السيدات والسادة الحضور الكرام مع حفظ الالقاب والمراتب
اجتمعنا اليوم في هذا المؤتمر الوطني الهام، كممثلين لقوى سياسية وبرلمانية ومدنية وشبكات نسوية، ومنظمات المجتمع المدني ومدافعي حقوق الانسان ، لنعلن عن موقفِ مُوَحَدٍ رافضِ لمشروع تعديل قانون الاحوال الشخصية النافذ رقم 188 لسنة 1959، والذي يعدّ من اهم القوانين التي أسهمت باستقرار المجتمع العراقي، والحفاظ على وحدة نسيجه المتنوع دينيا ومذهبيا وقوميا على مدى ستة عقود ونصف، حيث تاتي تلك التعديلات بخلفيات مذهبية طائفية، تتنافى مع مبادئ الدستور العراقي الذي يؤكد على المواطنة المتساوية امام القانون وعلى حفظ كرامة المراة والطفل وحماية الاسرة والمجتمع من التفتت والتشرذم ، كما تهدد ولاية القضاء كسلطة عليا لاسلطان عليها سوى القانون نفسه.
لقد قوبلت كل المحاولات السابقة، لتعديل القانون النافذ منذ العام 2003 ولحد الان، باستياء ورفض مجتمعي وسياسي وبرلماني واسع النطاق، تم التراجع عنها في حينها، ولكننا اليوم نرى اصرارا (عجيبا) من بعض الكتل البرلمانية، على المضي بالتصويت عليها، رغم كل الاعتراضات والتحذيرات من المخاطر التي ستتولد عن ذلك، ناهيكم عن الخروقات الدستورية المتمثلة بالتصويت على مدونات لم يطلع عليها مجلس النواب الذي يعدها قانونا ساري المفعول قبل التعرف الى محتواها ومناقشته، وهذه سابقة خطيرة ، تخرج عن السياقات التشريعية المعروفة.
لقد استند قانون الاحوال الشخصية 188 لسنة 1959 على أحكام الشريعة الاسلامية، بانتقاء ما يتلاءم منها مع قيم التعددية والمساواة بين مكونات المجتمع العراقي المتنوع، وهو يحمي بنفس الوقت حقوق المرأة والطفل، مع مساحة مناسبة من الاختيار الحر للمذهب الذي يتم عليه عقد الزواج باتفاق الطرفين، ولكن التعديلات المقترحة تنسف كل هذه الاسس لتستبدلها بمدونات مذهبية مجهولة المحتوى، لكنها تفتح الابواب لتفسيرات فقهية مختلفة من ازمان سحيقة تتعارض مع مبادئ حقوق الانسان وخصوصا المراة والطفلات.
ان بلدنا يمر اليوم بمخاض وظروف صعبة تتطلب تعزيز الجهود من اجل الوحدة والتماسك المجتمعي، لمواجهة التحديات التي يمر بها العراق والمنطقة والعالم اجمع، تتطلب العمل على توفير البيئة التشريعية والآليات المناسبة والموارد اللازمة لمكافحة الفساد والفقر، والنهوض بالتعليم والصحة، وتحسين الظروف المعيشية والبيئية، ضمن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، التي لن تتحقق الا بمشاركة النساء الفاعلة في خلق حياة أسرية أمنة، وزيادة مساهمتهن في الفضاء العام كطاقة خلاقة في عملية البناء والتطور وتحقيق الاستقرار المجتمعي. وهذا يتطلب الاهتمام بحماية حقوقها الاساسية التي اقرها الدستور العراقي الدائم، وكذلك المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها دولة العراق.
لقد طرح مؤتمرنا اليوم العديد من القضايا التي تسلط الضوء على الاثار السلبية المترتبة على تشريع هذه التعديلات، والتي تهدد بمخاطر العودة الى مراحل ما قبل الدولة، مما يستوجب التصدي بجدية لهذه المحاولات، حيث قامت العديد من المنظمات المجتمعية والاحزاب السياسية والعديد من ممثلي الشعب في البرلمان، بالاضافة الى الاتحادات والمؤسسات المهنية والشخصيات الحقوقية والقضاة بالعمل على رفع الاصوات المحذرة بقوة من المضي بهذه التعديلات، مما استوجب تشكيل تحالف وطني واسع باسم تحالف 188 لرفض تعديل قانون الاحوال الشخصية النافذ، والذي جمع كل هذه المنظمات والاحزاب والمؤسسات التي نظمت هذا المؤتمر واتفقت على مايلي:
اولا: ضرورة السحب الفوري لقانون التعديلات على القانون النافذ، وعدم التصويت عليه لاسيما وانه ياتي ضمن صفقة سياسية لتمرير قوانين هامة مثل قانون العفو العام الذي يتطلب ايضا رؤية قانونية حيادية وموضوعية بعيدا عن الاغراض السياسية الطائفية.
ثانيا: افساح المجال لنقاشات موسعة وجادة لمراجعة القضايا العقدية في القانون الحالي، على المستوى الوطني والمجتمعي الواسع، وبمشاركة السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفق نصوص الدستور العراقي بضمان مساواة جميع العراقيين أمام القانون بدون تمييز، وكفالة المعاملة المتساوية للنساء والفتيات، وتوفير الحماية لحقوق الأطفال، للخروج بتعديلات رصينة قابلة للتطبيق، تعزز الأمان الأسري والمجتمعي، واحترام حقوق الإنسان، ورعاية الأمومة والطفولة، وتقوية وحدة النسيج المجتمعي المتنوع دينياً ومذهبياً وعرقيا وفكرياً.
ثالثا: في حال الاصرار على التصويت على التعديلات المقترحة الحالية، يؤكد المشاركون في المؤتمر على أهمية حث النواب على مقاطعة التصويت او التصويت بلا، وفي حال تمريرها، السعي للطعن بها على المستوى الوطني والدولي.
رابعا: يشدد المؤتمر الوطني اليوم على ان الدفاع عن القانون الحالي هو دفاع عن دستور العراق الدائم وعن الدولة المدنية وعن المواطنة المتساوية، ضد التفتت والتخندق والانعزال الطائفي والمذهي، الذي اضعف بلدنا ومجتمعنا على مدى العقدين الماضيين .
خامسا: يستنكر المؤتمر ممارسات تكميم أفواه المعارضين لمقترح التعديلات بذرائع غير قانونية. وفي الوقت نفسه، يؤكد على ضرورة احترام حرية الرأي والتعبير في مختلف وسائل الاعلام وحرية التجمع والتظاهر السلمي كما نصت عليه المادة 38 من الدستور. ويطالب السلطات المعنية بإنفاذ القانون والعدالة إلى اتخاذ اجراءات المساءلة بحق الأشخاص والمؤسسات الذين يطلقون اتهامات باطلة ويمارسون التهديد وتشويه سمعة الناشطين المعارضين.
سادسا: يدعم المؤتمر الوطني الرافض لتعديل قانون الاحوال الشخصية، تحالف 188 ، ويخوله الاستمرار بالعمل وتنظيم كل الفعاليات المطلوبة لتحقيق ما تم الاتفاق عليه في هذا المؤتمر بما فيها مخاطبة الجهات الرسمية الوطنية والدولية وعلى الصعد كافة .
البيان الختامي للمؤتمر الوطني الرافض لتعديل قانون الاحوال الشخصية النافذ
بغداد - 8 تشرين الثاني 2024