Skip to main content

تعديلات قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ كما باقي القوانين وتداعيات تعديلها المخيفة للمزيد من التقيد بالتطرف الطائفي

 

بقلم باسكال ايشو (وردا)

رئيسة منظمة حمورابي لحقوق الانسان

سفيرة السلام للمجموعة الدولية لنساء السلام (IWPG)

عضو في المجموعة الاستشارية لنساء العراق لدى رئيس بعثة الأمم المتحدة لساعدة العراق - بغداد

وزيرة الهجرة والمهجرين الأسبق

٧-١-٢٠٢٥ بغداد

 

إذا بدأنا بتعريف ما لقانون الأحوال الشخصية، فباختصار شديد يمكن القول: إنه مجموعة قواعد قانونية تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم، من حيث صلة النسب والزواج وما ينشأ عنه من مصاهرة وولادة وولاية وحضانة وحقوق وواجبات متبادلة، وما قد يعتريها من انحلال تترتب عليه حقوق في النفقة والحضانة والإرث والوصية.  

هذا القانون الذي منذ تشريعه في القرن الماضي لم يخلُ من تعديلات عدة. لكن الأهم هو ان يكون  التعديل لأجل التطوير وليس التعديل لأجل التراجع او المس المقنن بكرامة وحق الانسان موضوع هذا القانون. علما ان، هذا القانون هو الاكثر قربا من المدنية بين قوانين الاحوال الشخصية في الشرق الاوسط، بالرغم من وبشكل واضح، قد تم تقيٌده بمبادئ الشريعة الاسلامية. راجعنا بعض التعديلات السابقة من خلالها وصلنا الى استنتاج بان التعديلات كانت بالفعل، تحمل في طياتها أولويات القيادات والمراجع الدينية الخاصة بالمجموعة السائدة. والحال، مثال قرار مجلس الحكم ١٣٧ لسنة ٢٠٠٣ الملغي، هو دليل قاطع على هذا الموضوع حيث كان يرمي الى الغاء قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ لتبديله بالشريعة الاسلامية، باعتبار ان الأغلبية السياسية هي من الاحزاب الدينية من الشيعة. لكن الرفض النسوي الشامل والمتكون من اصوات نساء جميع الاطياف العراقية بينهن، لابل الاكثر عددا كن من الشيعيات. وبتلك الجهود الموحدة، تم الغاء هذا القرار من خلال العمل على توسيع الوعي لدى صناع القرار وتنظيم التظاهرات الرافضة لإلغاء القانون والمطالبة بإلغاء القرار ١٣٧بالاضافة الى فرض نسبة دستورية ما لا تقل عن ٢٥٪ في المجلس التشريعي من المطالب به والذي كان بالأصل: ٤٠-٥٠ بالمئة للنساء في جميع أوساط صنع القرار والإدارة.. هكذا النساء فتحن باب النجاة لقانون الأحوال الشخصية قبل ان يتعرض الى لفظ أنفاسه الأخيرة، وذلك قبل استلام السلطة من قبل العراقيين من ادارة الولايات المتحدة والتي كانت تراس التحالف الدولي في العراق بقيادة السفير بول بريمر.

 

 من المؤكد ان استراتيجيات التعديل من قبل الجهات الدينية همشت المجموعات المستضعفة سياسيا كالمرأة والاقليات القومية والدينية في البلاد. مع ذلك يمكن القول بشكل عام ان سابقا، أغلب التعديلات كانت مبدئيا تهدف الى التطوير وجعل الأمور أكثر قريبة من مدنية المجتمع العراقي مثل المواد الخاصة بالمرأة وحقها في حضانة اطفالها، واجازات لتفرغها خلال فترة الولادة كما اول أشهر الامومة، وتأسيس دور الحضانة في او قريبة من الدوائر لمساعدة الام الموظفة في متابعة طفلها خلال اوقات العمل، والتعليم المجاني للأطفال الى عمر الجامعة وتحديد عمر الزواج مبدئيا ب ١٨ سنة وليس بعمر ٩ سنين كما يزعم المطالبون فرض التعديل هذا.. هذه من الحقوق التي نتمسك بها في قانون الاحوال الشخصية الذي يجب ان لا يتحمل التطرف العنيف المبني على الاختلاف الطائفي. ويجب تعديله كما غيره من القوانيين العراقية التمييزية في بعض من المواد المذكورة التالية فيما يخص الآخر المختلف دينيا واذكر منها بعض المواد:

