النفس ... وما فيها!
الله خلق الإنسان كائن مُركب من العديّد من المشاعر والغرائز والطبائع، يتفاعل مع من حولهِ، يتأثر بهم ويؤثر عليهم، يسمع ويشاهد لهم، يفرح ويحزن ويبكي معهم، يغضب ويخاف عليهم، يغار منهم ويحسدهم.... والكثير من الانفعالات النفسية التي تتصل بالغرائز والمشاعر ولا تتحقق كاملة ألا عند ظهور الانفعال، فإذا تعرضت لهجوم كلامي شعرت بالغضب ودافعت عن نفسكَ، وإذا رأيت منظر جميل شعرت بالسعادة، وإذا سبب شخص ما لك التوتر غضبت وعبرتْ عن غضبك بردات فعل جسدية. فالانفعالات إذن هي حالات داخلية وجدانية تتصف بجوانب معرفية خاصة وإحساسات وردود أفعال فسيولوجية وتعبيرات حركية، ظاهرةٌ ومؤثرة بصورة مُفاجئة على سلوك الفرد ويصعّب التحكم في البعض منها أحيانًا.
وكل واحد منْا يتعرض لعدد كبير من الانفعالات التي تثيرها في داخلنا مشاكل ومواقف ومحّن الحياة والاحتكاك والتعامل مع البشر من مختلف الفئات العقلية والثقافية ومستواهم الخلقي، مع ما يرافقها من أفكار وسلوك مُتفاوت من شخص لآخر وحسب ظروف الزمان والمكان، إضافة إلى التغيرات الجسمية التي تصاحب الإنسان في مراحل الحياة.
الإنسان خلق وفيه الكثير من الطبائع والسلوكيات، بعضها يكتسبها من مُحيطهِ، والبعض الآخر تكون راسخة وثابتة فيهِ ومُتطبعة ومُتأصلة فيه وفي شخصهِ، خُلق عليها ولا يستطيع التحكم فيها أو تغييرها، نابعةٌ من تكوينهِ الوراثي ومُرتبطة بجهازه العصبي، لتشكل في النهاية نمط الشخصية الأصلية المُنفردة التي لا تُشبه ولا تُقارن بأحدٍ، ولكن تقاربها مع الآخرين يكون في أساسيات مهمة مثل: كونك كائن بشري، وأيضًا لأنك مُولود في البيئة نفسها، ولديك نفس التقاليد الموروثة.
وهناك من السلوكيات ما تكون مُرتبطة بانفعالات مُحددة، والإنسان من خلال تواجدهِ في هذه الحياة لا يرغب في أن يكون مُكتئبًا أو خائفًا وحزينًا، ولكن في بعض الأحيان قد يجد نفسهُ يعيش هذه الموقف أو الواقع يفرض عليه هذا، فيثير مخاوفهِ أو حزنهِ فيتفاعل ويتجاوب معهُ وربما قد يؤثر سلبًا على سلوكهِ وتعاملهِ مع غيرهِ، فللعواطف والمشاعر إذن دور في تطور شخصية الإنسان وتركيبتها.
فمثلا موقف ما صادف الإنسان قد يخرجهُ عن طورهِ ويفقد السيطرة على مشاعره وانفعالاتهِ ومن ثم يفقد السيطرة على سلوكهِ وأعصابهِ، فيغضب ويثور! وقد يتفوه بكلمات جارحة أو شتائم تؤذي المُقابل (الآخر)، وبالتالي يقابلهُ هذا الآخر بغضبهِ وربما يتصرف تصرفًا أسوء وعدواني كأن يحصل الضرب أحدهما للآخر أو تحطيم الأشياء! فما هو الغضب إذن؟
الغضب عاطفة إنسانية وحالة انفعالية وردة فعل لفعل سبقهُ، ينتاب المرء، لكن اختلافهِ يكون في إشكالهِ وأسبابهُ. وهو شيء طبيعي يحصل للإنسان نتيجة تفاعل مشاعره مع موقفًا أو شخصًا ما، كالخيانة والإهمال والخلافات وجرح المشاعر والصراع في العمل والشعور بقلة الكرامة والإهانة وقلة العدل والإنصاف والتفكير في الماضي الأليم.....الخ، من الانفعالات التي تجتاح داخل الإنسان فيتفاعل وينفعل معها. والغضب حالة نسبية تتفاوت درجتهِ من شخص إلى آخر حسب الموقف وموضوعهِ ودرجتهِ في سلوك كل إنسان ومدّى استعداده لتقبلهِ من عدمهِ، ولكن إذا وصل المرّء إلى مرحلة عدم التحكم فيهِ والسيطرة عليهِ، فأنهُ يصبح مرضيًا ومُدمراً ويؤدي إلى مشاكل عدّة سواء كان في الصحة الجسدية والنفسية أو في العلاقات الإنسانية.
التعبير عن الغضب:
لكل إنسان طريقتهُ في التعبير عن غضبهِ، والبشر بصورة عامة يتسموَّن بأمزجة مُختلفة واختلافات تكوينية في جهازهم العصبي، مما يجعلهم بالتالي يختلفون في مدّى استجابتهم للمواقف وسيطرتهم على أنفسهم. وهناك بعض الأشخاص ينقادون إلى الغضب أكثر من غيرهم أما بسبب عوامل وراثية أو بسبب عوامل نفسية واجتماعية، كما أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان قد تكون هي الأخرى السبب في وجود أشخاص ينفعلون بسرعة ولأتفه الأسباب، بسبب وجود نقص عاطفي لديهم وانعدام الحوار.
