال و بقايا مباني الكنائس في تلك المنطقة. اولئك الباقون هناك منذ التحريرالتدميري للمدينة القديمة في الصيف الماضي يتحدثون بشكل كبير عن اين هو وجود الحكومة العراقية و حلفائها من عمليت التطبيع، وكذلك يتحدثون عن عدم وضع السلطات موضوع تشجيع عودة المسيحيين النازحين من المدينة ضمن أعلى سلم الأولويات من أجلِ جعل المسيحيين يعتقدون بأن لا يزال لهم مستقبل هناك. على ما يبدو إن وجود المجتمع المسيحي القديم في الموصل ربما يكون على مشارف النهاية. وكذلك اعتقد أيضا إن عودة عدد من أهل السنة إلى الموصل غير اكيدة خاصة إذا ما وجدوا لهم مكان اخر للعيش يذهبون إليه. السلطات في بغداد تعي حقيقة الترحيب الذي حصل لداعش عام 2014، و تدرك إن داعش كمنظمة يمكن أن تُهزم، لكن أفكارها لا تزال تضرب على أوتار المتعاطفين لجزء اساسي من السكان. لقد إلتقيت ببعض الشباب من مدينة موصل بينهم إمام جامع، قالوا لي إنهم يعتقدون إن هناك 10% من سكان الموصل لا يزالون يحملون أفكارا ورؤى داعش في عقولهم و قلوبهم، هذه النسبة قليلة، لكنها تشكل عددا كبيرا من السكان في مدينة يبلغ تعداد نفوسها مليوني نسمة، و يمكن أن تشكل هذه الأقلية مصدر قلق لزعزعة الأمن في المستقبل.
لم اذهب الى سنجار لكنني تحدثت مع ايزيديين، لقد خرجت بإنطباع بأن الوضع هناك اكثر صعوبة بكثير مما هو عليه في المناطق المسيحية. هناك مجموعة متنوعة من القوات المسلحة مع فصائل سياسية مختلفة لها اجندات تتنافس مع بعضها البعض، لكلٌ منها له مصالح مبيتة. قليل من النازحين الايزيديين عادوا الى ديارهم. الإصلاح و إعادة إعمار حسب ما قيل لي قد بدأ. ألمجتمع الايزيدي يعيش حالة صدمة نفسية كبيرة، على ما يبدو ان هناك الالاف من الفتيات و النساء الأيزيديات و الأطفال ما زالوا مفقودين، عدد لا بأس به من الأطفال المشتبه بهم من المفقودين تم العثور عليهم في مخيمات النازحين من الموصل، بعد أن تم تبنيهم و اسلمتهم.
هزيمة داعش توفر فرصة ذهبية لإفتتاح عهد جديد من الإستقرار لجميع العراقيين بغض النظر عن دينهم و هويتهم الثقافية وهي فرصة يمكن انتهازها من اجل العيش بسلام و كرامة، وهذا لن يحدث الا إذا كانت الدولة العراقية تعمل على تعزيزذلك و إحترام المبادئ والقيم المشتركة على قدم المساواة وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان. لكن هذا لوحدهِ لن يكون كافياً ما لم القوى الاجنبية بالتخلي عن التدخل أو تغيير سياساتها التي تسعى الى تحويل العراق إلى ساحة معركة وجعله أن يقوم بالحروب بالوكالة. بل يتعين عليهم بدل ذلك من التحرك بسرعة كبيرة للإستثمار و إعادة الإعمار. إذا تم تجاوز هذه الظروف الصعبة سيكون لنينوى و بقية البلاد فرصة طيبة للإستقرار و لكن إذا لم يحدث ذلك فمن المحتمل إن هذا الهدوء النسبي الذي يعيشه العراق سيكون مثل ذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة.
سؤال : كان لديكم اجتماعات مع عدد من المسؤولين في الحكومة الإتحادية، كيف وجدت إستعدادهم للتنسيق مع منظمة التضامن المسيحي الدولية أو مع المنظمات الأخرى ؟
جواب : لقد لمسنا ترحيبا وكياسة عالية مع المسؤولين الحكوميين في بغداد، تحدثنا بصراحة و بشكل بناء مع بعضنا البعض، تناولنا قضايا رئيسية تتعلق بأوضاع الأقليات، منها موضوع عقد مؤتمر لتوحيد رؤية الأقليات في نينوى و كجزء من برنامج المصالحة الوطنية التي تقوم بها الحكومة الأتحادية، ذلك المؤتمر الذي كان يجب أن ينعقد منذ أشهر. خرجت من بعض الاجتماعات مقتنعا بقدر تعلق الامر بالمؤتمر، بأن كبار المسؤولين يعتقدون ان هذا المؤتمر حيوي لتحقيق عملية الاستقرار الوطني، لكن اجتماعات اخرى أعطت انطباعا بأن العمل مع الأقليات للعثور على رؤية مشتركة للمستقبل لم يكن ضمن سلم الأولويات العليا . نأمل من رئيس مجلس الوزراء قريباً ان يكون قادراً على توجيه عنايته واهتمامه الى هذه المسألة و جعلها واضحة للجميع في الحكومة، ليتم معالجة قضايا الاقليات بطريقة بناءة و حيوية، ليس من أجل مصلحة الأقليات فحسب لكن من أجل المصلحة الوطنية لاسيما إن في ذلك العديد من الأقليات تعيش في ( المناطق المتنازع عليها).
