إلى من يهمّه الأمر هل مَن يسمع ويفهم؟... أم ماذا!!
إلى من يهمّه الأمر
هل مَن يسمع ويفهم؟... أم ماذا!!
المونسنيور د. بيوس قاشا
في البدء
مرّت بلادنا بحروب عديدة كُتبت علينا، وبحصار واحتلال، وهُدمت بيوتنا وشُتِت أبناء وطننا، وقُتِل وفُقد أعدادٌ من مواطنينا، بل أعداد لا تُحصى، وجُرح الالاف !! فهل تعلمون ما عدد الذين قُتلوا وخُطفوا وشُرّدوا إضافة إلى الجرحى الذين لا تُحصى أعدادهم. والمخيف أننا لا زلنا ندفع الثمن غالياً بسبب الحروب التي شُنَّت علينا وما حلّ بنا، كما لا زلنا حتى الساعة نعيش أزمات تلو أزمات، وطائفيات وعشائريات، ولم نعد ندري إلى أين نتوجه وأين هو السبيل الصحيح والسراط المستقيم.
كبار الدنيا
أقولها: لنسأل مَن هم الذين قادوا الحروب؟، ومَن هم الذين قرّروا الحصار؟ وفرضوا الإحتلال ؟على شعب لم يكن له لا ناقة ولا جمل، لا في الحروب ولا في الإحتلال ولا في الحصار، والذي راح حينها حوالي (3000) طفل عراقي ضحية لقرار بائس!. ألم يكن بإمكانكم أيها الكبار أن تدركوا أن ذلك يأتي في مجال تدمير الطفولة وإهانة حقوق الإنسان وفساد القيم والأخلاق وتشتت العوائل والشعوب؟ ولكن ألم تكن تلك إرادتكم؟ فعملتم على دفن حقوق المكوّنات والأقليات وأنتم تنادون بحقوق الإنسان، فجعلتمونا، كما أصبحنا رغم شهدائنا، من الدرجة الأخيرة في الحفاظ على حقوقنا؟، ألم تكونوا أنتم والآخرين والمصالح السبب في هذه الأزمات وخلق النعرات في الطائفية والعشائرية؟، ألم تدركوا أن شعبنا قد أُهين في كل المجالات وأصبح في قوائم مهملة ومنسية في إحصائيات الدول؟، هل يجوز ذلك؟، هل تعلمون إننا لا زلنا نعاني ضياع السلام والأمان منذ سنين عديدة ومن نصف قرن تقريباً؟، فإن أردتم أن تنعم بلادنا بمستقبل آمن فاعملوا من أجل أن يكون السلام في شرقنا عبر مسيرة الخير والمحبة وليس عبر البيانات والقرارات ومن على منابر الدول، أليس كذلك؟. فهل من الأخلاق أن يضيع السلام في طرق ديارنا، ويُباع بمصالح بائسة ، وتبقى شعوبنا تئنّ من وطأة الحروب والقتال، ويبقى وطننا ضحية لصراعات دولية ودينية وديموغرافية وحسب مشيئتكم !!. فإنني أسأل: أين دور كبارنا قبل كبار الدنيا؟، هل هو عبر أسطر الجرائد وإذاعة الإعلام أم ماذا؟.
وطن الحروب
كان وطننا في السابق ـــــ كما الأزمنة التي مرّت بأجيالها وقرونها ـــــ وطن الحضارات والعلم، وأصبحنا اليوم وطن الحروب والخصومات، فلم نعد نجد أمام أبصارنا إلا تهجيراً ونزوحاً وداعشاً، فآثارنا سُرقت، وهُدمت بيوتنا وديارنا، ونُهبت أموالنا وحلالنا، أمَا كنتم تعلمون ما سيحصل لنا وبنا من داعش الإرهاب؟. والسؤال هو: مَن أتى به ليكفّرنا ويطردنا ويسرق رزقنا الذي ربحناه بعرق جبيننا (تك 1 )؟، نعم، أليس ذلك من أجل دولار أخضر أشتريتم وطنيتنا وإخلاصنا ونفوطنا بل وانسانيتنا ؟ وأصبحنا نحن والوطن سلعة تباع وتشترى كما تشاء المصالح، فضاع كل شيء ولم نعد نملك شيئاً، وما نملكه ليس مُلْكنا، كما أنعم الله على بلدنا بالخيرات والبركات، بالنفوط والغاز، فهي من أجل أولادنا وشعبنا، من أجل تقدمنا وبناء وطننا، فقد كنا نحيا ملء قدر إمكانياتنا، ونرضى برزقنا، ونهنأ بنهارنا وراحة في ليالينا.