والغضب مثلما ذكرنا إحساس طبيعي وردة فعل تنتاب الفرد نتيجة تفاعله مع موقف ما، فيتفاعل معهُ ويتجاوب في شكل سلوك عدواني وأحاسيس قوية وصراخ، لكي تمكنهُ من الدفاع عن نفسهِ. ولكن مرات كثيرة هذا التعبير يكون عن غير وعيٍّ وإدراك وإرادة، فيؤذي المقابل كلاميًا وربما يتطور إلى فعل شرس!
ولأن أساس حياتنا هما الحركة والتغيير والتجديد، لأنها تجعلنا نتحرك ونعطي حيوية وطعم لحياتنا. فالإنسان إذا لم ينفعل ويعبر عما يدور في داخلهِ، فأن حياتهِ ستكون مُملةٍ وتسير على وتيرة واحدة، فيغضب ويخاف ويتمرد إذا أحسَّ إن مصالحهِ مُهددة أو الخطر مُحدق بها، لذا فالشعور بالغضب في بعض الأحيان قد يكون ضروريًا. ولكن هذا الشعور أو التعامل أو التعبير عنهُ لهُ أسلوبهُ، والذي لابدّ وأن يكون بشكل واضح وحضاري وثقافي وليس بسلوك اندفاعي وعدائي واستفزازي، وإنما بسلوك يتسّم بالحزم وقوة الكلام وثباتهِ، وبقوة العقل في التصرف مع المواقف لكي تتجنب تطورها إلى نتائج لا تتمناها!
أغضب إذن ولكن بتعقل، وأخرج ما في داخلك من مشاعر ثورية ولا تجعلها كامنة ومُتراكمة، لأنها تؤدي إلى نتائج أسوء وأمراض تتراكم مرة بعد أخرى من ارتفاع ضغط الدم والاكتئاب والانطواء والفشل في إقامة علاقات اجتماعية سليمة ....الخ. فعندما يقع الشخص في مثل هذا فأنه يبدأ بالتكييف معهُ ويكبت مشاعرهُ مما يسبب الأذى لهُ ومن ثم يتطور إلى انفعال مُدمر، وبعدها يصدر سلوكهُ العدائي تجاه الآخرين فجأة وبدون وعي، ويفقد قدرتهِ على التركيز والمواجهة والتعامل بأسلوب سليم.
كيف يمكن التغلب على الغضب؟
حياتنا مليئة بالاحباطات والألم وتصرفات وسلوكيات غير مُتوقعة ومقبولة من الآخرين، وأنتَ لن تستطيع أن تغيرها إذا غضبت، لكن تستطيع أن تغير من الأحداث التي تؤثر عليه. والغضب هو نتيجة لفعل وليس غاية مرجوة في كل إنسان، وهو سلوك مذموم ومؤثر على الصحة ويفسد ويقضي على علاقتك الشخصية مع الآخرين وكل ما هو جميل في حياتك، وهذا الغضب ربما إذا زاد عن حدهِ قد يؤدي إلى اقتراف جرائم! وهذا ما يحدث بسبب عدم مقدرة الشخص على كبحّ غضبهِ والسيطرة عليهِ.
لذا سيطر على الغضب بداخلكَ قبل أن يُسيطر عليك بإرادتك وقدرتك على ضبط نفسك والتحكم فيها. والإنسان مطلوب منهُ كي يتحكم بتصرفاتهِ، أن يفهم نفسهُ أولاً ويُحبها، والتي من خلالها يفهم الآخرين ويتقبلهم ويستوعبهم ويحتويهم، بدلاً من انتقادهم والتفكير في تغييرهم وتغيير سلوكهم.
والتعبير عن الغضب أو أي انفعال آخر بأسلوب لائق ومقبول اجتماعيًا وثقافيًا فأنهُ يساعدك على التنفيس عن مشاعرك السلبية ويساعدك على التحكم بتصرفاتك ويجعلك تبتعد وتفكر بالمواقف التي لا تعجبك وتتجنبها، وبالتالي تجنبك من التحول إلى شخصية سيكوباتية غير سوية، والغضب ينتهي أو يمكن التخفيف من أثارهِ إذا انتهت أسبابهِ ومُسبباتهِ،
فإذا أحسستَ بالغضب أو الانفعال في أي موقف، فحاول قدر المُستطاع أن تُمسك أعصابك وأصرف تفكيرك وانتباهك إلى موضوع آخر وفكرة إيجابية أخرى وحاول أن تأخذ نفسًا عميقًا، وتبتعد وتسترخي مع نفسكَ، فهذا سيُهدئ من أعصابك ويجعلك تجنبها الكثير من المشاكل، وإذا حاول أحدٌ ما استفزازك أو أثارة غضبك، فحاول ألا تنفعل أو تردَّ بأسلوبهِ، بلْ تكلم بهدوء وحاول أن تفهم وجهة نظره، مما يؤدي هذا بك إلى امتصاص غضبهِ وتجعلهُ بأسلوبك يهدأ ويتراخّى. ومن الأفضل وضع استراتيجيات تستطيع من خلالها السيطرة على الغضب بقوة إرادتك وإيمانك، وأعرف الأشياء التي تغضبك وابتعد عنها قدر المُستطاع أو تحاشاها.