سؤال : كيف ترى حقيقة برامج الإغاثة بشكل عام في العالم؟ هل هناك خصوصية لبرامج الإغاثة في العراق؟
جواب : لا يمكن الحديث بعمومية عن برامج الإغاثة بشكل عام ، من الواضح إن بعضها هي حيوية وحاسمة للحفاظ وتحسين نوعية الحياة و مساعدة الدول في تحقيق مسؤولياتها الأساسية تجاه مواطنيها. لكننا جميعاً نعلم إن برامج الإغاثة في العراق و في أي مكان في العالم ليس محصنة من الفساد و عدم الكفاءة التي تعد وباء يطال جميع قطاعات الأخرى من الحكومة.
كلما كانت الدولة ضعيفة، تزداد فرص الفساد وعدم الكفاءة ويزداد نطاقهما. منذ (عملية حرية العراق) الدولة العراقية اصبحت ضعيفة جداً، هناك مؤشرات لدعم مقومات الدولة ونحن نأمل بأن هذا الإتجاه يحقق مكاسب وتيرة.
سؤال : في سياق السؤال السابق ما اعرفهُ إن العديد من الأنشطة الإغاثية و الحقوقية التي تنفذها بعض البلدان تجري لإهداف سياسية بشكل عام، ما هي قراءتك للفرص المطلوبة للتخلص من السطوة السياسية على البرامج الإنسانية و الإغاثية؟
جواب : معظم الجهود الرئيسية في مجال الإغاثة الإنسانية تمول من الدول أو المؤسسات التي لديها مصالح مشتركة مع الدول و لا مفر من إنها تأتي وفق اجندات سياسية لتلك الدول. بعض الاجندات السياسية هي شفافة و هي تتفق أو تنسجم مع طموحات الجهات التي تستلم المعونات و بعضها لا ينسجم. إن اسوأ الحالات هي عندما تستخدم الدول المنظمات غير الحكومية كغطاء لعمليات سرية، هذه الممارسات تسيء الى حد كبير الى المنظمات غير الحكومية التي هي المرآة الحقيقية للمجتمع المدني، و هذا العمل يثيرشكوك و مخاوف تجاه المنظمات غير الحكومية.
سؤال : هل انتم مقتنعون بالعلاقات المشتركة بينكم و بين منظمة حمورابي لحقوق الإنسان؟ و ما هي الأولويات المطلوبة في هذا الخصوص؟
جواب : انا راض جداً بالعلاقة الموجودة بين منظمة حمورابي لحقوق الانسان ومنظة التضامن المسيحي الدولية، إن منظمة حمورابي منظمة تطوعية الى حدٍ كبير، الروح التي فيها و ممارساتها تتوافق و تستجيب مع ما لدى منظمة التضامن المسيحي الدولية. إن جميع فعاليات منظمة التضامن المسيحي الدولية في العراق تجري عن طريق منظمة حمورابي، خاصةً إن منظمتنا ليس لديها مكتب و موظفين يعملون بشكل دائم في العراق، نحن نعتمد بشكل أساسي على منظمة حمورابي لحقوق الانسان في العراق. انا معجب جداً بأداء حمورابي و بالاستقبال الدافئ الذي تحظى به منظمتنا و ما شهدته عند السفر مع افراد منظمة حمورابي في جميع أنحاء البلاد، حيث تحظى منظمة حمورابي بإحترام و إعجاب جميع شرائح الشعب العراقي.
سؤال : الى أي مدى يُنظر على ضرورة إشراك المرأة في العمل الحقوق و الإغاثي الذي ينبغي اعتمادهُ خاصةً مع قلة أو عدم وجود مساهمات للمرأة في العمل التطوعي الميداني؟
جواب : كل مواطن يجب أن يكون له الحق في المشاركة في مجال حقوق الإنسان و الأنشطة الإنسانية. لا يوجد حواجز قانونية بهذا الإتجاه في العراق، لكن ضعف مشاركة النساء في هذا القطاع يشير الى وجود حواجز ثقافية، نأمل أن تتآكل تلك الحواجز عاجلاً ام اجلاً، لذلك نجد إن الطاقة، الذكاء و الحكمة متوفرة لدى النساء العراقيات التي تعد نصف المجتمع العراقي، وهذه الطاقة يمكن تطويرها و استثمارها لخدمة الأمة العراقية.
سؤال : كيف يمكنكم قراءة مستقبل اعمال الإغاثة؟ وماهي المتطلبات اللازمة للخلاص من الفساد، كما هو الحال في برامج الإغاثة التي اعتمدتها الأمم المتحدة؟
جواب : لا بد لي من القول إنني لا ارى مثل هذا الخلاص في الأفق، خاصةً في الدول الضعيفة التي تفشل أو إنها فاشلة تماماً. في هذه البلدان الفساد اصبح دستور الأمر الواقع. في هذه البلدان يصبح من المستحيل أن تفعل أي شيء اكثر من دون أي إكراه أو فساد. الشفافية هي افضل دواء ضد الفساد و لكن تحقيقها صعب للغاية في حال ضعف الدول و وجود دول مانحة التي تدفع من اجل اجندات سياسية غريبة.