كرامة شعبنا
ألم يكن ـــــ ونحن نمرّ بمأساة الحياة ـــــ أن تعيدوا إلينا علمنا، وتعلّمونّ حب وطنكم (وطننا)؟. ألا يكفي ملء بطوننا ، ونهب كنوزنا وتهجير عقولنا، وسرقة كفاءاتنا ، ولمّ شمل مواطيننا، وتمزيق رباط وطنيتنا ومواطنتنا، بحجّة حمايتهم والمحافظة عليهم. وحصل ماحصل، وهو إننا ذُبحنا كلنا، كما أصبحت نفوطنا وخيرات بلدنا مُلْكاً لمصالحكم ومحرَّمة علينا، وأمسينا فقراء، وأصبح شعبنا بسببكم فقيراً يتسوّل بين طرقات الأزقّة والشوارع ويستعطي من كبار الزمن،ومن منظمات مصلحية دولية ، وأمست أجيالنا بلا مدارس، ومستشفياتنا بلا دواء ولا أطباء، فأين كرامة شعبنا، وأين حقيقة نعمتنا؟ أليس كذلك؟، وهل تعلمون أنه بسبب ما حصل أصبحنا تائهين في مسيرة الحياة، وأصبح الرزق فساداً، والنهار مخيفاً، والراحة لم تعد ذكرى؟، وفي كل ذلك كنتم تتفرّجون علينا، وتطبخون مواعيد تحريرنا كما كنتم تقولون، إذ كنتم مدركين تماماً أنه ليس باستطاعتنا سوى الطاعة والخنوع وليس فقط الخضوع، وربما السبب سببنا.ألستم أنتم من تقولون ، إن كبارنا ورؤساءنا وسياسيينا غير متّفقين ولا متّحدين، بل منقسمين وغير منتمين إلى حقيقة وطنهم، ويفتشون عن مصالحهم وعشائرياتهم وطائفياتهم وقبائلهم، وربما حسناً تقولون وفي ذلك كثير من الحقيقة، ولكن أليس السبب هو سببكم أيضاً؟، ألستم أنتم الذين تشجعونهم على بيع مصالح أوطانهم ؟من أجل ملء جيوبهم ونسيان حب وطنهم وفدائه وخلاصه من أزماته؟، فأنتم تشترون وتبيعون كبارنا، وكل هؤلاء جعلتموهم سلعة للمصالح وحسب ما تهوى نيّاتكم لأجل خير غاياتكم ومن أجل أمان بلادكم. أليس كذلك!.
حدود حريتنا
نعم، فبعد تهجيرنا آويتمونا في كرفانات، ومنحتمونا دواءكم، وكنا راضين بنعمتكم وعطاءكم، ودعونا بالسلام لشعوبكم ولأوطانكم، ولكن ألم يكن هذا الغذاء وهذا الدواء وهذه الكرفانات مفيدة لشعوب بائسة ودول فقيرة لولا عملية داعش الإرهابي التي خيّمت على نفوسنا وبيوتنا، والتي كتب التاريخ مسيرة الألم التي عشناها؟. كما كان لنا حرية العبادة ولا أكثر من ذلك، وهنا تقف حدود حريتنا، وبئس الحدود التي تؤشَّر من قبل البشر، ففي ذلك ينسون أن الله قال:"هي ذي الأرض كلها لكم" (تك1)، يعني لجميع الشعوب، فلماذا تعلّموا حكّامنا أن حرية الإيمان حرية مقدسة ؟ كما هو الحال في بلادكم. ولكن أين هو تحقيقها وعيشها كما ولا زالت قضايانا في أروقة مكاتبهم وكأننا من الكافرين ولا نستحق العيش إلا حسب تعليماتهم وتعليماتكم ؟ والتي أنتم أتيتم بها ، وهذا ما قاد الإرهاب إلى هدم معابدنا وكنائسنا وتنزيل صلباننا من على قببها كما كان شأن ساعات الحرب بعد أن فجّرها داعش الإرهاب.
مستقبل أجيالنا
نعم، لقد قدّمتم لنا دستوراً لحريتنا ولديمقراطيتكم من أجل ديمقراطيتنا، ونحن نفتخر بأول قانون للحياة ودستورها، بحمورابي وآخرين، فقد كنّا ندرك دورنا ومواطنتنا على قدر ما وُهب لنا من نِعَم السماء، فأعطينا شهداء، فما كُتِب فيه لا يليق بنا وبكم قبل أن يكون عاملاً من أجل وطننا وحرية إنساننا وسعادة شعبنا، وما فيه يكفي ليفرّق بين شعبنا وأرضنا ويجعلنا جميعاً أقليات بائسة ،ولا نملك شيئاً، فكلنا مُلْكٌ للكلمة وإعلامها وليس للأرض الطيبة، ولكن بسبب الدستور الذي كتبتموه وصادرتموه لنا ولمسيرة أيامنا ، فهو مليء بثغرات الدمار والقتال والتفرقة والتقسيم وتدمير الحقوق؟، وجعلتم من ديمقراطيتكم وحريتكم سبيلاً لنا للدمار ولكم فيها حقوق مصالحكم. فلقد كنا شعباً واحداً متآلفاً، وكنا وطناً واحداً، متساوين في الحقوق والواجبات، كما كنا بلداً آمناً نحيا فيه ونبني مستقبلنا ومستقبل أولادنا، ولم نكن نحلم إننا يوماً سنكون من الحاملين لحقائبهم وراحلين، أو من المهجَّرين على طرق العالم، فلماذا عملتم على تقسيمنا مسيحيين ومسلمين وصابئة وايزيديين ؟. وفي اختيار منهاجكم التقسيمي هذا، جعلتم منا طوائف سُنيّة وأخرى شيعية وثالثة كردية ورابعة تركمانية ثم مسيحية وأنتم تدركون جيداً إن ذلك سبب لتدميرنا ليس إلا!. فلماذا جئتم بالحروب والحصار،وفي ذلك كنتم سبباً في تفشّي الفساد بديارنا وهدم مستقبل أجيالنا، وأصبحنا مشرَّدين ومهجَّرين من بلد إلى آخر.فنحن عراقيون ، رافديون ، أليس كذلك؟.