١-   التمييز لأجل الدين واضح وهو يمثل انتهاك صارخ مقنن فيما يخص مقبولية الزواج من الكتابية من قبل المسلم او المسلمة ومنع ذلك لغير المسلم ان يتزوج مسلمة او مسلم! يعني "الشارع اتجاه واحد اجباري"! ورد هذا الحال في قانون الاحوال الشخصية رقم ١٨٨لسنة ١٩٥٩ المادة السابعة عشرة:" يصح للمسلم أن يتزوج كتابية، ولا يصح زواج المسلمة من غير المسلم". اين العدالة هنا؟

٢المادة (٢٩) في الدستور تنص على

أولا :-أ-الاسرة اساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والاخلاقية والوطنية. يعني القيم الدينية الاسلامية فقط دون غيرها من الأديان، كون الطفل القاصر يفرض عليه تغيير دينه بقانون كما ورد في المادة ٢٦ من قانون البطاقة الوطنية الموحدة رقم ٣ لسنة ٢٠١٦. بينما المعمول به هو ان الطفل غير قادر على اخذ القرار. وهذه المادة تؤكد حركة التعديلات التراجعية. فحتى ١٩٧١ في المادة ٢١ من قانون الاحوال المدنية الملغي، كانت تنص في حالة اسلمة الوالد فقط.. فكانت الخسارة اقل نسبيا للأسرة التي تقع في هذا المأزق. وانطلاقا من التاريخ المذكور، تفاقم الوضع من السيء الى الاسوأ حيث لا مصلحة الطفل ولا مصلحة الاسرة المعنية كانت اهم في نظر كاتب النص من فرض الاسلام دينا للقاصر تعسفا لدى اسلمة أحد الأبوين.

  ب - تكفل الدولة حماية الامومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم. مع ذلك بما سبق اتضح بان الاطفال غير المسلمين غير محسوب لهم الحق في "الطفولة وتنمية ملكاتهم وقدراتهم " اي ليس لهم الحق الخاص بتجنب توترهم النفسي قبل سن البلوغ والنضوج العقلي والقدرة الذهنية في الاختيار بحرية خلافا لما ورد في قانون العقوبات، ١١١ لدى ممارسة الطفل الجريمة او اية جناية كانت، كونه قاصرا، لا يحكم عليه بالإعدام ولا بالمعاملة القاسية الخ اعتبارا للطفولة خلال تلك الفترة الحساسة من حياة الانسان. من هنا السؤال الى المادة ٢٦ اعلاه هل الاطفال غير المسلمين ليسوا اطفالا؟ والمادة الدستورية رقم ١٤ "العراقيين متساوون امام القانون؟ " بالإضافة الى التزام العراق، باتفاقية حقوق الطفل وبجميع النصوص التي تمثل الشرعة الدولية لحقوق الانسان وايضا بتلك التي تشكل القانون الدولي لحقوق الانسان.

 متى اذاً سوف تعدل وتلهم هذه المواد القديمة جدا بروح القانون الدولي المؤسس على صيانة كرامة الانسان واحترام حقه في الحياة والحرية والمساواة امام القانون؟ لان هذا الافتقار الى العدالة حتى في حال اصدار قانون خاص بالأحوال الشخصية للمسيحيين او غيرهم من الأقليات الدينية يتعثر بالمادة ٢:

أ) من الدستور العراقي الذي ينص على "لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام “وتهمش الفقرة اللاحقة ب: "لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية".   

٣- كما موضوع الحرية الدينية التي من سيء الى الأسوأ، يتم فرض تقنين الانتهاك باستخدام حجج الشريعة، بينما لا كالذي في نص في الشريعة يبين ذلك

٤- ينص قانون البطاقة الوطنية في المادة ٢٦: أ على: تضمن الدولة "حرية تغيير الدين لغير المسلمين " وهنا علينا ان لا نفهم بان الاغلبية الساحقة للعراقيين هم مسلمين، وليس لهم اي حق في اختيار دينهم لان قانون العقوبات ١١١ يمارس حد الردة ضدهم اي الحكم بالقتل. هذه القوانين غير العادلة المستنبطة من دساتير مؤقتة في الانظمة السابقة يجب ان تعدل واغلب ما يتطلبه الدستور الحالي من قوانين لم يتطرق المشرعون الى تشريعها الى الان

