البحث عن الوصفة الضائعة – عادل سعد
البحث عن الوصفة الضائعة – عادل سعد
لكم ان تتصوروا المشهد ، حين يقع البعض تحت وطأة ذات الفخ الذي وقع فيه الارنب عندما استهان بمواظبة السلحفاة واخذ يتنمر استهزاءً بها ، وهو يمر عليها مسرعاً ليستــــــريح وقد يأخذ غفوة في سباق الجري الشهير الذي تم تنظيمه بين الاثنين وكانت النتيجة خسارته للسباق .
الملاحظة التي أجد ضرورةً أن اشير إليها بشأن حيثيات ذلك السباق أن الأرنب ربما كان يستدير بين الحين والآخر حول السلحفاة وهو ينط ويضحك ويستخف بها ، ان لم يكن يرمي الشتيمة عليها ويصفها بالحيوان القزم او المفلطح متهما اياها بالقبح ، وقد يستعين بقصائد ذم ألفها الشاعر الحُطيئة بحق الاخرين ، بينما كانت السلحفاة قد تعهدت لنفسها في الوصول الى خط نهاية السباق بوقت (قياسي) وفق تقديرها، بل ، لا استبعد أيضاً ان تكون قد وضعت لمنهــــــجها عناوين من نصائح الفيلسوف الصيني عن حلاوة الصبر والمثابرة ، او تلك النصيحة الفريدة التي قدمها البريطانيون (ان تصل متأخرا خير من ان لا تصل).
ومادام الحديث عن السلاحف والارانب، لي ان اضيف ما ادهشني حقا وجود مجسم لسلحفاة ملتصقاً بجدار وسط قاعة مطار مدينة عدن اليمنية وقد تصدر تلك القاعة للزينة او للحكمة وفق المناظرة بين سرعة الطائرة وسرعة السلحفاة ، كان ذلك عام 1979 عندما زرت هذه المدينة اليمنية العريقة بدعوة من منظمة الصحافة العالمية للمشاركة في نـــدوة عن الصحافة الجماهرية وكان رئيس وفد العراق الصديق الراحل حــــسن نفل ، وألقيت بحثاً هناك بعنوان (الصحافة الشعبية الأسس والمضامين) وصدر البحث ضمن كتاب باللغتين العربية والانكليزية ، وما ادهشني هناك أيضاً المتعة اليومية ليمنيين يجلسون في مواجهة البحر العربي متأملين لساعات طويلة حتى منتصف الليل بدون أي ملل ، وكأنهم يتسامرون معه بينما كانت السلاحف الصغيرة تتجول عند اقدامهم ،
وعلى ذكر السلاحف أيضاً تظل السلاحف محتفظة ببيضها داخل جوفها الى ان تجد المكان الامن لتبيض فيه ، ولذلك تقطع مئات الاميال البحرية لتجد ذلك المكان المناسب الذي تشعر بالاطمئنان عنده .
وضمن الاشارات التي تناولت الارانب ، استوقفني كثيرا التشخيص الذي قاله الجنرال ديغول قائد تحرير فرنسا في الحرب العالمية الثانية من قبضة النازية ، وباني الجمهورية الفرنسية الخامسة حين قال (الحرب كالصيد ، ولكن في الحرب الارنب هو الذي يطلق النار أولاً) في اشارة للتسرع الذي يطبع سلوكها وما يجلب من ويلات مع حقيقة لوجستية ان الارانب لم تربح حرباً في يوم من الايام.
كما تحضرني هنا مشاهد الرصد والترصد التي تقوم بها الصقور للارانب التي يغريها الأفق في التنزه الحر متناسياً المنطق الامني فتنقض عليها الصقور برشاقة.
هكذا هي الدنيا أصلاً مفازة بين الحصافة والحماقة، السلحفاة تجد في عنق الزجاجة مسرحاً واسعاً إذا اقتضت ضرورة الحياة ، والارنب الذي يجد الدنيا عجالة ومأرب ، فيسقط في الحماقة التي يقول أحد الشعراء عنها (لكل داء في الدنيا دواء — الا الحماقة اعيت من يداويها).
وتحضرني هنا ، تلك السيدة العراقية التي استعجلت زوجها الموظف إلى الاثراء وشراء الذهب وحولت البيت إلى وكر للضغينة متهمة (بختها الاسود) بالزواج منه الىغ أن اغرته وحرضته تحريض الاعمى على القفز في بركان فتورط بالفساد ، وهكذا بينما كانت الزوجة تتفاخر امام اخت زوجها بالذهب والالماس الذي اشتراه (الزوج المحروس )، كانت الشرطة تداهم البيت لتلقي القبض عليه بتهم الرشوة والسطو على المال العام ، للتاريخ ، (الحادثة موثقة) والاوراق التحقيقية القضائية الاولية بشأن ما جرى موجودة في خزائن الاسرار العراقية المخجلة التي تحتفظ بجزء منها هيأة النزاهة.
الخلاصة، لي ان اعترف للقارئ ، انني مازلت أبحث ، هل يمكن ان اجد نقاط التقاء بين صبر السلحفاة وفهلوة الارنب، أملي كبير أن أجد ما يعينني على اكتشاف ذلك ، عندها اقترح قانوناً يجرم الذين يحرضون على الفساد ، ويكون الأرنب قد تلقى الدرس المفيد ، بل وتكون السلحفاة قد اعادت النظر بالبطئ الذي تتميز به ، ياللمعادلة الذهبية الصعبة جداً ، (يمشي رويداً رويداً ، ويكون في المقدمة).