دعوات الرحيل
أليس من الواجب الأخلاقي أن تعيدوا بناء ما هُدمتم في وطننا، أليس من الاخلاق أن تحافظوا على مواطنينا من أجل عدم إفراغ أوطانهم؟ بدل أن تأخذوهم تحت عناوين ومسميات مختلفة ، لم نسمع بها من قبلُ، ولم تخطر يوماً على بالنا، من أجل بقاء شعوبكم وخدمة بلدانكم ، بل لا زلتم أحياناً تُصرّحون بأنه بعد سنوات لن يبقى مسيحيٌ في العراق أو في الشرق وما شاكل من هذه الأقاويل،فأنتم تعلنون وأنتم تصرحون ، وهذا ما يؤيّد مرادكم ويحقق مطالبكم الظاهرة والخفية، بدل أن تكونوا روّاداً لسموّ الأخلاق في إعادة البناء والأمن والاستقرار وتثبيت أبناء الوطن في أرضهم، من أجل الشهادة لمسيحيتهم ، والتعايش مع الاخر المختلف ، وأنتم كل يوم تغنون بالتعايش والمعايشة والبقاء في الارض ، فبئس هذه الازدواجية في التعامل مع الشعوب المضطهدة والاصيلة ، وأصبح القارئ والسامع لا يدرك غاياتكم ، ومآربكم . فبحق المبادئ التي تؤمنون بها واليافطات الانسانية التي ترفعونها ، الم تحن الساعة كي تنصفوا الأنسان العراقي وتعودوا إلى حقيقته، والذي دُمّر قلبه قبل أن يموت جسده، وبيع شخصه وهو جنين في بطن أمّه، وقبل أن يرى شمس الوطن المحرقة وجفاف الشتاء؟ كما أليس من واجبكم الأخلاقي أن تعيدوا وتعملوا على إيقاف دعوات الرحيل وإفراغ البلد بمشاريع ترفد الكفاءات، وتزرعوا بذار العلم في أرض الوطن الجريح... فأنتم بلاد الحرية والعلم والتكنولوجيا، ونحن نقرّ ونعترف بذلك ،أليس كذلك؟.
الخاتمة
إلى متى نبقى صامتين؟، وإلى متى نسجد لكبار المصالح ؟ ونكون عبيداً لأناس وظيفتهم خدمتنا والمحافظة على وجودنا والإعلان عن أصالتنا وليس إستعبادنا؟، فالرب أوصانا أن نقول الحق فنكون أحراراً (يو32:8) وليس شهود زور من أجل حفظ ماء وجه الكبار الفاسدين، الذين يسرقون بكل أدب واحترام ، وهم من آل بيت الحقيقة يُسمّون ، فلماذا نركض وراء العبودية؟، ألا يكفي ما حلّ بنا وما قاسيناه؟. إنهم يجلسون ويحاكموننا في المجالس التأديبية، وينهبون ويكذبون ويسرقون بأصول ولا أحد يعرف مكنوناتهم إلا الله (العلي العظيم) والذي على كل شيء قدير، ويعلنون أخباراً مزيّفة عبر التواصل الإجتماعي المزيّف ولا أحد يحاسبهم، بل لا لوم عليهم لأنّ الدنيا تحميهم، والدستور يقيهم، والمناصب تستر خفاياهم.
نعم، فاليوم قبل الغد لنطالب برفض الوجوه التي إستعبدتنا دون أصل حق، وحَكَمَتْنا زمناً كبيراً، فاليوم نحتاج شباباً هم رجالٌ يخافون الله (لو19:16-31) ويقدّسون اسمه (لوقا 2:11)، ويخدمون البشر، ويعلّمون طريق السماء، ويعلنون الحق، ويصلحون الفاسدين بدل حمايتهم وتسميتهم بما لا يستحقون من ألقاب ومهما كانت المصالح والنيات. ولكن هل هي معبَّدةٌ تلك الطريق بعد أن صار الإنسان يعبد الدنيا وكبارها ولهوها، وهو لهم ولها خَرَّ سجوداً، ومن المؤسف أقولها؟فنحن اليوم نؤله بشراً ، وختاماً اُردد، ما يقوله المسيح الحي "من له أذنان سامعتان فليسمع"(متى43:13)، بل من له أذنان سامعتان فليفهم ، فهل هناك مَن يسمع ويفهم؟ وعذراً ، نعم ،إنها الحقيقة ولكن الحقيقة شُيِعَت والعزاء لحامليها . نعم وآمين.