لا ننسى ان القوانين التمييزية اعلاه هي السبب الاساسي في قناعة العراقي غير المسلم، لا بل حتى المسلم، فاق غيره من الأديان، عدد المهاجرين منهم لأنهم ايضا يحلمون بالحرية الدينية وحرية الرأي الخ. فحالهم حال غيرهم مقتنعين بان الحل هو في الهجرة وترك البلد حتى بدون تصفية امور ممتلكاتهم وبشكل اساسي المسيحيين. وأصبح واضحاً لدى العامة، لا يتم شراء املاك العراقيين المسيحيين بالأسعار المعمول بها، وكذلك غيرهم من الاقليات الدينية قائلين "سوف يتركونها ويهاجرون ونأخذها بدون مقابل "! والدليل على ذلك هو آلاف الدور المسيحية في بغداد وغيرها من المدن، تم الاستيلاء عليها سابقا من قبل النظام والناس، وحاليا من قبل المتنفذين والمواطنين وحتى من قبل الجيران! جميعهم يهتفون للضعف في الوجود المسيحي حاليا لان باعتقادهم، ذلك يمكنهم من الاستيلاء على اموالهم واملاكهم بدون مقابل. وبهذا الخصوص، قبل سنوات، قدمت منظمتنا حمورابي لحقوق الانسان، عدداً ليس بقليل من الحالات التي تضمنت شكاوى أهلها، الى القضاء الاعلى الذي قال ناطق عنها، "ان الاعداد متصاعدة والمسالة بدأت منذ تسعينات القرن الماضي في اقليم كوردستان وبغداد وغيرها من المواقع للأسف الشديد". 

 وهكذا يشير ذلك التفاقم الى ان هناك استراتيجية معينة، حطب نارها هم الاقليات الدينية بالتحديد.

 وربما هذا هو حال جميع دول الشرق الاوسط وما نترقبه في سوريا نأمل ان يكون غير ما نخشاه في ظل مؤامرات اقليمية وتدخلات دولية

كل ما تقدم من المفارقة لا يمت بصلة لحقيقة مفهوم القانون بحد ذاته حيث منذ أول أساس القانون في العالم، ألا وهو مسلة حمورابي، كان موضوع القانون، تنظيم المجتمع وليس التفريق بسبب انتمائه الديني والقومي والجنسي، بل بهدف إخراجه من الفوضى وكبح جماح القوي على الضعيف. وهكذا شرع حمورابي القوانين المستنبطة من التقاليد والأعراف مما كان معمولاً بها في بلاد الرافدين ذلك الوقت، لجعل الحياة المشتركة للإنسان إمكانية تسودها العدالة والاحترام المتبادل في نظام يؤسس للتعايش البشري. علما ان قانون حمورابي في بعض المواد، كان في غاية من العنف كمادة "العين بالعين والسن بالسن" الخ. لان هذا هو واقع ما كان معمولاً به في ذلك الزمان، أي يمكن الاعتقاد ان سياق وميزان التبادل التجاري نفسه كبيع الحنطة والمحاصيل الزراعية الأخرى، بتبادل مادة مقابل مادة من محاصيل كان يمكن تحقيق العدالة حسب معتقدهم القانوني آنذاك. وهذا كان معمولاً به بدلا من الاوراق المالية. فمنذ ما يقارب الألفي عام ق. م، وضع ملك بابل اول وأعرق وأكمل الأنظمة القانونية في تأريخ الحضارات القديمة. ويحتوي القانون على 282 مادة، منهـا 50 مادة للجرائم وعقوباتها، ثم أصبح التشريع الجنائي بعد الغزو او ما يعرف بالفتح الإسلامي، مطبقا في البلاد واستمر تطبيقـه خلال مدة حكم الدولة العثمانية من سنة 1534 حتى صدور قانون الجزاء العثماني في عام 1858م. وبانتهاء الحكم العثماني بتفكيك الإمبراطورية التي انتهت دولتها عام 1922، عندما أُسقِط آخر السلاطين العثمانيين محمد السادس.

وبدء الاحتلال البريطاني للعراق في نهاية الحرب العالمية الأولى حيث أصـدر القائد العام للقوات البريطانية قانون العقوبات البغدادي الذي أصبح نافذا من بداية عام 1919 وبقـي مطبقا إلى صدور قانون العقوبات المحلي رقم 111 لسنة 1969 م الذي بدأ نفاذه في 19 تمـوز 1969 م. وتم تعديله واستمر العمل به حتى عام 2003 م، بعدها أصدر مدير سلطة الائتلاف ثلاثة أوامر بشأن قانون العقوبـات، وقـد علق عقوبة الإعدام، كما علق أحكام المـواد 200 و 221 و 222 و 225، مـع بعـض التعـديلات الأخرى، ثم بعد حلّ سلطة الائتلاف أصدرت الحكومة العراقية المؤقتة الأمـر رقـم 3 سـنة 2004م والذي يقضي بإعادة عقوبة الاعدام شنقاً حتى الموت بالنسبة للأشخاص المدنيين المدانين بارتكاب القتل العمد وغيرها من الجرائم.

في العراق المعاصر نجد ظاهرة غريبة في تشريع القوانين العراقية وهي: دائما هناك ما يشبه ادراك جزئي لمفهوم توحيد البلاد الذي قام به الملك حمورابي. يفهم ذلك التوحيد وكأنه يعني محو التنوع العرقي والديني للمجموعات الضعيفة، لصالح تعزيز دين الأكثرية على حساب الأقليات. وغالبا ما يقدم هذا الامر كواجبات وحقوق مفروضة على الجميع، كونها تحسب وفق الشريعة الدينية الخاصة بالأغلبية دون تخصيص مجال للتنوع لباقي المجموعات في القانون نفسه. هذا سواءً كان للفئات المهمشة مثل النساء والاطفال، أو مثل الأقليات الدينية والقومية المختلفة التي حصرها العثمانيون في نظام الملل الضيق النظر. ولا نستغرب اليوم من عدم فهم ماهية الديمقراطية  والقدرة السياسية على ممارسة النظام الفدرالي في ظل ديمقراطية فتية . فتارة يمنع فدرلة البلاد بعذر التقسيم، وتارة أخرى تعتبر الفدرالية وكانها استقلال او قريب منها، كما هو الحال في اقليم كوردستان اليوم

دون اي شك، هذا هو ولا يزال التأثير الراسخ جراء التأثر بالفكر العثماني الذي طال امد احتلاله لبلاد وادي الرافدين. ولله الحمد في 11/3/1917 انتهت حقبة الحكم العثماني للعراق التي دامت نحو 4 قرون من التخلف والجوع والاقطاع، وادخل اساليبه وثقافته عميقا الى فكر وسلوك العراقيين عامة والمسلمين بشكل خاص. ونرى ذلك من خلال واقع القوانين العراقية حيث وان تم ذكر المجموعات المهمشة كمرور الكرام، غالبا ما يرمز اليها بشكل غير مهم وبنفس سلبي يفتقر الي نصوص قانونية حقيقية، او اصلا لم يتم الاشارة بالإيجاب لصالحهم كما هو الحال في نص قانون الاحوال الشخصية خاصة بخصوص الأقليات الدينية. تم اعتماد القانون القديم (قانون المواد) حيث بخصوص الزواج والتفريق او بطلان. الكنائس في حالة المسيحيين هي التي تصدر تأييد ما يساوي (عقد الزواج الكنسي) الذي يصدقه القاضي طبق الاصل في محكمة الأحوال الشخصية ويعتمده في ملف الزواج الذي يصبح مسجلا مدنيا ايضا وتبعا لهذا يصدر حجة الزواج وليس عقد الزواج. وبجميع الاحوال الزواج في المسيحية هو عهداً وليس عقدا.

ومن الواضح من خلال عدم وجود مواد قانونية خاصة بالأقليات ضمن نص قانون الأحوال الشخصية، حتى في الدستور الجديد، المادة 125 الخاصة بالحقوق الثقافية والسياسية: "يضمن هذا الدستور الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة، كالتركمان والكلدان والآشوريين وسائر المكونات، وينظم ذلك بقانون". إلا أن هذه المادة بقيت مادة مهمشة، يتيمة بقيت كحبر على ورق دون أي قانون يفسر هذه الحقوق إداريا ولا قوميا ولا ثقافيا ولا سياسيا.

 

أما الحصة أو النسبة المفترضة لتمكين الأقليات من المشاركة السياسية، وخاصة المسيحيين (5) مقاعد في البرلمان، فقد تحولت تدريجيا تحولت إلى وسيلة لضم هذه الأقليات إلى الأغلبية من خلال استغلالهم من قبل خيارات التيارات الرئيسية. كما بقيت الحقوق اللغوية أيضا حبرا على ورق في أغلب المناطق. كل هذا يمثل شهادة على نهج يفتقر الى العدالة والاخلاص، وكأنما القانون يفرض طمس الهوية المدنية لمن لا ينتمي إلى دين مختلف عن دين الأغلبية.

 

وهكذا فإن موضوع القوانين في الفكر العراقي كان يحمل في أولوياته دوماً نية محاسبة الناس أكثر من نية حل مشكلة معينة بقانون ينظم حياتهم. وفي الدهاليز الإدارية يظهر هذا الواقع من خلال الروتين الإداري القاتل وانعدام الإرادة في إنجاز قضايا المواطنين بالسرعة المطلوبة، مما يؤدي إلى مماطلة الموظفين في حقوقهم، بل ويلجؤون إلى القوانين القديمة لإثبات قضايا لا علاقة لها بالموضوع، ناهيك عن اختلاف الإجراءات بين الخدمة المقدمة للمتنفذين وما تقدمه للمسئولين السابقين والمواطنين العاديين. والمفارقة الأكبر أنه عندما يصدر قرار لصالح السلطة يتم التنفيذ دون أي تأخير، بينما ترتفع القرارات غالباً فوق القانون وحتى هذا الأخير يتغير بطريقة سحرية إذا لزم الأمر، عندما يصدر قرار لصالح المواطن! وهذا ما تحقق في قانون التقاعد الجديد حيث تم احتساب المسؤول المكلف بالخدمة كالوزير السابق مثلا، احتساب الموظف! وهذا لا يصح في أي مكان في العالم كون خدمة الوزير قصيرة ومتطلباتها الأمنية والمعنوية والخطورة لا تقاس لا بل احتراقه امام المجتمع خلق له ولذويه نوع من العزلة والحاجة الى الحماية الاحترازية من الاستهداف لشخصه ولأسرته. لذا فالقانون من المفترض ان يحقق العدالة ويجب ان يحتوي على مواد تشهد على امكانية منع وقوع مخالفة قانونية، او وقوع جريمة. وإذا بجميع الأحوال حدثت الجريمة ووقع الشخص تحت طائلة القانون، علينا ان لا ننسى قدسية الكرامة الانسانية التي يجب ان تكون على رأس الاولويات وهذا يعني انه حتى عند الحكم بالإعدام يجب ان يكون هناك سلوك انساني مطلوب من القائمين على تنفيذ القانون احتراما لقيمة الانسان عند ادانته بعقوبة وحتى في حالة أشد العقوبات

واضح من كل ما سبق ان العراق كما هو في تاريخه الطويل قد مر دائما بتحولات اغلبها كانت لها اثار سلبية على المواطن بسبب تأثر المشرع وصانع القرار وحتى فارض تنفيذ القانون، بروح وثقافة غزوات عديدة غالبا ما مارست القمع والتجويع واستغلال الشعب وخاصة في فترة الاحتلال العثماني حيث تعرضت ثروات البلاد للنهب والسلب بما فيها الاثار القديمة الموجودة حاليا في كل دول العالم بسبب عدم حمايتها وتجاهل اهميتها التاريخية. لقد فتح تحرير العراق من الاحتلال العثماني، ثم تحريره من الانتداب البريطاني الذي دام من عام 1914 إلى عام 1932، آفاقاً جديدة أمامه لتثبيت مكانته في العالم الخارجي والانضمام إلى عصبة الأمم عام 1932، فكان أول دولة عربية تتخلص من الانتداب وتنضم إلى عصبة الأمم، وبالتالي تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 في سان فرانسيسكو.

نستنتج مما سبق أن العراق نهض بالرغم من كل الظرف القاسية بعد احتلال التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة و بريطانية عام 2003 ، واستمر في النهوض رغم التأخر غير المبرر في إعادة الإعمار وانعدام ضمانات السلم الأهلي  ورغم الفوضى الطائفية التي تعممت في ذلك الوقت إلى درجة انها قادت العراق إلى نوع من الحرب الأهلية بين العراقيين، بدأت باستهداف المسيحيين في بغداد والموصل قبل نهاية القاعدة، ثم الحرب الطائفية بين السنة والشيعة، ثم تكفير المسيحيين والإيزيديين وغيرهم من أبناء الديانات المختلفة وتعرضهم للتهجير القسري والسبي والاستعباد الجنسي، وخاصة خلال فترة غزو داعش للعراق 2014-2017، حيث مورست بحق الإيزيديين والمسيحيين أبشع أنواع الإبادة الجماعية. وفي هذه الحقبة المظلمة أيضاً، سن تنظيم داعش قوانين ظالمة في الموصل والمناطق التي سقطت تحت سيطرته، حيث بدأ بتدمير التراث المسيحي في الموصل، بدءاً من هدم الكنائس التي يعود بعضها إلى القرون الأولى للمسيحية، وسبي النساء المسيحيات كما حدث أيضاً في سهل نينوى، وإصدار أوامر بدفع الجزية، وفرض الإسلام بالقوة، وإبادة مناطق بأكملها والتجاوز على بيوت المسيحيين في الموصل مؤشرين عليها بحرف النون (ن) ما يعني النصارى حسب الكتب الاسلامية.



المراجع:

-الدستور العراقي لسنة ٢٠٠٥

-قانون العقوبات رقك 111 لسنة 1969 

-قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩

قانون التقاعد الموحد لسنة 1917  

-ويكيبيديا فيما يخص الجزء التاريخي والأرقام